أدب وفنون - 2017.07.06

أحـمـد دحبــور: شاعر التغريبة الفلسطينية

أحـمـد دحبــور: شاعر التغريبة الفلسطينية

في حوار صحفي أجريته معه سنة 2008، قال لي الشّاعر الفلسطيني الكبير أحمد دحبور: «قصّتي عجيبة مع شهر أفريل، ففيه ولدت ذات يوم في حيفا، ولم تمض سنتان على مولدي حتى غادرت مع أهلي إلى الشّتات، كان ذلك في 1948 عام النّكبة، ثم استقرّ بي المقام في مخيّم للاجئين بحمص حيث عشت بعضا من طفولتي وشبابي، ثم أخذني الرحيل إلى مدن عربية شتّى، قبل أن أعود مع العائدين إلى ما أسميته:الجزء المتاح لنا من الوطن». لم يكن محدّثي يدري أنّ القدر سيضع نقطة النهاية لهذه المسيرة الحافلة بالترحال والفن والمقاومة في شهر أفريل أيضا، ففي الثّامن منه هذا العام ترجّل شاعر فلسطين وصوتُها المُغنّي ليطرق باب الأبديّة.

وهو يستحضر ذكريات الشّتات يقول أحمد دحبور: «الوطن هو الحلم المرتجى، حيفا التي ولدت فيها ولم أرهـــا الاّ زائرا، حســرتُها عليّ أم يا حسرتي عليها، وصلتُها لكنْ لم أعد إليها»، يصمت قليلا ويقول: فلسطين موجودة في كلّ فلسطين، كنّا نراها من مدن التّرحال والغربة وعندما دخلناها صرنا ننظر منها إلى العالم، هذا ما أسمّيه البرزخ، هنا وهناك، لكن بمرارة أقول: «ما من بلد عربي آوانا إلا وخرجنا منه مطرودين، وحدها تونس ودّعتنا وقد اختلطت بالدّموع الدّموع»، ينساق محدّثي وراء ذكرياته التي أخذت تتراءى له وهو في خريف العمر في شكل استعارات، فيقول، مثلما قال الهلاليون في تغريبتهم «لا بدّ من لطمة على باب تونس» وأنا أذكر لطمتنا نحن الفلسطينيين، أذكر حمّام الشطّ وكيف تدفّق التّونسيون إلى المستشفيات للتبرّع بالدم حتى ضاق بهم المكان، إنني أتساءل: لولا هذه التغريبة الفلسطينية في تونس الخير، هل كان ما سيبقى منّي هو أنا نفسي؟ تونس تركت فيّ أثرا كبيرا، شأن جيل كامل من الفلسطينيين لم يشعروا فيها بالغربة لحظة واحدة، لقد عشنا بين أهلنا وذوينا إلى أن أزف أوان العودة».

شاعر المقاومة في المنفى

انضمّ أحمد دحبور إلى أجهزة الإعلام في المقاومة الفلسطينية منذ 1968 وتقلّد فيها مهامّ مختلفة حتى عيّن مديرا عامّا لدائرة الثّقافة بمنظمة التحرير وأشرف على مجلّة «البيادر»، عاش في تونس العشر سنوات الأكثر أهميّة في تاريخ القضية الفلسطينية، وكانت له مساهمات متنوّعة في الصحافة التونسية والحياة الثقافية عامّة، ثم عاد إلى «الجزء المتاح من الوطن» بعد اتّفاقيات أوسلو 1994، ليعيش بين غزة ورام الله القسم الأخير من حياته.

لم يتلقّ أحمد دحبور تعليما أساسيا عاليا بل اعتمد على نفسه في الاطّلاع على الشّعر العربي قديمه ومحدثه، فضلا عن عيون الأدب العالميّ، ومنذ العام 1964 بدأ نشر دواوينه الشعرية التي ظهرت في أعماله الكاملة عن دار العودة سنة 1982 وهي (الضّواري وعيون الأطفال، حكاية الولد الفلسطيني، طائر الوحدات، بغير هذا جئت، اختلاط الليل والنهار، واحد وعشرون بحرا، شهادة بالأصابع الخمس)، ثم نشر في التّسعينات أربع مجموعات أخرى هي: (هكذا، هنا هناك، كسور عشريّة، جبل الذّبيحة)، وهو يعتبر من أبرز أسماء «الجيل الثاني من الشّعراء الفلسطينيين في المنفى» مع مريد البرغوثي ومحمد القيسي وعز الدين المناصرة ووليد سيف ومي صايغ وآخرين. تقول رضوى عاشور عن هذا الجيل: «لقد تشكّل وجدانه في المدّ النّاصري الذي ساد الأمّة في أواخر الخمسينات وحتى حرب 1967، وكانت هذه الهزيمة التي جرت تسميتها بالنّكسة بداية لتساؤل هذا الجيل ومحاولته فهم الواقع، ثم كان الكفاح المسلّح هو الردّ الذي طُرح للخروج من هذا المأزق التّاريخي المُخيف»، أمّا شعر أحمد دحبور فتقول عنه إنه «نتاج البيئة الفلسطينية الكادحة، يلخّصها المخيّم والتّراث العربيّ المكتسب من تاريخ الأمّة»، تؤكد ذلك الناقدة جهينة خطيب إذ ترى أنّ التّناصّ التّاريخي يحتلّ جزءا كبيرا من الفضاءات الدّلالية في شعر دحبور فهو يستحضر شخصيّات كان لها دور كبير في نصرة العرب، ويوظفّها في مفارقة مؤلمة على غرار شخصية صلاح الدين الأيوبي ونصره في حطّين، في قوله:أنَا الرَّجُلُ الفِلسْطِينِيُّ.

أَقُولُ لكُـمْ: رَأَيْتُ النُّــوقَ في وَادِ الغَـــضَا تُذْبَحْ، رَأَيْتُ الفَارِسَ العَرَبِيَّ يَسْألُ كِسْرةَ خُبْزٍ مِنْ حِطّينَ وَلَا يَنْجَحْ فَكَيْفَ بِرَبِّكُمْ أَصْفَحْ؟

كما امتازت تجربة أحمد دحبور الشعرية بضرب من التجريب الإيقاعي يعكس انشغالا فكريّا بالمسألة الشّعرية وهو ما أسماه أنطوان شلحت «المغامرة الشكلانية» بدءا من مجموعته الشعرية السادسة «واحد وعشرون بحراً» (1980)، والمجموعات التي تلتها. وقد فسّر دحبور ذاته هذه المسألة بقوله: إنّ ما أرّقني طويلاً هو وصول القصيدة العربية المعاصرة إلى ما يمكن أن نسمّيها التقليدية الجديدة، فنحن غالباً ما نقرأ الكتب نفسها، ونجري الحوارات نفسها، ونعاني الهموم (الوطنية والاجتماعية خصوصاً) نفسها، وإذا ما حملنا هذا كلّه إلى أوعية القصيدة الحديثة ذات التفعيلة، وجدنا أننا نسبح في بضعة بحور شعرية محدّدة، الأمر الذي يساعد، ضمن عوامل أخرى، على كتابة قصيدة موحّدة، بحيث كاد التّمايز بين شاعر وآخر يقتصر على الدّرجة في الطاقة الشعرية، لا على النوع الشعري.

أحمد دحبور شاعر اللوز الأخضر

يمتاز أحمد دحبور عن مجايليه بالانغماس المباشر في تجربة الأغنية الملتزمة، فلئن نهلت فرقة العاشقين من التراث الفلسطيني أوّلا ومن عيون شعر المقاومة ثانيا فإنّ أحمد دحبور كان الشّاعر الملازم لها منذ تأسيسها وكاتب عدد كبير من أشهر نصوصها، كان ذلك سنة 1977 عندما قرّرت دائرة الثّقافة بمنظّمة التّحرير الفلسطينيّة برئاسة ياسر عبد ربّه وإدارة عبد الله الحوراني أن تنتج مسرحيّة بعنوان «المؤسسة الوطنية للجنون» ألّفها سميح القاسم، وطُلِب من أحمد دحبور أن يكتب بعض الأغاني لإثراء هذه المسرحية، فلم يلتزم كثيرا بالسّياق الدرامي وتحرّر منه نسبيّا في أغنية اللّوز الأخضر: والله لَزْرَعَكْ بِالدَّارْ يَا عُودِ اللّوْزِ الأَخْضَرْ ورْوِي هَالأَرْضْ بْدَمِّي تِتْنَوَّرْ فِيهَا وْتِكْبَرْ يا لَوْزِ الأَخْضَرْ، نَادِي فْلِسْطِينِ الخَضْرَا بْلاَدِي  مِدّولِي هَالأَيَادِي حَتَّى بْلَادِي تِتْحَرَّرْ. حقّقت هذه الأغنية نجاحا باهرا بلحن وضعه الفنان حسين نازك حتى اعتقد الجمهور أنّها من الفولكلور الشعبي، يقول أحمد دحبور: « يومها انتبه عبد الله الحوراني إلى أهميّة أن يكون لدينا مشروع موسيقي خاص بفلسطين، فطلب من حسين ومني إنجاز هذه المهمّة، وعلى الفور ومن غير تفكير طويل تساءل أبو علي نازك عمّا إذا كان مُمكنا أن نُسمّي الفرقة المُقترحة «أغاني العاشقين»، هكذا ولدت الفرقة الغنائية التي جابت البلاد العربية طولا وعرضا للتّعريف بالقضية الفلسطينية ورفع شعاراتها في المسارح والشّوارع والجامعات «فاستوعبت الكلمة والنص الوطني العابر للحدود ، واستطاعت أن تترك بصمة لا تزول بسهولة من الذّاكرة العربية عامة والفلسطينية خاصة ، إلى الدّرجة التي أصبحت فيها الفرقة من رموز الثّورة الفلسطينية مثل: الكوفية، وصورة ياسر عرفات، وعلم فلسطين». وظلّ أحمد دحبور مُلازما لفرقة العاشقين منذ تأسيسها وحتى نهايتها في العام 1993 وحاضرا في مختلف أعمالها إذ انتجت ثمانية ألبومات أشهرها «سرحان والماسورة «سنة 1978، كما كتب سيناريو مسلسل «عزّ الدّين القسّام» عام 1980 الذي قاده إلى اكتشاف حسين المنذر صاحب الصوت الجبلي هذا الذي سيصبح مغنّي فلسطين الأوّل.

عامر بوعزّة

مراجـــــع

لفلسطين نغني، أغاني الثورة والعاشقين والتراث، منشورات الفرقة المركزية لفلسطين. أنطوان شلحت، مغامرة أحمد دحبور، العربي الجديد 22 يونيو 2016 رضوى عاشور، ثلاثة شعراء للمستقبل مجلة الأقلام 1 ماي 1975 يوسف حطيني، ديوان الشعر الفلسطيني.

جهينة خطيب، حوار النصوص في شعر أحمد دحبور (موقع الجبهة)

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
1 تعليق
التعليقات
الدكتور ابراهيم درباش ... رام الله - 16-02-2018 18:55

عود اللوز الأخضر ليست لأحمد دحبور بل هي فلكلور ويمكنك مراجعة كتاب يسرى جوهرية (الأغنية الشعبيةالفلسطينية . - هل يمكن أن نقسم الشعراء الى أجيال بفارق العمر سنوات بينهم وبين درويش... اذن يصبح درويش حسب هذه المعادلة الخاطئة ليس من جيل توفيقزياد. مثلا - أفضل تقسيم هو ما وافق عليه شعراء الجنوب اللبناني: 1.- شعراء الثورة الفلسطينية في المنفى : عزالدين المناصرة - معين بسيسو- مريد البرغوثي- أحمد دحبور ) 2- ( شعراء الاحتجاج في شمال فلسطين ): محمود درويش- سميح القاسم- توفيق زياد - راشد حسين . - المجموعة الأولى انتمت لفلسفة التحرر الوطني والكفاح المسلح- والمجموعة الثانية انتمت للحزب الشيوعي الاسرائيلي الذي يقول ب( ضرورة قيا م دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل. - انشق درويش عن الحزب الشيوعي الاسرائيلي وانضم الى المجموعة الأولى عام 1973. - قال درويش في وصيته الأخير في حواره مع الدكتور فييصل دراج قبل أسبوعين من رحيله ( إنه ما زال معجبا بأعمال عزالدين المناصرة الشعرية - والمرحلة الأخيرة من شعر مريد البرغوثي).

X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.