من ضحايا الأخطاء الطبية في تونس
كثيرة هي القضايا التي رُفعت ضدّ أطباء ومؤسسات استشفائية عمومية وخاصّة بسبب عدم الاحتياط والتقصير والإهمال وعدم التنبّه، ممّا أدّى في عديد الحالات إلى وفاة المريض أو المريضة وفي حالات أخرى إلى تشوّهات وإعاقات دائمة. ونعرض في الجزء الأوّل من هذا الملفّ قضيّتين أصدر فيهما القضاء أحكاما أقرّت وجود خطأ طبّي وقضيّتين أخريين لا تزالان في طور البحث والتحقيق.
الطفل حسام ضحية التقصير وسوء التقدير
حسام الرياحي، طفل وسيم.. يبلغ من العمر تسع سنوات، تلميذ في السنة الثالثة ابتدائي بمدرسة عبد الرزاق الشرايبي بالعاصمة.. كان مفخرة والديه لما يتميّز به من نبوغ وتفوّق في الدراسة. تعكّرت حالته الصحيّة يوم 11 جوان 2013 جرّاء تجرّعه على وجه الخطأ كميّة من مادّة «الجافال» فنقلته أمّه هندة الورغي الرياحي، أستاذة تعليم سلك مساعدي الأطباء في المدرسة العليا لعلوم وتقنيات الصحّة إلى المستشفى العسكري حيث أجريت عليه فحوص طبية بيّنت أنّه كان يشتكي من التهاب بالبلعوم والمعدة.
وبعد يومين تمّ تحويله إلى قسم جراحة الأطفال بمستشفى الحبيب ثامر. وقرّر الطبيب المباشرالدكتور ي.غ تغذيته عن طريق الشريان وذلك حفاظا على معدته من التلف بكيس من سعة ليترين من مادّة Climonel 7 «دون أن يبيّن كيفية التغذية ولا الكميّة الواجب إعطاؤها للمريض في اليوم» حسب أحد الشهود.
وتقول السيدة هندة إنّ حالة حسام ازدادت تدهورا بعد عشرة أيّام إذ ظهرت عليه أعراض غير عادية كصداع شديد في الرأس والتبوّل المتكرّر وأوجاع على مستوى الظهر وحكّة مفرطة إلى أن أصبح يشتكي من أوجاع حادّة في جنبيه قرب الكلى ممّا جعله لا يتبوّل إلّا بصعوبة.
وفي يوم 23 جوان 2013، اتّضح من التحاليل الطبية أنّ نسبة السكر بدم حسام كانت مرتفعة وتوقّفت الكلى عن العمل. ولم يخضع الطفل لعملية تصفية الدم بعد استشارة رئيس قسم أمراض الأطفال بمستشفى شارل نيكول. ولمّا فقد المريض وعيه، قرّر أطبّاء الإنعاش وضعه تحت التنفس الأصطناعي، لكن في الأثناء توقّف قلبه عن العمل فتمّ إخضاعه لتدليك اصطناعي للقلب قبل تحويله إلى قسم الإنعاش حيث توفّي بعد ساعات.
وتضيف والدة حسام أنّ الوفاة لم تكن ناجمة عن تلّوث جرثومي كما أريد إثباته في البداية لاستبعاد وقوع خطأ طبّي، إذ أنّ الدكتور ك.ب رئيس قسم التخدير والإنعاش بالمستشفى الذي أقام به الهالك أمدّ القضاء ووزارة الصحّة بتقرير أوضح فيه أنّ الوفاة كانت في علاقة مباشرة بالتغذية عن طريق الشريان بمستحضر Climonel 7 بمقادير لم تكن مناسبة لوزن الطفل وعمره، وهو ما أكّده الأطبّاء الخبراء المنتدبون من قبل القضاء في تقريرهم الذي جاء فيه أنّ «طريقة التغذية عن طريق الشريان ومتابعة حالة الطفل حسام من حيث المراقبة الطبيّة لم تكن ملائمة بالمرّة لحالته الصحيّة ووزنه الذي لم يتجاوز العشرين كلغ وذلك بغياب المراقبة المستمرّة المستوجبة عبر القيام بالتحاليل البيولوجية اللازمة بصفة دورية».
وخلصوا إلى أنّ «ترك الطفل حسام مقيما بقسم جراحة الأطفال لم يكن قرارا مناسبا ومتماشيا مع حالته الصحيّة بل كان من المفروض وضعه تحت المراقبة البيولوجية والسريريّة بقسم الإنعاش والعناية المركّزة وانتهوا إلى «أنّ الوفاة ناتجة عن تغذية الطفل الهالك بواسطة الحقن عبر الشريان بمستحضر Climonel 7 بطريقة غير مناسبة لسنّه ووزنه».
وقد قضت المحكمة الابتدائية بسجن الدكتور ي.غ مدّة عامين واستأنف المحكوم عليه هذا الحكم واستأنفه كذلك القائمون بالحقّ الشخصي.
وتذكر السيّدة هندة الورغي الرياحي ببالغ التأثّر أنّ ما حزّ في نفسها وفي نفس زوجها أنّ الطبيب لم يشأ الاعتراف بخطئه، وهو ما كان من شأنه أنّ يخفّف المصاب الجلل الذي حلّ بهما وبأفراد أسرتهما، مضيفة أنّها لم ترفع دعوى مدنية للحصول على تعويض لأنّ لاشيء في هذه الدنيا يمكن أن يعوّض عن فقدان حسام.
مولودة بذراع مبتورة
تبلغ شيماء.م من العمر 25 عاما وهي تشكو منذ الولادة من إعاقة دائمة جرّاء «خطأ فنّي» ارتكبه طبيب مقيم.
ولا يزال والدها القائم بالحقّ الشخصي ينتظر الحصول على تعويض بعد أن قضت محكمة الاستئناف بسوسة الترفيع في الغرم المادي إلى ثلاثين ألف دينار وفي الغرم المعنوي إلى خمسة عشر ألف دينار وأقرّت الحكم الابتدائي الصادر ضدّ المتهم والقاضي بتخطئته بمائة دينار. وقد أفاد الدكتور طه زين العابدين مدير التفقدية الطبية والموازية للطبية بوزارة الصحة أنّ الوزارة ملتزمة بجبر الضرر إلا أنّها تنتظر تصحيح خطأ في الاسم في نصّ الحكم لصرف التعويض.
وتعود وقائع القضية إلى يوم 22 فيفري 1992 عندما دخلت المرأة عائشة مركز التوليد وطبّ الرضيع بسوسة لوضع مولودها.
وباشر عمليّة التوليد طبيب مقيم ف.م الذي طبّق طريقة الفورسابس forceps غير أنّه لم يتوصّل إلى نتيجة فاستنجد برئيسه المباشر م.ب الذي تولّى إجـــراء عملية قيصرية فتمّ إخراج مولودة وذراعها اليمنـــى مبــتورة على مستـوى الثلث الأعلى وحـافة عظامـــها ظاهرة ومشوّهة. وقرّرت مجموعـة من الأطبّاء من اختصاصات مختلفة إثر ولادة شيماء عدم إجراء عملية زرع لليد المبتورة وتوجيه المولودة إلى قسم جراحة الأطفال بالمستشفى الجامعي بالمنستير لمداواة الجرح وإيقاف النزيف بذراعها، في حين عُرضت اليد المبتورة على قسم تحاليل الخلايا لإجراء التحاليل اللازمة.
واستبعدت هيئـــة طبّية في تقرير الاختبار فرضية البتر الطبيعي لذراع المولودة شيماء واعتبرت أنّ «الأرجح هو أنّ الإصابة نجمت عن استعمال الملقط أثناء عملية الفورسابس التي أجراها المتهمّ وأنّ البتر ناجم عن خطأ فنّي».
حُقنا بدم غير مطابق لنوع الدم وفصيلته
يحدث أحيانا أن يكون سبب وفاة المريض حقنه بدم غير مطابق لنوع دمه وفصيلته، وهو ما حصل في شهر فيفري الماضي، عندما توفّي مريض أربعة أيّام بعد قبوله في مصحّة خاصّة في قابس نتيجة حقنه بدم من نوع وفصيلة +B عوض +A وقد تمّ إيقاف طبيب مختصّ في التخدير والإنعاش والبحث جار في هذه القضية. ولا تزال الأبحاث جارية في قضية مماثلة حيث توفّي م.ط. ب البالغ من العمر 71 عاما يوم 15 ماي 2013 بعد أن أجريت عليه قبل أسبوع من تاريخ وفاته عملية جراحيّة لوضع جهاز اصطناعي بالركبة اليسرى في إحدى المصحّات الخاصّة بالعاصمة وقد حُقن بدم من نوع وفصيلة +A عوض +O.
وخلصت التفقدية الطبية والموازية للطبية بوزارة الصحّة في تقريرها الصادر في 31 جانفي 2014 إلى أنّ «حصول حادث في حقن الدم في علاقة بخطأ في تسجيل نوع الدم وفصيلته على الملف الطبّي كان مصدر تدهور صحّة المريض ووفاته...» وأعلمت التفقدية المجلس الوطني لعمادة الأطباء بالمخالفات التي ارتكبها طبيبان مختصّان في التخدير والإنعاش وطبيبة مختصّة في تصفية الدم لاتخاذ عقوبات تأديبية ضدّهم.
عبد الحفيـظ الهرقـام
قراءة المزيد
الأخطاء الطبية: أكثـر من 350 شكــاية سنـويّا
- اكتب تعليق
- تعليق