الأخطاء الطبية: أكثـر من 350 شكــاية سنـويّا
أكّد الدكتور طه زين العابدين مدير التفقدية الطبية والموازية للطبية بوزارة الصحّة أنّه «لا يمكن الحديث عن الخطأ الطبّي أوالحادث الطبّي دون الخوض في المسؤولية الطبيّة والإطار القانوني الذي يحدّدها. بالنسبة إلى القانون التونسي لم يحدّد المشرّع مفهوم الخطأ الطبّي ولم يعرّفه بقدر ما حدّد الخطأ بصفة عامّة، وهو فعل ما وجب تركه أو تـرك ما وجب فعله دون نيّة الضرر. وفي هذا المفهوم كان للقضاء التونسي دور كبير في ضبط ملامح الخطأ الطبّي وقد حدّده إمّا بالخطأ البسيط أو بالخطأ الجسيم مع ذكر مقاييسه على أساس أن يكون إهمالا أو تقصيرا أو عدم المعرفة، إضافة إلى تحديد العلاقة بين المريض والطبيب.
تطوّر مفهوم الخطأ الطبّي
في قرار مرجع يعود إلى سنة 1936 أقرّ القضاء الفرنسي أنّ العلاقة بين المريض والطبيب عقد يربط الطرفين ويلزم الطبيب بضرورة بذل العنـاية حسـب العلـوم المتعــارف عليها. كما يمكن القـــول إنّ القضاء طوّر مفهوم الخطأ الطبّي مـن عـلاقة تعاقدية إلى إقـرار قـــرينة الخطأ، بمعنـى أنّه كان في السابق على المريض إثبات العــلاقة السببيّة بـين التدخّل الطبّي والضرر الحاصل له فجاء القضاء، أمام خصوصيات الفعل الطبّي الخاضع لتقنيات وعلوم، ليسعف المريض من ضرورة إثبات هذه العلاقة السببيّة ويقرّ قرينة الخطأ. فليس على المدّعي أن يثبت وجود الخطأ، بل على المدّعى عليه أن يثبت عدم وجوده. كما طوّر فقه القضاء مفهوم الخطأ وصنّفه إلى صنفين:
- الخطأ الشخصي الذي يعود مباشرة إلى التدخّل الطبّي
- الخطأ المرفقي الذي يعود إلى المؤسسة الاستشفائية، سواء كانت عمومية أو خاصّة.
ومن منظور قضائي يكون الخطأ المرفقي نتيجة سوء تنظيم أو قلّة جاهزيّة، ممّا يمهّد إلى وجود الضرر.
ويكمن دور وزارة الصحة في الرقابة القائمة على المؤسسات الاستشفائية العمومية والخاصّة بمقتضى الأمر المتعلّق بتنظيم وزارة الصحة العمومية لسنة 1974 وتتمثّل مهمّة التفقدية الطبية والموازية للطبية والإدارية للصحّة في تفقّد المصحّات الخاصّة والمؤسسات الصحيّة العمومية ومراكز تصفية الدم ومحلاّت المهن شبه الطبية والعيادات الطبية، علاوة على معالجة الشكاوى والبتّ فيها».
ازدياد عدد الشّكاوى
وأفاد الدكتـــور طه زيـن العـابديــن أنّ الوزارة تسجّـل سنويّا بـين 350 و400 شكـــوى متّصلة بشبهـــة أخطاء طبيّــــة، وقد لوحـظ في الفترة الأخيرة تطوّر عدد هذه الشكاوى بنسبة تتراوح بين 25 و30 بالمائة، علما وأنّ القضاء هو الذي يكيّف الأفعال الطبية ويحدّدها. وتعود أسباب ازدياد عدد الشكاوى، في نظره، إلى تنامي درجة وعي المواطن بمفهوم الخطأ الطبّي وارتفاع مستواه الثقافي وثقته في القضاء لإنصافه، إضافة إلى أنّ الطبّ في تونس تجاوز مفهوم الالتزام ببذل العناية في العلاج إلى الالتزام بالنتيجة بفضل تطوّر التقنيات الطبية.
وأضاف أنّه لا يمكن مقاربة مسألة الأخطاء والحوادث الطبية بمعزل عن الإطار العام للخدمات الطبية التي يؤمّن 80 بالمائة منها القطاع العمومي في حين يؤمّن القطاع الخاصّ النسبة المتبقيّة، موضّحا أنّ عدد العمليات الجراحية المجراة في المؤسّسات الاستشفائية العمومية يتراوح سنويّا بين 900 ألف و950 ألف سنويّا من أبسطها إلى أكثرها تعقيدا، مقابل 350 ألف عملية جراحية في المؤسسات الاستشفائية الخاصّة. ويبلغ عدد العيادات في جميع الاختصاصات الطبية 22 مليون عيادة سنويّا في القطاع العمومي، دون احتساب التلاقيح والعيادات الخاصّة بالأمّ والطفل.
وبيّن الدكتور طه زين العابدين أنّ العمليات الجراحية الأكثر عرضة إلى الأخطاء أو الهفوات أو الأحداث الطبية هي العمليات الدموية في عدد من الاختصاصات كأمراض النساء والتوليد وجراحة الأعصاب وجراحة المفاصل والعظام.
وبشأن القضايا المنشورة لدى المحاكم التونسية والتي تمسّ الهياكل الصحيّة العمومية أدلى بالبيانات التالية:
سنة 2012: 127 قضية, 76 بالمحكمة الإدارية و51 بالمحاكم المدنية
سنة 2013: 147 قضية, 96 بالمحكمة الإدارية و51 بالمحاكم المدنية
سنة 2014: 84 قضية
سنة 2015: 215 قضية إلى حدود شهر نوفمبر
وأوضح أنّ أكبر نسبة من هذه القضايا المنشورة تمسّ المؤسّسات الاستشفائية الجامعية، ويفسّر ذلك بالاكتظاظ الذي تشهده هذه المؤسسات وبتوفّر الاختصاصات الطبية فيها وكذلك بارتفاع عدد العمليات الجراحية التي تُجرى بها.
وبخصـوص قضية اللـوالب المنتهية الصلـوحيّة التي استأثرت باهتمام الرأي العام في السنة الماضية، ذكر الدكتور طه زين العابدين أنّ الوزارة تعهّدت بالملفّ بالتحقيق والتقصّي واتخذت عقوبات ضدّ بعض المصحّات الخاصّة بما فيها الغلق المؤقّت لقاعات القسطرة بها، من شهر إلى ثلاثة أشهر ولمدّة ستّة أشهر بالنسبة إلى إحدى المصحّات. كما طلبت من المجلس الوطني لعمادة الأطبّاء التونسيين إحالة سبعة أطبّاء على مجلس التأديب، ومن أصحاب المؤسسات الخاصة التعهّد بالمحافظة على المستلزمات الطبية واحترام القواعد المتعلّقة بفترة صلوحيتها.
واجب إعلام المريض
وذكّر مديـر التفقدية الطبيـة والمـوازية للطبيـة بـأنّ قانون سنـة 1991 المتعلّـق بالتنظيـم الصحّـي نـصّ على أنّـــه: «لكـــلّ شخـص الحـقّ في حمــاية صحّته في أحســـن الظـــروف» وبأنّ ميثــاق المريـض بيّن أنّه من حقّ المريض إعلامه بمختلف الكشوفات والعلاجات المقترحة وبالأنشطة الوقائية الضرورية وأخذ رأيه بشأنها، فضلا عن وجوب إعلامه بكلّ أمانة بالإمكانيات والطرق والوسائل المتوفّرة لعلاجه، وذلك قصد تشريكه في اتخاذ القرار العلاجي الذي يخصّه.
وأشار إلى أنّ المنشور الصادر عن وزير الصحّة في 23 نوفمبر 2012 قد أكّد وجوب إحاطة المريض علما بمخاطر ومضاعفات الطرق العلاجية كلّما كانت تهــدّد حياته أو قدرا هامّا من سلامة جسمه حتّى وإن نـدر وقوعها، علاوة على ضرورة التنصيـــص بالملفّ الطبّي على الساعة والتاريخ الذي تمّ فيه الإعلام بمختلف المعطيات المتعلّقة بتشخيص المرض ونوعية المداواة المقترحة والانعكاسات التي يمكن أن تترتّب عنها.
قانون جديد لتحديد مفهوم المسؤولية الطبية وضمان حقوق المرضى
ولاحظ الدكتور طه زين العابدين أنّ وجود الضّرر الحاصل للمريض يكفي في حدّ ذاتـه لإقرار التعـويض، وهو ما أكّدته المحكمة الإدارية في العديد من القرارات، إلّا أنّ من الإشكالات القائمة بالنسبة إلى المسؤولية الطبيّة طول الآجال في تحديدها وفي إقرار غرم الضرر الناتج عنها.
وبيــــّن أنّ وزارة الصحـة ارتأت ضـرورة سـنّ قـانون جـديـد يحـدّد مفهـوم المسـؤولية الطبيـة وحقـوق المريض، والهدف منـه تعريف الخطـأ الطبّـي غيـر القـصدي- وسيتمّ ذلك لأوّل مـرّة- إضافة إلى تحديـد مفهوم التعــويض.
ويقـــرّ «مشـــروع القــانون المتعلّـق بحقوق المرضى وطرق التعويض عن الأضـرار النـاجمة عـن الحـوادث الطبيّـة والأخطاء الطبيّة غيـر القصدية» الذي هـــو بصــدد الدرس ما يسمّى التسوية الرضــائية وهو اتفاق يُبرم بين الجهــــة المعنيـــة بالتعـويض والمتضرّر أو من ينوبه، وذلك بغية تأمين حقوق المرضى في التعويض وتقصير الآجال الخاصّة بهذا التعويض، فضلا عن وضع آلية تعتمد التحكيم دون المرور بالقضاء تمكّن المتضرّر من التعويض عن الخطأ الطبّي، وليس القصد من القانون الجديد الإعفاء من المسؤولية الطبيّة.
قراءة المزيد
من ضحايا الأخطاء الطبية في تونس
- اكتب تعليق
- تعليق