تونس ـ إيطاليا: عندما يَفْتَحُ الجيرانُ أبوابهم الواسعة
روما ـ من موفد ليدرز الخاص، التّوفيق الحبيّب:
عاد الرّئيـــس البــاجي قايد السّبسي من زيـــارة الــدّولة التي أدّاها يومي 8 و9 فيفري 2017 إلى روما مفعما بشعور عميق بأنّ أبوابا واسعة تفتح من جديد أمام البلدين واعتزاز بما لمسه لدى كلّ القادة الإيطاليين من محبّة خاصّة لتونس وتقدير كبير لدورها الرّيادي في المنطقة ودعم للمبادرة التي أطلقها لدفع الأزمة اللّيبيّة نحو حلُول التّفاهم والوحدة الوطنيّة. وبقدر ما حرصت إيطاليا على إبراز مظاهر الحفاوة والتّقدير، فإنّها اغتنمت فرصة هذه الزّيارة لتعميق المباحثات لتشمل قضايا تعتبرها حيويّة بالنّسبة إلى البلدين، وخاصّة منها الهجرة السريّة والتّطرّف الدّيني والإرهاب.
وقد توفّق الرّئيس الباجي قايد السّبسي إلى إقناع القادة الإيطاليين، بخصوص الهجرة السريّة، بضرورة القضاء على أسبابها الاقتصاديّة وإقرار خطّة متكاملة يُصيغها الاتّحاد الأوروبّي بالتّعاون مع دول جنوب المتوسّط وإفريقيا، تتعدّى إحكام خفر السّواحل إلى إطلاق مشاريع انمائيّة في دول المصدر. وكانت كلمة تونس مسموعة بانتباه بعد نجاحها في الحدّ من إبحار المهاجرين ا لسرّيين عبر سواحلها من 22 ألف سنة 2011 إلى ما لا يزيد عن الألف في السّنوات الأخيرة.
وكذلك هو الشأن بالنّسبة إلى التّطرّف ا لدّيني العنيف والإرهاب اللّذين يستدعى مكافحتهما مقاربة أشمل من المواجهة الأمنيّة والعسكريّة لاستئصال أسباب الشّعور باليأس والإحباط وغرس قيم العلوم والثقافة والرّقيّ في نفوس الشّباب.
وقد أصغى المسؤولون الإيطاليّون إلى الرئيس الباجي قايد السّبسي باهتمام كبير باعتباره يفصح لهم عن خلاصة تجربة حقيقيّة تعيشها تونس ويتحدّث عن حكمة ورويّة. عديد الشّخصيّات الإيطاليّة، انطلاقا من رئيس الجمهوريّة والوزير الأوّل وكذلك كلّ من رئيس مجلس الشّيوخ ورئيس مجلس النّواب بالخصوص، عبّروا عن توافقهم مع التمشّي التّونسي وحرصهم على إسناد المسار الديّمقراطي، بنجاح اقتصادي ورفاه اجتماعي، وذهب البعض منهم إلى حدّ التّعبير في نقد ذاتي جريء، وعلني، عن تقصير إيطاليا والاتّحاد الأوروبيّ والمجموعة الدّوليّة في دعم تونس، وانتقاد غياب سياسة متوسّطيّة فاعلة ومنجزة. وأشادوا بتجربة تونس في صمودها أمام التّطرّف والإرهاب بالتّوازي مع ترسيخ الدّيمقراطيّة واعتبروها عنصرا هامّا لاستتباب الأمن والاستقرار في المنطقة. ولئن جاءت اتفاقيّات التّعاون المبرمة بين البلدين في عديد المجالات لتقرّ برامج عمل مضبوطة فإنّ إعلان إيطاليا منح تونس مبلغ 165 مليون يورو منها 65 مليون يورو في شكل هبة والباقي في شكل قرض تفاضلي، يشكّل فاتحة لما هو أهمّ، خاصّة مع اقتناع كبرى الشّركات بما يتوفّر في تونس من فرص استثمار قيّمة.
ولقد عرف الرّئيس الباجي قايد السّبسي كيف يجلب لتونس اهتمام إيطاليا الرّسميّة وإيطاليا الاقتصاديّة من خلال مدخلين إضافيين رئيسيين. أولهما ليبيا والكلّ يعرف أهميّة هذا البلد بالنّسبة إلى إيطاليا بحكم الجوار والتّاريخ والمصالح. ولئن بقي مجال تحرّك إيطاليا في هذا الملف محدودا جدّا خاصّة مع مصر جار ليبيا الشّرقي، فإنّها تجد في مبادرة تونس، مع كلّ من الجزائر ومصر، فرصة هامّة تجعلها تواكب المستجدات وقد تفتح لها يوما ما إمكانيّة استعادة موطئ قدم ضمن جهود حلّ الأزمة. وعلى الصّعيد الاقتصادي فإنّ استرجاع إيطاليا لدورها في تسوية الوضع اللّيبي يسمح لشركاتها بالمساهمة في إعادة الإعمار والاستفادة ممّا يتاح من فرص تجاريّة وغيرها. وتعلم إيطاليا أنّ تونس هي المعبر البرّي الأساسي إلى ليبيا، وعلى الأقل من جهتها الغربيّة.
أمّا المدخل الثّاني، فيتمثّل في إثارة اهتمام الشّركات الإيطاليّة بالمشاريع الكبرى التّي سيتمّ تنفيذها في تونس خاصّة وأنّ المخطّط التّنموي الجديد رصد اعتمــادات جمليّـة لا تقلّ عن 128 مليار دينار إلى حدود 2020، يخصّص جزء هامّ منها لإنشاء محطّات كهربائيّة وتوسيع عدد من الــمواني وإنجاز مينـاء في الميـاه العميقة وبنـاء سدود وطرق سيّارة وغيرها من المشاريع التّي يمكن للمؤسّسات الإيطاليّة التقدّم لإنجازها.
التّوفيق الحبيّب
- اكتب تعليق
- تعليق