عادل كعنيش: هل حان الوقت لتقسيم البلاد إلى أقاليم؟
أبرزت إحصائيات سنة 2014 معطيات جديدة تعطي فكرة واضحة عن خصائص البلاد التونسية، فلقد بيّنت نتائج هذه الإحصائيات أنّ عدد سكان البلاد المقيمين بتونس يناهز اليوم 11 مليون ساكن، و أنّ معدل الزيادة الديمغرافية السنوية يساوى 1,03 ٪، و هو معدل يقارب النسب المسجلة بالبلاد المتقدمة كفرنسا وبريطانيا حيث يبلغ النمو الديمغــرافي 0,6 ٪. إنّه رقم صادم باعتبار أنّه كان في سنة 1966 في حدود 2,5 ٪.
وقد نتج عن ذلك أنّ معدل أفراد العائلة التونسية أصبح في حدود أربعة أشخاص بعد أن كان سنة 2000 في حدود خمسة أشخاص. لذلك فإنّ معدل سكان البلاد سيبقى مستقرا في المدة القادمة و ذلك لأسباب لا تتعلق بالنقص في الإنجاب فحسب بل بارتفاع معدل الأمل في الحياة لدى التونسيين نتيجة تحسن الأوضاع الصحية.
سكان البلاد اليوم أغلبهم يقطنون بالمناطق الحضارية حيث بلغ سكان المدن 7,4 مليون ساكن مقابل 6,4 مليون ساكن سنة 2004، في حين أنّ سكان المناطق الريفية بقي في حدود 3,5 مليون ساكن، لكن النظام الانتخابي البلدي الذي ينتظر أن تتم المصادقة عليه لاحقا سيؤدي إلى تعميم البلديـــات على كل مناطق الجمهورية وهو أمر يدعـــو إلى الاستغراب لأنه سيؤول إلى جعل كل سكان البلاد يقيمون بمناطق بلدية بما يفرضه ذلك من ضروريات تبدو البلاد اليوم عاجزة عن توفيرها، و كان من الأحرى التفريق بين التجمّعات البلديّة والتجمّعات القرويّة حتى يبقى هناك سكان يعيشون بالمدينة وسكان يعيشون بالريف.
وقد أبرزت نتائج الإحصائيات الأخيرة بعض الأرقام التي كنّا لا نودّ الوصول اليها، فسكان ولايات الشمال الغربي الأربع يتناقصون سنويا في حدود 0,5٪ في حين أنّ سكان ولايات الوسط و الجنوب يتزايدون بنسبة 1٪، أمّا الولايات التي تعرف نسبة زيادة كبيرة فنجد في طليعتها ولاية أريانة بـ 3٪ و تليها بنعروس بـ 2,2٪ و المنستير بـ 1,9٪ و نابل بـ 1,3٪ و منوبة بـ 1,2٪ وصفاقس بـ 1,1٪ و مدنين بـ 1,1٪ أمّا بقية الولايات فإنّ نسبة الزيادات فيها أقلّ من المعدل الوطني بما فيها تونس المدينة حيث بلغت الزيادة السنوية 0,7٪.
ويتوزّع سكان البلاد اليوم على النحو التالي :
- الربع في اقليم تونس الكبرى
- الربع في الساحل و صفاقس
- الربع في الشمال باستثناء اقليم تونس
- الربع في الجنوب و الوسط باستثناء صفاقس و الساحل
ويتمثّل معطى آخر أبرزته الإحصائيات الأخيرة في أنّ عدد سكان البلاد من النساء قد فاق لأول مرة منذ إحصائيات 1966 عدد الرجال، حيث تعدّ تونس 5.510.000 إمراة مقابل 5.472.000 رجل مقيمين، وسبب هذا التباين الطفيف أنّ الهجرة للخارج شملت الرجال أكثر من النساء، إضافة إلى أنّ الأمل في الحياة هو أرفع لدى المرأة من الرجل...
وتؤدي كل هذه الإحصائيات إلى بروز معطيات جديدة مفادها أنّ طلبات الشغل ستتناقص مستقبلا للتهرّم التدريجي لسكان البلاد إذ ستنخفض طلبات الشغل السنوية من 70 ألفا الى حدود 62 ألفا.
وتفرض هذه المعطيات إعادة النظــر في التوزيع الإداري للبلاد التونسية فهنالك مناطق أصبحت تطالب بأن تتحول إلى عواصم لولايات جديدة، كما هو الشأن بالنسبة إلى طبرقة ومكثر و السواسي و جـــــربة، ولكن بعث المزيد من الولايات لا يفيد هذه المناطـــق في شيء، فقد كان عدد الولايات عند الاستقلال 13 ولاية و أصبحت اليوم 24 ولاية و على الرغم من ذلك لم تستفد المناطق التي أحدثت فيها ولايات جديدة بنصيب كبير من التنمية.
ويبدو من الناحيــة الاقتصــــادية أنّه لا يمكن وضع خطة تنموية متكاملة في ولاية واحدة ، لأنّ التنمية لا تكون إلاّ في إقليم يجمع بين ولايات متجاورة مع إيجاد مواردة مالية هامة بالنسبة إلى كل إقليم.
إنّ اللامركزية التي أتى بها دستور 2014 تفرض أن يقع تحويـل سلطة القرار في كــل ما له علاقة بالتنمية من العاصمة إلى الإقليـم و هو ما يستوجب تقسيم خـريطة البــلاد إلى 6 أو 7 أقاليم و وضع هيكل تسيير منتخب على رأس كل إقليم يكون بمثابة الحكومة المصغرة ويشرف على الإقليم رئيس منتخب مع الإبقاء على الولاة الذين يعينون من طرف الدولة، و بما أنّ دستور 2014 قد ألغى مجلس المستشارين، فيمكن التفكير مستقبلا في بعث مجلس وطني للأقاليم يضم أعضاء الأقاليم ويجتمع في كل ثلاثية للتنسيق بينها.
مــــاهي الأقاليــم التي يمكن التفكـــير في بعثها و من أين تتأتى الموارد التي ستصرفها؟
يستوجب تجميع الولايات في إطار أقاليم يتعيّن الأخذ بعين الاعتبار نتائج الإحصائيات الأخيرة و يمكن أن نســـوق في هذا المجال تصوّرين:
يتمثّل الأوٰل في بعث 6 أقاليم وهي:
- إقليم الشمال الشرقي و يشمل 4 ولايات وهي تونس الكبرى و بنزرت و نابل ويضمّ 4 ملايين ساكن
- إقليم الشمال الغربي و يشمل ولايات باجة و جندوبة و الكاف و سليانة و زغوان و يضم 1,4 مليون ساكن
- إقليم الساحل والقيروان و يشمل 4 ولايات وهي سوسة والمنستير والمهدية والقيروان ويضم 2,2 مليون ساكن
- إقليم صفاقس والوسط الغربي ويشمل ولايات صفاقس وسيدي بوزيد والقصرين و يضم 1,8 مليون ساكن
- إقليم الجنوب الشرقي و يشمل ولايات قابس ومدنين وتطاوين ويضم مليون ساكن
- إقليم الجنوب الغربي ويشمل ولايات قفصة وتوزر وقبلي و يضم 0,6 مليون ساكن
ولهذا التقسيم عيوب كبرى لأنّه سيجعل ولايتي بنزرت ونابل مندمجتين في إقليم تونس وهو ما سيعوقهما كثيرا لأنّ إقليم تونس له عديد المشاكل التنموية التي تفرض تخصيص إقليم لتونس الكبرى وإدماج ولايتي نابل و بنزرت في أقاليم أخرى لذلك فإنّ بعض رجال الاقتصاد يَرَوْن أن تركيبة الأقاليم من الأفضل أن تكون وفق التصوّر الثاني:
- إقليم تونس الكبرى و يشمل 4 ولايات تونس الكبرى وهي تونس واريانة وبنعروس ومنوبة تضاف إليها ولاية زغوان ويضم هذا الإقليم 2,640 مليون ساكن
- إقليم الشمال ويشمل 5 ولايات وهي بنزرت وباجة وجندوبة والكاف وسليانة ويضم 1,9 مليون ساكن
- إقليم الوسط الشرقي ويشمل ولايات سوسة والمنستير والمهدية ونابل والقيروان ويضم 3 مليون ساكن
- إقليم صفاقس والوسط الغربي ويشمل ولايات صفاقس وسيدي بوزيد والقصرين ويضم 1,8 مليون ساكن
- إقليم الجنوب الشرقي ويشمل ولايات قابس ومدنين وتطاوين ويضم مليون ساكن
- إقليم الجنوب الغربي ويشمل ولايات قفصة وقبلي وتوزر ويضم 0,6 مليون ساكن
ويبدو هذا التقسيم أكثر تقاربا من حيث عدد السكان باستثناء إقليمي الجنوب حيث تكون الكثافة السكانية أكبر حدة لكن تكون المساحات أكثر اتساعا.
كيف يمكن توفير الموارد الذاتية لهذه الأقاليم؟
من الضروري تكوين أقاليم منتخبة ويوجد على رأس كل إقليم رئيس يقع تعيينه بالانتخاب و يشارك في أعمال مجالس الإقليم الولاة الذين تعيّنهم الدولة ، وتتأتّى مداخيل هذه الأقاليم من تخصيص نقتطين من الأداء على القيمة المُضافة لكل العمليات التجارية و المالية التي تتمّ داخل الإقلــيم ، كما يمكن التفكير في تخصيص 1٪ من مداخيل فواتير الكهرباء وفواتير الهاتف والماء التي يتم استخلاصها داخل الإقليم حيث تصرف لميزانيته دون أن ننسى تخصيص 1 أو 2٪ من رقم المعاملات أو الأتاوات التي تنجز داخل الإقليم و هو ما يمكّن من الحصول على مبالغ مالية هامة وذلك باعتبار أنّ رقم المعاملات والآتاوات يساوي 2,5 من مبلغ الناتج الوطني الخام.
وتستجيب هذه الطريقة إلى مطالب بعض الجهات المتمثّلة في ضرورة تخصيص نسبة من المداخيل المتأتية من الثروات الطبيعية كالفسفاط والنفط والرخــــام أو الاتاوات المتعلقة بمرور أنابيب النفط أو الغاز الجزائري ببعض الولايات كالقصرين وقابس فتخصيص 1 أو 2٪ من المعاملات سيوّفر ما لا يقل عن مليار ونصف المليار من الدنانير التي يمكن صـرفها للأقاليـــم بما يوّفر حوالي 250 مليون دينار لكل إقليم وهو مبلغ هام من شانه أن يحسّن وضعية المناطق الداخلية ويساهم في تحسين البنية التحتي ويستجيب لمقتضيات الدستور الذي أرسى مبادئ اللامركزية.
وستتحوّل هذه الأقاليم مع مــرور الأيام إلى هياكل تحدّ من مركزية الإدارة ، ويجدرالتفكير في بعث مجلس وطني للأقاليم يجتمع مرة كل ثلاثية لإحكام التنسيق بين مختلف الأقاليم. إنّها تصـــوّرات جديدة لم نألفها من قبل لأّننا عشنا طيلة 6 عقود في إطار حكم مركزي حان الوقت لتعديله بما يمكّن من إقرار نظام اقتصادي وإداري جديدين باتت البلاد في أشد الحاجة إليهما.
عادل كعنيش
- اكتب تعليق
- تعليق