أخبار - 2016.08.25

توفيق جابر: أزمة‭ ‬تونس‭ ‬الماليّة‭ ‬وتبِعاتها

أزمة‭ ‬تونس‭ ‬الماليّة‭ ‬وتبِعاتها

«لا يوجد بلد غنّي وبلد فقير في المطلق، كل بلد غنيّ بأهله وبمقوماته الطبيعية .ولا يتحقق النجاح في الخلق والإبداع والرقي بالمجتمعات إلا بالتضحية والعمل الجاد والتّصرّف العقلاني».

تمرّ تونس منذ أكثر من خمس سنوات بحالة غريـــبة لم تعرفها من قبل في تاريخها المعاصر حالة غموض وفوضى وعدم وضوح الرؤية، جعلتها تفقد جل المقومات وتحيد عن الضوابط والثوابت التي تميز معظم المجتمعات الملتزمة، الساعية إلى فرض وجودها والرقي إلى الأفضل. ولقد أفضت هذه الحالة إلى وضعية اقتصادية ومالية صعبة للغاية ستعود حتما بالوبال على تونس وأهلها لمدة عقود. وستنجرّ عن ذلك معاناة مؤلمة  للأجيال القادمة، إن لم تتحرك القوى الفاعلة في هياكل الدولة وفي المجتمع المدني، في بلد بلغ فيه الفساد نسبا مفزعة.

فهل أن أزمة تونس، قبل أن تكون سياسية واقتصادية، هي أزمة أخلاقيات بالأساس؟

الأرقام والإحصائيات التي تطفو في  كل يوم وفي كل لحظة ومع كل تصريح لمسؤول أوغير مسؤول تبدو متضاربة ومتناقضة. فهل أصبحت تونس في مهب الريح رهينة أهواء من يسيّرونها أو يدّعون ذلك، وهل لنا مؤسسات يمكن الرجوع إليها بقدر من الثقة...؟

ولا يخفى على أحد أنَّ الأسباب الرئيسية لمأساة تونس الحالية تعود إلى فقدان ثقافة العمل والتضحية، غذتها التّوتّرات الاجتماعية التي أشعلتها النقابات وبعض الأطراف السياسية والجمعيات المتفرعة عنها، ممّا خلق «ثقافة تمرّد» دون وجه حق. وقد تفاقم ذلك بظاهرة التهريب التي نتج عنها اقتصاد مواز (حوالي %54 من إجمالي الاقتصاد التونسي) تديره «بارونات» نافذة، يتساءل البعض إن كانت الدولة القائمة بمؤسساتها هي من تتصرّف في شؤون البلاد أم هؤلاء. كما تسببت  آثار العمليات الإرهابية المأساوية في  تردّي الآداء الاقتصادي وبالتالي مداخيل ميزانية الدولة. ولم تتجاوز نسبة نمو إجمالي الناتج المحلي 0.4% خلال الثلاثي الأول من السنة الحالية، ولم تفُق 1% خلال السداسي الأول من السنة نفسها. كما تراوح عجز الميزان التجـاري منذ سنة 2012 بين 11 و13 مليار دينـــــار. أما عجز الميزانية فقد تفاقم من 3 إلى 7% ويمكن أن يبلغ نسبة مرتفعة تقدّر بـ 9,8% خلال سنة 2017.

وفي هذا الخصوص يتبيّن أنّ معظم قطاعات الاقتصاد الأساسية شهدت انكماشا جرّاء التوقف شبه الكليّ لإنتاج الفوسفاط وركود غير مسبوق في قطاع الصناعات الكيميــائية والبترول والغاز وكذلك الصناعات غير التحـــويلية، فضلا عن  انحــدار كبــــير لعـــائدات السيـــاحة ونقص ملحوظ في تحويلات المهاجرين. وقد تفاقمت البطالة لتصل إلى نسب لم نشهدها من قبل:

  • خرّيجو الجامعات%31.2 :
  • الشباب% 31.8
  • النساء% 22.6 

ويبيّن الجدول الموالي التّدهور المستمرّ للمؤشرات الاقتصادية والمالية، مقارنة بالمعطيات السابقة:

تدهور قيمة  الدينار التونسي

يعتبر انحدار قيمة الديناروتراجع مخزون العملات الأجنبية مؤشّرا خطيرا دفع البنك المركزي مؤخرا إلى اتخاذ إجراءات للحدّ من التحويلات للخارج، ستليها حتما قرارات موجعة أكثر. وسيحدّ ذلك بالتأكيد من تحركات رجال الأعمال ويعيق الاستيراد )مواد أولية للصناعات التحويلية، معدات،  أدوية..)، وكذلك مصالح المواطنين المرتبطة بالخارج.

 تضخّم غير مسبوق في الوظيفة العمومية

في ما يتعلق بالوظيفة العمومية تحديدا، ارتفعت أجور الموظفين بشكل يفوق كل تصور حيث بلغت 13 مليار دينار بعنوان سنة 2016 أي ما يعادل%45 من ميزانية الدولة و14من الناتج الداخلي الخام. وقد تطوّر عدد الموظفين من 484 ألف سنة 2010 إلى حوالي 630 ألف خلال السنة الحالية، وهو ما يعني وجود تضخّم مهول في عدد أعوان الدولة والجماعات المحلية يضاف إليهم 180 ألفا في المؤسسات والمنشآت العمومية .كما مثلت الزيادات اللاّمعقولة في الأجور التي منحت بدون حساب منذ سنة 2011 ولا تزال تمنح لكل معتصم ومضرب عن العمل عائقا دفع الدولة إلى الاقتراض الخارجي .والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف وصل عدد الموظّفين إلى هذا الحدّ ومن انتدبهم وكيف؟ في حين أنّ القطــــاع الخــاص لم يبذل الجهد المنشود للتقليص من حجم البطالة.

تسديد الديون الخارجية  بداية من سنة2017

ترتفع قيمة تسديد الدين خلال سنة 2017 إلى سبعة مليار دينار - بسعر الصرف قبل انزلاق الدينار- وتفوق ثمانية مليار دينار حسب سعر الصرف الحالي .فكيف ستسدّد هذه الديون؟

ويتبيّن أنّ جلّ الاقتراض الخارجي جاء لتغطية نفقات أجور الموظّفين العموميّين، خلافا لما كان معمولا به من قبل، حيث كانت تخصص القروض للاستثمار. وتتعالى عديد الأصوات للدعوة إلى إجراء كشف معمّق ودقيق لإجمالي القروض والهبات التي تحصّلت عليها تونس منذ فترة حكم الترويكا وإلى يومنا هذا!

لقد سئم الناس موائد الكلام والمبادرات المتتالية، وخاصة المتعلّقة بالتّغيير المتتالي لحكومات المحاصصة الحزبية، التي لا تخدم إلا الحسابات  الضيقة، فهل من إرادة صادقة  في إعادة الثقة للمواطن وتطبيق القانون والقيام بإصلاحات هيكلية بنسق حثيث تخص كل القطاعات والجهات؟ وكيف الســــبيل إلى إشراك المواطـــــنين في النهوض باقتصاد جهاتهم والنأي بهم عن عقلية التواكل؟ ومن سيحمّل المسؤوليات لمواطني كل جهة لتنهض باقتصادها؟ وكيف العمل على تحفيز أصحاب رؤوس الأموال لدفع الاستثمار الخاص الداخلي الكفيل بخلق توازنات بين الجهات وبالحد بقدر كبير من الاقتراض الخارجي؟ أما أهم سؤال  فهو يتعلق بمدى وعي المواطن التونسي بمسؤوليته وبواجباته وبضرورة البذل والتــــضحيّة. وهل سيكون له قدر من الشجاعة من أجل إنقاذ ما تبقى قبل الانهيار الكلي لمقومات البلاد وتفادي التبعات الوخيمة للحالة المالية الهشّة رغم الإحباط الذي يعيشه،  أم أنه لا يبالي بما يحصل من حوله حيث أن الأغلبية تعيش في شبه غيبوبة على ما يبدو؟

يعتبر انحدار قيمة الديناروتراجع مخزون العملات الأجنبية مؤشّرا خطيرا دفع البنك المركزي مؤخرا إلى اتخاذ إجراءات للحدّ من التحويلات للخارج، ستليها حتما قرارات موجعة أكثر. وسيحدّ ذلك بالتأكيد من تحركات رجال الأعمال ويعيق الاستيراد )مواد أولية للصناعات التحويلية، معدات،  أدوية..)، وكذلك مصالح المواطنين المرتبطة بالخارج.

توفيق جابر

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.