أخبار - 2016.08.11

د.عبد المجيد الشرفي: السياسي والدعوي- فيديو

د.عبد المجيد الشرفي: السياسي والدعوي

أثارت قضية التمييز بين السياسي والدعوي الذي أعلنته حركة النهضة في مؤتمرها الأخير جدلا. كيف تنظرون إلى هذه المسألة؟ وما هو، في رأيكم ، مستقبل الإسلام السياسي مُجٓسّما في حركة النهضة؟ وهل تعتبرون أنّ هذه الحركة  قامت بمراجعات جدّية تجعل منها حركة مدنية تؤمن بالديموقراطية ؟

لا شك أنّ الظروف هي التي حتّمت على حركة النهضة أن تأخذ بعين الاعتبار الواقع التونسي؛ وتبيّن لها أنّ الكثير من النظريات التي كانت تؤمن بها لا يمكن لها أن تطبق على أرض الواقع.

قال الشيخ راشد الغنوشي إنّ " تونس تونستنا" ؟

هذا يمكن أن يعبّر عنه بهذه الطريقة. لكن عندما تتشبّث حركة النهضة أو حركات الإسلام السياسي عموما، بما يسمى بالدعوي، فإنّ ذلك في حد ذاته، وسواء فصلت الدعوي عن السياسي أو لم تفصل، يُعتبر تشبّثا بفكر لا تاريخي و بنمط مجتمعي  تجاوزته الأحداث. ما معنى ذلك؟ حين ننظر تاريخيا في مفهوم الدعوي نلاحظ أنه لم يكن موجودا إلا عند الشيعة الإسماعيلية. الشيعة الإسماعيلية لهم دعاة مطلعون على أسرار ليست متوفرة عند عامة الناس؛ هذا هو الداعي. بينما أهل السنة والجماعة ليس لهم دعاة. هذا شيء جديد. ثم ما هو الدعوي إن لم يكن تمييزا بين المسلمين؟ هذا التمييز كان في الحقيقة موجودا بين ما يسميهم الإمام الشافعي المكلّفين في أنفسهم من جانب، والمكلفين في أنفسهم وفي غيرهم من جانب آخر. وبالمكلفين في أنفسهم وفي غيرهم يعني علماء الدين. هؤلاء ينبغي أن يفرضوا على المكلفين في أنفسهم ما ينبغي عليهم أن يعملوه أو لا يعملوه. هذا موقف مفهوم في مجتمع تراتبي كما هو الشأن في القديم؛ ولكنه مرفوض في مجتمع ديموقراطي يؤمن بحرية التفكير وحرية التعبير وحرية المعتقد؛ ويؤمن خاصة بتساوي كل المواطنين في الحقوق والواجبات.
 
إذن أنت لست مكلفا في غيرك. يمكن أن تدافع عن رأيك بل يجب أن تدافع عن رأيك؛ ولكن هناك فرقا بين أن تقول هذا هو الحق، وبين أن تقول في نظري هذا كذا وهذا كذا. فالتشبّث بالدعوي هو تشبّث بنظام كان فيه المجتمع تراتبيا، يلعب رجال الدين فيه دورا محوريا. لذلك يجب أن يستفيق أتباع الإسلام السياسي على أنّ دور رجال الدين في عصرنا قد تقلّص إلى أدنى الدرجات. وهذا ليس بشيء جديد؛ ابن خلدون نفسه يقول في القرن الثامن للهجرة إنّ علماء الدين أصبح يُتزين بهم في المجالس. لم يعد لهم دور. إلا أنّهم بقوا متشبثين إلى اليوم بأنّ لهم دورا. وعندما نستمع إلى الخطب الجُمٓعية فإنّ رجال الدين لايزالون يتصوّرون أنّ الذين يصلّون وراءهم ويستمعون إلى خطبهم سيفعلون ما يأمرونهم بفعله. ولكن الحقيقة أنّ الكثير من الخطب الجُمٓعية ذات الطابع التقليدي يستمع إليها الناس وينسونها ويمارسون سلوكات لا صلة لها بما يستمعون إليه من رجال الدين.
المشكل إذن هو في نطاق الفكر الإسلامي الذي بقي متشبثا بمقولات قروسطية وأنه لم يستوعب بعد مقتضيات الحداثة ولم يتبناها ولم يدخلنها.
لذلك نجد أمرين : نجد من ناحية نوعا من الانفصام في الشخصية، أي أن يسلك الإنسان سلوكا ما، يراه مطابقا للمعايير الدينية؛ ثم يكون له في مجالات أخرى سلوك لا صلة لة بالدين لا من قريب ولا من بعيد؛ ونجد من ناحية ثانية ما أسميه «الترميق» (bricolage) ، فأنت تأخذ ما يناسبك وترفض ما لا يناسبك؛ بقطع النظر عن الانسجام الداخلي في نطاق المنظومة التي كانت متكاملة في القديم، والتي تشظت الآن.
هذا هو المعيار الذي يمكن أن نحكم به للإسلام السياسي أو عليه. هل تطور بأن أخذ بعين الاعتبار هذه المقتضيات الحديثة: المساواة بين المسلمين وغير المسلمين، هذا لا يقبل به الفكر الإسلامي السياسي إلا شكليا؛ بينما في نطاق المواطنة، أن تكون مؤمنا أو ملحدا أو منتميا لدين آخر فلك نفس الحقوق وعليك نفس الواجبات. المواطنة قيمة حديثة؛ وإذا ما كان الإسلام السياسي يفصل بين الدعوي والسياسي فينبغي أن يقرّ أولا بأن الدعوي لم يعد له معنى، وبأن السياسي يقتضي الإيمان بهذه المواطنة. هذا التطور لم يبلغه لا حزب حركة النهضة ولا الإسلام التركي ولا حركة الإسلام السياسي في المغرب التي تحاول أن تتأقلم مع الملكية ومع مقتضياتها.

لقراءة المزيد:

د. عبد المجيد الشرفي: إسلام البترول ودور النخبة - فيديو

د‭. ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬الشرفي: بيت الحكمة الحصيلة والآفاق - فيديو

د. عبد المجيد الشرفي: الإصلاح التربوي وأسباب إنتشار الإرهاب - فيديو

د. عبدالمجيد الشرفي: الفكر والمسيرة

د.عبد المجيد الشرفي: السياسي والدعوي- فيديو

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.