أخبار -
2016.08.09
د. عبد المجيد الشرفي: إسلام البترول ودور النخبة - فيديو
في محاضرة ألقيتموها منذ أشهر خلال ندوة شارك فيها «إدغار موران» Edgar Morin، تحدثتم عن تأثير سلطة الخبر التي تمثّل في تقديركم سببا من أسباب الانغلاق الفكري، انطلاقا من مقولة الشافعي: «جهة العلم الخبر». كيف السبيل في رأيكم إلى تفكيك هذه السلطة؟
يمكن أن نربط هذا بما كنت أقوله منذ قليل بخصوص العلم بصفة عامة. العلم كان كميّة من المعلومات التي تأتينا عن طريق الخبر، وبعض من لا تُمحّص؛ وخاصة إذا كانت ذات صبغة دينية مثل الحديث. هذا ما يقوله ابن خلدون بعد أن حدّد المزالق التي يقع فيها المؤرخون عندما يثقون بالأخبار. استثنى منها الأحاديث ذات الصبغة الدينية والأحاديث النبويةو مثلا يقول في هذا الميدان نحن نثق بالرواة، يعني نحسن الظن بهم. حسن الظن في حد ذاته لا يكفي، لا بد أن نطبّق المعايير النقدية على كل المعلومات التي تصلنا. وفي تاريخ البشرية عندنا وعند غيرنا هناك انتقال من سلطة الخبر إلى سلطة الاختبار. الاختبار هو الذي يمككنا من أن نعرف هل هذه المعلومة صحيحة وينبغي أن نقبلها أم لا. ونحن نعلم بالنسبة إلى الأحاديث النبوية أنّها رُويت في كثير من الأحيان بصيغ مختلفة، ممّا يدلّ على أنّها لا تعكس بالضبط ما قاله الرسول. والاختبار يؤكد لنا ما لاحظه القدماء عندما نقدوا الحديث، وعندما لم يعتبر النحاة وعلماء الحديث الحديث حجة لأنّه لم يُنقل بلفظ النبي. الآن نحن نعلم أنّ أي خبر من أي نوع كان عندما يُنقل شفويا بدون تسجيل وبدون كتابة وبدون تدوين لا بد أن يدخل عليه تغيير. هذا ما أقصده بتطبيق الاختبار في جميع الميادين، لا فقط في أمور الدين وفي أمور العلم النظري بل في ميادين العلوم التطبيقية وفي الاختراع وفي مجال الطب وفي غير ذلك من الميادين.
المعروف أنّكم في مقاربة المسألة الإسلامية تعتمدون القراءة التاريخية للنص القرآني ، وهو تمشّ تبناه أيضا نصر حامد أبو زيد وبأكثر قوة الراحل الجزائري محمد أركون. غير أنّ هذه المقاربة تلقى معارضة؛ ومن هؤلاء المعارضين نجد المفكر محمد الطالبي الذي يصف أطروحاتكم بأنّها تفكير من خارج المسجد. كيف تنظرون إلى هذا الرأي؟
عندما أنظر إلى تطور الفكر الإسلامي منذ ما يسمى بعصر النهضة الإسلامي، ما ألاحظه أنّ رواد هذا الفكر مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وسالم بوحاجب وخيرالدين التونسي ورفاعة الطهطاوي والكواكبي وغيرهم حاولوا جميعا أن يوفقوا بين مقتضيات عصرهم ومقتضيات التديّن أو مظاهر التديّن التي كانوا يعيشونها. فيما بعد، هذه المحاولات لم يكتب لها دائما النجاح بل بقيت محصورة في أقلية من المفكرين لأنّ الذي طغى على الفكر الإسلامي هو الفكر الإخواني من ناحية، ثم الفكر الوهابي من ناحية ثانية؛ يعني الفكر الذي كان صادرا عن مجموعات تمثّل أقليات، وليس هو إسلام عامة الناس في مختلف البلدان الإسلامية. لماذا انتشر الفكر الوهابي والفكر الإخواني أكثر ممّا انتشر الفكر الذي يمكن تسميته -بين ظفرين - بالفكر الإصلاحي أو التجديدي، وأنا أحترز من مصطلح الفكر الإصلاحي والتجديدي معا، وأفضل الحديث عن الفكر التحديثي؟
إسلام البترول
لاحظت أنكم لا تستعملون كلمة الاجتهاد ؟
الاجتهاد بالمعنى التقليدي هو بذل الجهد للوصول إلى نتيجة، لا بالمعنى الأصولي المتعارف عليه ، لأنّ الأصوليين يقولون مثلا « لا اجتهاد مع وجود النص»، بينما الاجتهاد ينبغي أن يشمل طريقة فهم النصوص وتأويلها. إذن هذا الفكر الذي كان يمثّل أقلية سواء في نجد، مهد الوهابية أو في مصر بين الحربين، هذا الفكر انتشر في الحقيقة بعد هزيمة 1967 وانتشر بالخصوص بفضل عائدات البترول التي مكّنت هذا الفكر من أن يوزّع ملايين الكتب بطريقة مجانية أو شبه مجانية، وهي كتب ابن التيمية وابن الجوزية...
وسميتم ذلك بإسلام البترول ؟
نعم ولا أدري هل هي تسميتي الخاصة أو هي تعكس في الواقع أنّ هذا الشكل من التديّن، ولا اتحدث عن الإسلام عموما، لم يكن ليحظى بهذا الرواج لولا عائدات البترول. ولذلك كان البترول من هذه الناحية نكبة على العالم العربي والإسلامي؛ لأنه في هذا المجال على الأقل جعل العرب والمسلمين يتوهّمون أنهم يعايشون مقتضيات الحداثة، بينما هم يتأخّرون كل يوم عن مقتضيات هذه الحداثة.
لكن لم يكونوا في أفضل حال قبل ظهور البترول؟
عندما أنظر إلى وضــع مصــر في الخمسينيات والستينيات وحتى وضع بلادنا نحن، فإنني ألاحظ أنّ التقدم الذي أُنجز في تلك الفترة من الناحية الاجتماعية والفكرية لم يحصل بعد هزيمة 1967 وبعد انتشار هذا الفكر الإخواني والوهابي. فطبيعة التفكير الذي كان منتشرا في أوسع الفئات الاجتماعية كان تفكيرا متحرّرا ويرنو إلى التقدم وإلى الإبداع وليس تفكيرا متكلّسا ومتشبّثا بأشكال خاصة وبفئة معينة وبظرف تاريخي معين.
الاقتصاد وحده لا يغيّر المجتمع
هل هذا راجع إلى قصور في دور النخبة اليوم؟
قد تكون للنخبة مسؤولية وأنا لا أبرئ نفسي ولا أبرئ النخبة من ذلك. ولكن النخبة بأي معنى؟ هناك النخبة التقنوقراطية وهناك النخبة السياسية والنخبة الفكرية. النخبة الفكرية قد لا يكون لها تأثير كبير. هناك « التقنوقراط» الذين لهم تأثير أوسع وأيضا النخبة السياسية. تأثير رجال الفكر محدود لأنّهم، وهذا على كل ما عشناه في تونس، كانوا محاصرين. يمكن أن أحدثك عن عديد التجارب التي عشتها شخصيا، من عناوين ممنوعة من الصدور ، من ملتقيات ومن مخابر ومراكز بحث مُنعت من البروز... النخبة تتحمل جزءا من المسؤولية ولكن مسؤولية محدودة إذا ما قارناها بمسؤولية رجال السياسة. والتقنوقراط في تونس كانوا يتوهّمون أنّ المجتمع سيتغير إذا ما تقدّم الاقتصاد وحده. وقد تبيّن أنّ الاقتصاد وحده لا يغير ّالمجتمع، قد يكون عاملا مساهما ولكنه يبقى عاجزا بمفرده عن إحداث التغيير. وهذا الوهم مايزال موجودا إلى حد الآن. لذلك تجد نوعا من الانفصام في شخصية هؤلاء التقنوقراط؛ أولا لأنّ ثقافتهم العامة وثقافتهم الدينية في العادة ضحلة؛ وثانيا لأنّ همّهم الوحيد هو توفير الثروة المادية التي لا يمكن أن تُوفَّر لجميع الناس بدون مشروع مجتمعي شامل؛ وإلا يحصل ماهو حاصل منذ انتشار الليبيرالية المتوحشة «أو النيو – ليبيرالية» منذ عهد « تاتشر» في بريطانيا و«ريغن» في أمريكا ومنذ سقوط الاتحاد السوفياتي؛ إذ يمكن أن تحدث هذا التفاوت الكبير بين الأثرياء والفقراء. ربما تتحسن حالة الفقراء ولكن نفسيتهم لن ترضى بهذا التفاوت. إذن هناك ضرورة في البحث عن توازن مجتمعي لا فقط عن الزيادة في الثروة الوطنية التي يعتني بها في العادة التقنوقراط.
النظام السياسي غير مناسب لوضعيّة البلاد
هل هو نوع من التشخيص للأزمة التي تعيشها تونس اليوم؟
أنا مثلما احترز من مصطلح الإصلاح أحترز كذلك من مصطلح «الأزمات».أي مجتمع في أي فترة من الفترات هو يمرّ بأزمة، لأنّ الأزمات من طبيعة الحياة والصعوبات التي يجدها أي مجتمع هي صعوبات يجب أن تُفكّك وأن تُحلّل لنرى كيف نتجنبها. الصعوبات التي نعيشها اليوم راجعة في جزء كبير منها إلى أنّ النظام الذي تم الاتفاق عليه في المجلس الوطني التأسيسي هو نظام غير مناسب لوضعية البلاد. أنا كنت عضوا في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، وعشت مرحلة التفكير في النظام الانتخابي؛ وحصل وقتها اتفاق على نظام انتخابي لمجلس تأسيسي، لكن ليس بنظام انتخابي لممارسة الحكم. المقصود بالنظام الذي تم إقراره هو تحقيق أوسع تمثيلية ممكنة. لكن عندما تحكم أنت في حاجة إلى أغلبية وإلى أقلية . والنظام الانتخابي الحالي لا يفرز لا أغلبية ولا أقلية بل يفرز التشتّت.
إذن أنتم مع تغيير النظام السياسي والقانون الانتخابي
أنا أحاول أن أفهم من أين جاءت هذه الصعوبات ولماذا تم الاحتفاظ بهذا النظام الانتخابي، لأنّ الذين كانوا بيدهم الحل والعقد في تلك الفترة ، أي حزب النهضة، نسبة كبيرة من أتباعه لا يؤمنون بدور الدولة، هم يؤمنون إمّا بالتدافع الاجتماعي وهذا موجود في أدبياتهم أو بمفهوم الأمة بمعنى أشمل من الدولة الوطنية. لا شك أنّ هذا، وبدون أن يفكروا فيه مليّا وأن ينظروا اليه ، كان وراء الاختيارت التي أدّت إلى نظام هجين ، لا نظاما برلمانيا لأنّ النظام البرلماني له أحزاب عريقة ومنظمة إلى غير ذلك، وليس نظاما فيه مركزية للحكم، لأنّ الغاية في نهاية الأمر هي الوصول إلى نظام يكون متمتعا بالشرعية ومُرٓاقبا في الآن نفسه. ما نقص في النظام الرئاسوي الذي سُنّ في دستور سنة 1959 وبالتحويرات التي أدخلت عليه هو انعدام الرقابة؛ ولكنه كان نظاما يتمتع بالشرعية. فنحن في حاجة إلى نظام يتمتع بالشرعية ولا بد فيه من رقابة فعلية. أما النظام الذي هو في حاجة إلى البحث عن الشرعية باستمرار فهذا لا يمكن أن يؤدي إلا إلى ما سميته بالأزمة. أنا اعتبر أنّها صعوبات لا بد من تجاوزها بالبحث في هذين الاتجاهين المتكاملين: الشرعية التي تمثل قوة القانون والرقابة التي تمنع من الاستبداد بالسلطة.
لقراءة المزيد:
د. عبد المجيد الشرفي: إسلام البترول ودور النخبة - فيديو
د. عبد المجيد الشرفي: بيت الحكمة الحصيلة والآفاق - فيديو
د. عبد المجيد الشرفي: الإصلاح التربوي وأسباب إنتشار الإرهاب - فيديو
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
- اكتب تعليق
- تعليق
أصداء المؤسسات