محمد ابراهيم الحصايري: دونـالد تـرامب، مترشّح التّهـــــــريج أم التّهـييح؟
عشرون سنة، بالتحديد، بعد صـدور كتاب «صــدام الحـضـارات» (The Clash of Civilizations)، يأتي دونالد ترامب المترشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة ليؤكد، مرة أخرى، بخطابه الغوغائي الاستفزازي المتهّور، نظريّة صامويل هنتنغتون التي توقّعت أن يكون المحرّك الرئيسي لصراعات ما بعد الحرب الباردة، الاختلافات الثقافية بين البشر لا الاختلافات السياسية والاقتصادية بين الدول القومية، كما يأتي ليؤشّر إلى أن التوتّر الذي يطبع العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الإسلام والمسلمين مرشّح لا فحسب للاستمرار، بل ربما لمزيد من التصعيد الخطير في المستقبل.
المتأمّل في مقولات ترامب عن الإســــــــلام والمسلمين، وهي مقولات وصفتها منافسته هيلاري كلينتون بأنها «مستهجنة وتقسيمية ومتعصّبة» لا بد أن يلاحظ أنها تقطر عدوانية وعنصرية، فهو يؤكد على ضرورة منع المسلمين «منعا كاملا وشاملا من دخول أمريكا»، وعلى «مراقبة المساجد وتأسيس قاعــدة بيانات للمسلمين الذين يعيشون في الولايـــــــات المتحــدة» وذلك بغيــــة «تفادي المــــزيد من الهجمـات الإرهابية»...
وهو إذ يستغلّ بعض الحوادث الإرهابية كحادثة كاليفورنيا، ثم حادثة أورلاندو الأخيرة لترديد مقولاته، فإنه يبرّر المنع الكامل والشامل الذي يطالب به بأن «الإسلام يكره الأمريكيين، وأنه من الصعب التفريق بين الإسلام المعتدل والإسلام المتطرف»...
وهو لا يكتفي بذلك، بل إنه يدعو إلى استهداف عائلات مرتكبي الأعمال الإرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية، ويطالب لا فقط، بالعودة إلى استخدام طريقة «الإيهام بالإغراق» في التحقيق معهم، بل إلى استخدام طرق أبشع من ذلك، عند الاقتضاء...
ويبدو أنه يتوفّر على تصوّر لهذه «الطرق الأبشع» غير أنه يرفض أن يكشف عنها ويقول إنه سيتعاون مع قادة الجيش في شأنها...
وعلى صعيد آخر يؤكد دونالد ترامب الذي لا يرى في المملكة العربية السعودية سوى «بقرة حلوب ينبغي ذبحها حين يجف ضرعها» أنه يعتزم، في حالة فوزه بالانتخابات، أن يغيّر تحالف بلاده القديم مع الرياض، وأن يراجع السياسة التي ينبغي أن نلاحظ أن الرؤساء الامريكيين سواء كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين دأبوا منذ عهد الرئيس روزفلت على اتباعها معها...
ويرى الملاحظون أن صعود دونالد ترامب إلى واجهة الحلبة السياسية الأمريكية رغم أنه لا خبرة له بالميدان السياسي، ليس إلا إفرازا من إفرازات التطوّرات التي عرفها المجتمع الأمريكي خلال العقدين الماضيين من تاريخ الامبراطورية الأمريكية الحافل بالنزاعات والحروب، فهو نتاج طبيعي لزلزال أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي اعتبرها الرئيس جورج بوش الإبن بداية جديدة لتاريخ العالم، واتّخذ منها ذريعة لغزو أفغانستان ثم احتلال العراق، في حرب أطلق عليه صفة «الحرب الصليبية»، كما كانت مبرّرا للحرب الأمريكية المتواصلة دون هوادة منذ سنين عديدة على القاعدة، ثم على «الدولة الاسلامية في العراق والشام»...
وبالرغم من أن عموم الطبقة السياسية الأمريكية تنظر إلى ترامب بنوع من الازدراء، وتعتبره «مهرّجا» وتصفه بـ«الحرباء» وتحاول التهوين من شأن صعوده وتصاعد «شعبيته» المتنامية بشكل مطرد منذ إعلان ترشحه إلى اليوم، فإنها لا تخفي تخوّفها من احتمال أن يحدث المفاجأة وأن يفوز بالانتخابات...
ومما يبرّر هذا الاحتمال، رغم أنه سيشكل «كارثة حقيقية» في حالة تحقّقه على أرض الواقع، أن خطاب ترامب السياسي يستهوي قسما هاما من الأمريكيين، وهو في نفس الوقت يتقاطع في بعض مقولاته مع الخطاب الأمريكي الرسمي، وإن اختلفت طرق التعبير واللغة المستعملة في كلا الخطابين.
فمن المهم مثلا، على الصعيد الشعبي، أن نلاحظ أن عددا من أنصار ترامب قاموا في مطلع السنة بمراسلة لجنة جائزة نوبل للسلام لترشيحه لنيل الجائزة هذا العام وذلك، وفقا لما أوردته صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، «لآرائه الإيديولوجية التي يمكن أن تخلق سلاما قويا في مواجهة الإسلام الراديكالي وجماعة (الدولة الإسلامية في العراق والشام) الإرهابية»... أما على الصعيد الرسمي فيمكن أن نلاحظ أن موقف ترامب من المملكة العربية السعودية جاء بالتزامن مع إعلان الولايات المتحدة عن استغنائها، من هنا فصاعدا، عن النفط السعودي، وكذلك، وهو الأهم، مع تصريحات الرئيس باراك أوباما إلى مجلة «The Atlantic» التي أعرب فيها عن غضبه من العقيدة السياسية الخارجية التي تجبره على معاملة المملكة العربية السعودية كدولة حليفة للولايات المتحدة، وأيضا مع شروع الكونغرس الأمريكي في النظر في مشروع قانون يجيز للقضاء الأميركي محاكمة مسؤولين سعوديين، بسبب أحداث الحادي عشر من سبتمبر... وليس هذا فحسب، فخطاب ترامب يتقاطع مع خطاب منافسته هيلاري كلنتون التي أظهرت وثائق ويكيليكس أنها تعتبر أن المملكة العربية السعودية «تشكل مصدراً حيوياً لتمويل الإرهابيين»... وما يمكن أن نستخلصه مما تقدم، هو أن ما يقوله وما يفعله ترامب قد يبدو للبعض نوعا من «التهريج»، غير أنه في الواقع وفيما أرى هو نوع من «التهييج» المقصود الذي يمهّد بشكل أو بآخر لمرحلة خطيرة قادمة من «توتر» العلاقة بين الولايات المتحدة وبين الاسلام والمسلمين... ولعلّه من المهم في ضوء ما تقدم أن يتعاطى العرب والمسلمون مع خطاب ترامب على أنه خطاب جدي وليس «تهريجا»، وعلى أنه قابل للترجمة إلى واقع لا سيما في حالة فوزه بالانتخابات، وحتى في حالة عدم فوزه بها... ومعنى ذلك أنهم بحاجة إلى أن يتجنبوا تكرار الوقوع في سوء التقدير الذي وقعوا فيه عندما توهّموا أن نظرية صامويل هنتنغتون ليست إلا نوعا من الإنشاء الأدبي... فلا يعتبرون كلام ترامب مجرد خطاب انتخابي سيطوى سجلّه بطي سجلّ الانتخابات...
إن هذا الكلام، حتى وإن لم يفز ترامب بالانتخابات، سيظل صداه يتردّد في الولايات المتحدة لوقت طويل ذلك أنه في واقع الأمر نتاج مجتمع أمريكي قلق، متحوّل، يشعر بأنه على ابواب مرحلة جديدة من تاريخ امبراطوريته، مرحلة يبدو فيها أن الحلم الامريكي مات أو هو على وشك الموت، مرحلة فقد فيها الفرد الأمريكي أو هو بدأ يفقد الأمل في إمكانية الصّعود الاجتماعي، تماما مثلما بدأت الولايات المتحدة تفقد فيها بالتدريج القدرة على التفرّد بزعامة العالم. وربما كان ذلك هو الذي جعل دونالد ترامب يختار شعارا لحملته «إعادة العظمة إلى أمريكا»، وجعل قسما هاما من الأمريكيين يلتفّون حوله وحول هذا الشّعــــــار شديد الإغراء...
محمد ابراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق