ندوات... ندوات

لست أدري هل لاحظتم مثلما لاحظت هذا السيل العرمرم من الندوات الذي اجتاح مختلف جوانب حياتنا السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية...
وما كنت لأكتب عن هذه الندوات التي تتنافس على تمويلها، وانتقاء مواضيعها، وحتى اختيار المشاركين فيها، جهات أجنبية مختلفة المشارب والمقاصد، لو لم ألاحظ، من خلال متابعة أعمال العديد منها، أنها باتت أشبه ما يكون بنواصي شوارعنا التي عجّت وضجّت، بعد "الثورة"،  بآلاف المتسوّلين والمتسوّلات...
أجل... فمن المحزن حقا أن وزراءنا وخبراءنا في شتّى المجالات باتوا يمارسون على قارعات هذه الندوات "خطابا تسوّليا" عادة ما "يغلّفونه" بتعلّة ضرورة مدّ يد العون لتونس (أي التصدّق عليها) باعتبارها الناجية الوحيدة من طوفان العنف والفوضى الذي أغرق ما يسمّى بـ"ثورات الربيع العربي"... فهذا وزير أو خبير يدعو الى بذل "جهد متعدّد الأوجه" لإنقاذ "الاستثناء التونسي" من الغرق، وهذا وزير أو خبير آخر ينادي باعتماد "مخطّط مارشال" جديد لمساعدة الاقتصاد التونسي على مواجهة صعوباته، وهذا وزير أو خبير ثالث يقترح وضع "خطة عمل دولية" لإعانة تونس على الخروج من أزمتها...
والغريب أن هؤلاء الوزراء والخبراء الذين يتحدّثون بكبرياء عن "الاستثناء التونسي" لا يتحرّجون من نزع كبريائهم عندما يطلبون "الصدقات"، وكأنهم لا يشعرون بالتناقض الصارخ بين الحديث عن تونس كـ"استثناء" وبين تقديمها في صورة السائلة المسكينة...
إن "الاستثناء التونسي" لا يمكن أن يكون سياسيّا فحسب... وإنما هو في ذات الوقت سياسي واقتصادي وثقافي... أو لا يكون...
على أن الأغرب من ذلك أن وزراءنا وخبراءنا يتوجّهون بهذا "الخطاب التسوّلي" إلى مشاركين أجانب هم، غالبا، من الجامعيين أو الباحثين أو المسؤولين السابقين الذين يأتون ليجودوا علينا بنصائحهم، حتى لا نقول دروسهم، وهم في الحقيقة لا حول لهم ولا طول لأنهم لا يملكون سلطة القرار، وليس من المؤكد أنهم يستطيعون التأثير في أصحابه، إن افترضنا أنهم يريدون ذلك.
ثم إن هؤلاء يأتون بأفكار مسبقة عن بلادنا... وعادة ما يغادرونها بنفس الأفكار، أو بأفكار أسوأ ما دام وزراؤنا وخبراؤنا يقدّمونها لهم في صورة "اليد السفلى" المحتاجة إلى "يدهم العليا"...

محمد ابراهيم الحصايري