هيئة... تنتظر النفخ فيها!..
لست أدري لماذا كلّما جرى الحديث عن "الهيئات الوطنية" التي نبتت كالفقّاع بعد الرابع عشر من جانفي 2011، قفزت إلى ذهني الآية التاسعة والأربعون من سورة آل عمران وبالتحديد قول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام "أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ"...
وربّما يكون هذا الاقتران عائدا إلى وجود وَجْهِ شَبَهٍ بين ما كان يخلقه المسيح عليه السلام، وبين ما خلقه المجلس الوطني التأسيسي والحكومات المتعاقبة من هيئات لا سيما من حيث القدرة على الطيران... والدليل على ذلك أن "هيئاتنا الوطنية" مُنِحَتْ من الامتيازات والصلاحيات والحصانات ما جعلها، في زَمَن التِّيهِ السياسي والوهن الاقتصادي، تطير بل تحلّق عاليا، حتى إن بعضها كاد أن يصبح دويلة داخل الدولة، وقد رأينا كيف أن إحداها كانت تريد الاستحواذ على أرشيف الرئاسة، فجاءت ذات صباح إلى قرطاج مُتَأَبِّطَةً نِيَّةَ نَقْلِهِ إلى وجهة غير معلومة على متن شاحنات عادية لنقل الأثاث...
ولكن ومهما يَكُنْ سبب هذا الاقتران، فإنّ هذه الآية قفزت إلى ذهني من جديد وأنا اتابع تصريحات رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الذي تنقّل خلال الأيام الماضية بين وسائل الإعلام متذمّرا من قلّة الإمكانيات الموضوعة على ذمّة هيئته، ومؤكدا أن الهيئة "بحاجة إلى هبّة حقيقيّة من رئاسة الحكومة حتى توفر لها الحدّ الأدنى من الظروف للقيام بعملها".
وواضح من هذا التذمّر أن رئاسة الحكومة نسيت أو تناست أن تنفخ في هذه الهيئة حتى تبعث فيها الحياة وحتى تمكنها من الطيران والتحليق كغيرها من الهيئات...
فما معنى هذا النسيان أو التناسي؟
إن الأمر لا يخلو، في نظري، من أحد احتمالين: إمّا أن قوّة ما كتمت نفس رئاسة الحكومة فمنعتها من النفخ في الهيئة؟ وإما أن رئاسة الحكومة لا تريد أصلا أن تنفخ فيها لأنها ليست جادّة في مكافحة الفساد الذي يؤكد رئيس الهيئة أنه "حاليّا في وضعيّة وبائيّة"، وأن الدولة "ستتحول الى دولة مافيوزية إذا لم تكن هناك هبّة وطنيّة واستراتيجيّة لمكافحته"...
ولا حول ولا قوة الا بالله...
محمد ابراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق