ارتسامات جزائرية : "وعـقـدنا العزم أن تحيا الجزائر"...
من خلال ما سمعت ورأيت وقرأت على امتداد الأيام الخمسة التي قضّيتها في الجزائر في مطلع شهر فيفري الجاري، أحسست بأن الجزائريين، خاصّةً وعامّةً، يجمعون على أن بلادهم تقف اليوم في مفترق طرق متشعّب ومزدحم ومضطرب الحركة، ينبغي أن تعجّل بالخروج منه باختيار الطريق القويم الذي يمكن أن يفضي بها إلى أبواب المستقبل المأمول...
ومثلما هو الشأن في كلّ مجتمع حيّ، فإن رؤية الجزائريين لأوضاع بلادهم تتنوَّعُ بِتَنَوُّعِ أطيافهم، غير أن القاسم المشترك الذي يظلّ يؤلّف بينهم جميعا هو الحرص على سلامة الجزائر وأمنها ووحدة ترابها وشعبها، وهم لذلك يقابلون التحديات الماثلة على الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية بالشعار الذي كان رفعه أباؤهم وأجدادهم إبّان معركة التحرير: «وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر»...
وهم يتّفقون على أن رفع هذه التحديات يتطلب شن «معركة إصلاحية» قادرة على تحرير البلاد من كوابح نهوضها المنشود، بفضل إصلاحات حقيقية شاملة لا يقررها النظام بطريقة فردية فَوْقِيَّة، ولا يفرضها الشارع بالعنف والفوضى، وإنما تكون ثمرة إستراتيجية يتم رسمها بصورة جماعية ثم تنفيذها بمشاركة كافة القوى الحية في البلاد...
ومن منطلق هذه الرؤية، يمكن فهم الجدلِ واسعِ النطاق الذي أثاره في داخل الجزائر وحتى خارجها، وسواء بسبب محتواه أو بسبب الطريقة التي تم اعتماده بها، مشروع الدستور المنقّح الجديد الذي صادق عليه البرلمان الجزائري بغرفتيه يوم الأحد 07 فيفري 2016...
ومع ذلك وبالرغم من هذا الجدل، فإنّ المحلّلين يرون أن هذا الدستور يعكس استجابة من النظام لإرادة الإصلاح السياسي، ويشكّل مرحلة جديدة من التغيير الذي لا مَهْرَبَ من إضفائه على المشهد السياسي الجزائري، وإن بصفة متدرّجة وبجرعات محسوبة...
وفي الأثناء، ومن منطلق نفس الرؤية، يمكن أيضا فهم الجدل المُحْتَدِّ، في هذه الآونة، حول قصور سياسة البلاد الاقتصادية، وحول خيارات الإصلاح الاقتصادي الذي تزداد الحاجة إليه إلحاحا، يوما بعد يوم، مع تفاقم آثار الأزمة الناجمة عن تدهور أسعار البترول على الاقتصاد الجزائري وعلى ظروف عيش المواطنين.
إنّ هذه الأزمة التي أدّت إلى تقلّص موارد الدولة بشكل كبير، اضطرّت الحكومة إلى اتخاذ جملة من التدابير التقشّفية، وفرض سلسلة من الرسوم والضرائب الجديدة، وإقرار عدد من الزيادات في أسعار بعض المواد الإستراتيجية من أجل سدّ العجز في الميزانية العامة، وهو ما انعكس على وضع الطبقات المتوسّطة والفقيرة المعيشي، وليس من المستبعد أن يتسبب في إحداث بعض التململ في صفوفها...
وليس هذا فحسب، فالحكومة تجد نفسها مضطرّة أيضا إلى استهلاك المزيد من مدّخرات البلاد ومن احتياطيّاتها من العملة الصعبة، بل إنها قد تضطرّ، إذا ما استمر تراجع أسعار النفط لفترة طويلة، إلى الاقتراض مما يخشى معه أن تقع تحت طائلة الضغوط التي اعتاد البنك العالمي وصندوق النقد الدولي أن يفرضاها على الدول التي تلجأ اليهما... لذلك يؤكّد الخبراء الاقتصاديون أن الحكومة ينبغي ألاّ تكتفي في معالجتها للأزمة الراهنة باتخاذ التدابير المؤقّتة التي تمكّنها من تخطّي الصعوبات التي تعترضها بأقلّ التكاليف الاجتماعية الممكنة، وإنّما عليها أن تشرع في عملية إصلاح جذريّ وهيكلي للاقتصاد الوطني الجزائري حتى لا يظل قائما على مقوّم واحد ووحيد هو النفط، وحتى لا تظل مسيرة البلاد التنموية، باستمرار، رهينة لتقلّبات السوق النفطية.
ومعنى ذلك، كما يرى الخبراء، أن الجزائر بحاجة إلى العمل على بناء اقتصاد جديد متنوّع المقوّمات، وأنّ من واجب الدولة الجزائرية أن تعمل بالمثل القائل «ربّ ضارّة نافعة»، وأن تعكف على تحديد إستراتيجية اقتصادية تمكّن من استغلال مختلف الإمكانيات التي تزخر بها بلادٌ هي - بسواحلها الممتدّة على أكثر من 1.200 كلم وبمساحتها التي تبلغ 741 381 2 كلم2 - أكبر دولة في القارّة الإفريقية والعالم العربي وحوض البحر الأبيض المتوسط...
والأمر المؤكَّدُ في نظر هؤلاء الخبراء أنّ الجزائر، إذا توفّرت لها الإرادة السّياسيّة الفاعلة، وقامت بوضع الخطط اللاّزمة، وحشدت العوامل المساعِدَة، تستطيع أن تطّور قطاعا سياحيّا جذّابا بفضل ثراء مناطقها الجغرافية وتنوّعها، كما تستطيع، بفضل شساعة أراضيها الصالحة للزراعة، أن تطوّر قطاعا فلاحيا قادرا، لا فحسب على تحقيق أمنها الغذائي، وإنما أيضا على التصدير إلى الخارج...
بَيْدَ أنّه ممّا يضاعف من قلق الجزائريين إزاء الأزمة الاقتصادية أنها تتزامن مع وضع أمنيّ مضطرب في المنطقة، ومع استفحال مخاطر الإرهاب التي تتهدّد بلادهم لا سيما المتأتي من بعض الدول المجاورة... وهو ما يفرض عليها حالة من اليقظة والاستنفار الدائمين لضمان أمن المواطنين وتأمين المواقع والمنشآت الاستراتيجبة وحماية الحدود... وغنيّ عن البيان أن الجزائر التي تمتدّ حدودها البرية مع كلّ من تونس وليبيا والنيجر ومالي وموريتانيا والمغرب على أكثر من ستّة آلاف كيلومتر، مطالبة بأن تسخّر جانبا هامّا من ميزانية الدولة للجيش حتى يكون قويّا وقادرا على حماية هذه الحدود..
- اكتب تعليق
- تعليق