وثيقة هامّة: ثوابت الديبلوماسية التونسية وخصائص عمل وزارة الشّؤون الخارجيّة والهجرة والتّونسيّين بالخارج لسنة 2025
أفصح وزير الشّؤون الخارجيّة والهجرة والتّونسيّين بالخارج، محمد علي النفطي، عن الدعائم الثابتة التي تنبني عليها الديبلوماسية التونسية وخصائص المقاربة الجلية التي خطها الرئيس قيس سعيّد على ضوء التغيرات الدولية المستجدّة وأوضح تفاصيل رؤية تونس وبرنامج عمل الوزارة في السنة القادمة، وذلك لدى تقديمه خلال الجلسة العامّة لمجلس نوّاب الشّعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم لمهمّة الوزارة ومناقشتها، يوم السبت 16 نوفمبر 2024، ضمن مشروع الميزانيّة العامّة للدّولة لسنة 2025.
وفيما يلي النص الكامل للكلمة.
بسم الله الرّحمان الرّحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
السيّد رئيس مجلس نوّاب الشعب
السيّد رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم
السيّدات والسّادة النوّاب المحترمون
يشرفني وكافّة إطارات الوزارة أن نلتقي، في رحاب هذه المؤسّسة السّياديّة الموقّرة، بالسيّدات والسّادة أعضاء مجلس نوّاب الشّعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم المحترمين.
وتأسيسا على مسار 25 جويلية 2021 الذي جاء استجابة لنداء الشّعب واستلزم إصلاحا وطنيا شاملا، أحد أعمدته الدّبلوماسيّة التّونسيّة وأدواتها، باعتبارها خطّ الدّفاع الأوّل على السيادة الوطنية ومصالح تونس والتّونسيّين، ولما كان من أوكد مسؤوليّاتنا العمل على تنفيذ سياسة بلادنا الخارجية طبقا للتوجهات العامة والاختيارات التي يحددها ويضبطها سيادة رئيس الجمهورية، فقد انطلقت وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، في إطار من الانسجام الحكومي الكامل مع سائر هياكل الدّولة، في مرحلة جديدة قوامها العمل على تحسين علاقات تونس الخارجية، على الصعيدين الثنائي ومتعدد الأطراف، على نحو يضفي عليها مزيدا من النجاعة والمردودية.
ومن هذا المنطلق، كثفت الوزارة نشاطها لتوطيد علاقات الصداقة والتعاون مع الشركاء التقليديين لبلادنا وتوسيع شبكة هذه العلاقات عبر العالم، من أجل تأمين المساندة اللازمة للبرامج والمشاريع التنموية الوطنية، من خلال تنشيط أفضل للدبلوماسية الاقتصادية.
وبالتوازي مع ذلك، أولت وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج أهمية كبيرة للعمل المتعدد الأطراف على المستوى الإقليمي والدولي، عبر الانخراط الفاعل في العديد من المبادرات الأممية والفضاءات الإقليمية، لا سيما تلك التي تكتسي صبغة اقتصادية وتنموية، باعتبارها الإطار الأمثل لإعلاء مكانة تونس وتعزيز حضورها بين الأمم وإسماع صوتها عاليا والتعريف بمواقفها إزاء مُختلف القضايا الإقليميّة والدّوليّة، وذلك بالنظر لما توفره هذه المنظمات من إمكانيات كفيلة بتحقيق الأهداف التنموية والثقافية والاجتماعية على الصعيد الوطني.
وتنفيذا للتعليمات السّامية لسيادة رئيس الجمهورية، الذي جعل البعد الإنساني والاجتماعي جوهر مشروعه الإصلاحي، أولت وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج أهمية مُضاعفة وعناية خاصة للتّونسيين بالخارج، لتعزيز التواصل معهم وتأمين الإحاطة الضرورية بهم. وفي هذا الإطار، شرعت الوزارة في التأسيس لمرحلة جديدة من الحوكمة القنصلية من أجل تحقيق نقلة نوعية في منظومة العمل القنصلي تمكّن من تقريب الخدمات ورقمنتها. وفي هذا السياق، انطلقت الوزارة في الاستغلال التجريبي للمنصّة القنصلية الالكترونية (E-Consulat)، بما يجنّب أبناء جاليتنا مشقّة التنقل وعناء الانتظار ويمكّنهم من الحصول على عديد الخدمات عن بعد.
وتعمل الوزارة حثيثا على استكمال تركيز هذه المنظومة وتعميمها في جميع البعثات الدبلوماسية والقنصلية خلال النّصف الأوّل من سنة 2025، موازاة مع الشروع في مراجعة عديد النصوص الترتيبية قصد مزيد تبسيط العمل القنصلي وتوسيع شبكة التغطية القنصلية من خلال فتح مراكز ومكاتب قنصلية جديدة، حسب الإمكانيات المتوفرة.
كما تعمل مصالح الوزارة حثيثا على تكثيف الإحاطة بالجالية التونسية بالمهجر وتوطيد التواصل معها بما يعزز انتماءها للوطن، وهو عمل يتم بالتعاون والتنسيق مع الوزارات والهياكل الوطنية المعنية، خاصة فيما يتعلق بتدريس اللغة العربية والحضارة والثقافة التونسية لفائدة أبناء جاليتنا، وتجسيم خطة التحرك المستقبلية الهادفة إلى تنفيذ مشروع إرساء التعليم عن بعد لا سيما الموجه لفائدة الأجيال الناشئة.
وتسعى الوزارة إلى تطوير آليات الإحاطة بأبناء جاليتنا بالمهجر وتأمين الحماية القنصلية لهم والتدخل لفائدتهم لدى سلطات بلدان الاعتماد، وذلك لضمان احترام حقوقهم وتسهيل اندماجهم في بلدان الإقامة، من ناحية، وكذلك ضمان سلامتهم وأمنهم في الظروف الصعبة، من ناحية أخرى.
وفي هذا السياق، وبتعليمات رئاسية، تجنّدت مصالح الوزارة وبعثاتنا الدبلوماسية في عدد من الدول العربية، بالتنسيق المحكم مع بقية الوزارات والهياكل الوطنية، من أجل تأمين رحلات جوية لإجلاء عدد هام من مواطنينا المقيمين بلبنان وغزة، في ظلّ استمرار العدوان الإسرائيلي الهمجي على فلسطين ولبنان الشقيقين.
وتكريسا لحقوق الجالية في المساهمة في الحياة السياسية ببلادنا، عقدت مصالح الوزارة عددا من الاجتماعات مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من أجل إحكام التنسيق والاعداد الجيد للانتخابات الرئاسية بالخارج. وشاركت مصالحها وكافة البعثات الدبلوماسية والقنصلية في إنجاح هذا الاستحقاق الوطني، حيث أمّنت المساعدة والدعم اللوجستي والإداري لجميع فروع الهيئة بالخارج، مع الالتزام الكامل بمبدأ حياد الإدارة.
ولا يخفى أن مزيد إحكام التنسيق والانسجام بين بعثاتنا الدبلوماسية والقنصلية وبقية الهياكل والوزارات التونسية المعنية سيساهم في الارتقاء بالخدمات القنصلية واختصار آجالها.ونثمّن عاليا دور الجالية التونسية بالخارج في دعم مسيرة التنمية ومعاضدة مجهودات الدولة، إضافة إلى إسهامها الفاعل في إشعاع صورة تونس بالخارج بالنظر إلى ما تحظى به الكفاءات المهنية والعلمية من مكانة في دول الإقامة. وفي هذا السياق، تعمل الوزارة على متابعة تنفيذ التوصيات الصادرة عن منتدى الكفاءات التونسية بالخارج الذي نظّمته خلال شهر أوت الفارط في تونس، والبناء على ذلك، من أجل دور أكثر فاعلية لهذه الكفاءات. كما لا يفوتني أن أنوه بما يُوفّره النسيج الجمعياتي التونسي بالخارج من مساندة لجهود بعثاتنا الدبلوماسية والقنصلية.
وأودّ بهذه المناسبة أن أتوجّه بخالص عبارات الشكر والثناء إلى كل أبناء تونس ممّن بذلوا جهودا مقدرة بصفة فردية وضمن النسيج الجمعياتي لمساندة بعثاتنا بالخارج في رعاية بعض الفئات الخاصة، تجلت معانيه التضامنية زمن مكافحة جائحة الكوفيد، وهي مناسبة ننوه فيها بسخائهم ومؤازرتهم لإخوانهم في فترة كانت محفوفة بالمخاطر.
السيد رئيس مجلس نوّاب الشّعب
السيد رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم
السيّدات والسّادة النوّاب
إن الدبلوماسية التونسية على وعي تام بالتحولات السياسية والأمنية والاجتماعية والمناخية المتسارعة إقليميا ودوليا، والتي أفرزت ظواهر عدة أصبحت تنذر بالخطر وتلقي بظلالها على أمن واستقرار دول وشعوب العالم. وتتصدر هذه الظواهر ظاهرة الهجرة غير النظامية التي صارت تشكل هاجسا للعديد من الدول. وأود في هذا الإطار، التأكيد مجددا على أن بلادنا أوفت ولا تزال بالتزاماتها الدولية الإنسانية والأخلاقية وبالاستناد إلى القيم الفضلي للتضامن مع ضحايا هذه الظاهرة، التي أصبحت تهدد أمننا القومي. وهو ما استدعى وضع خطط عاجلة متعددة الجوانب تشمل التنسيق الأمني والدبلوماسي واللوجستي والاجتماعي والصحي والإنساني لتطويقها ومعالجتها من خلال التشجيع على العودة الطوعية.
ومن هذا لمنطلق، تحرص وزارة الشؤون الخارجية والجهرة والتونسيين بالخارج في اتصالاتها مع الشركاء ومع المنظمات الإقليمية والدولية المتخصصة على تأكيد موقف بلادنا الرافض بأن تكون تونس منصة عبور أو فضاء للإقامة المؤقتة أو الدّائمة للمهاجرين غير النظاميين. ونجدّد بهذه المناسبة استياءنا وإدانتنا المطلقة لأي توظيف سياسي أو إعلامي غير مسؤول لمعاناة ضحايا الهجرة غير النظامية في بلادنا.
وفي نفس الإطار، تعمل الوزارة في مختلف المناسبات الإقليمية والدولية على إبراز ركائز المقاربة التونسية التي تؤكد على أن المعالجة الأمنية للهجرة غير النظامية تبقى محدودة، ما لم ترافقها حلول تستهدف أسبابها الحقيقية وجذورها العميقة، وفق منهجية شاملة وتشاركية ومتضامنة مبنيّة على تقاسم المسؤولية بين جميع الدول والمؤسسات الدولية المعنية.
وتتنزل في هذا السياق الدعوة الموجهة للدول الغربية، لاسيما الأوروبية، والمنظمات الدولية والإقليمية المتخصصة لتتحمّل مسؤولياتها كاملة، من أجل تيسير عمليات العودة الطوعية للمهاجرين غير النظاميين. ويتم ذلك من خلال تمكين المنظمة الدولية للهجرة من القيام بمهامها على الوجه الأفضل وما يتطلبه ذلك من مساعدات تنمويّة وفنية إضافية، فضلا عن الترفيع في مساهماتها المالية لهذه المنظمة، حتى تٌمكّن أكبر عدد من المنتفعين بهذه الآلية من العودة الطوعية وإعادة الاندماج في بلدانهم الأصلية.
وتظل تونس الممتدة جذورها في عمق فضاءها الافريقي ذلك البلد الآمن لكل الوافدين عليها من بلدان القارة الإفريقية، متى كان ذلك بصفة نظامية ولغايات طلب العلم أو السياحة أو للاستشفاء أو للأعمال الاقتصادية والتجارية.
السيد رئيس مجلس نوّاب الشعب
السيد رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم
السيّدات والسّادة النواب
في سياق جهود تونس لخدمة القضايا العربية والإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية العادلة، لم تدّخر بلادنا جهدًا منذ الأيام الأولى لحرب الإبادة التي يشنّها الكيان المحتلّ على الشّعب الفلسطيني في قطاع غزة والتي ما زالت متواصلة بكلّ شراسة وامتدّت إلى الاعتداء على سيادة لبنان الشّقيق وشعبه، في تقديم كلّ أشكال التّضامن والدّعم الممكنة والإصداع من مختلف المنابر الدّوليّة والإقليميّة بموقفها المبدئيّ الواضح في إدانة هذا العدوان غير المسبوق.
وطالبت بمحاسبة مقترفيه أمام المحكمة الجنائيّة الدّوليّة وحثّت المجتمع الدّولي على تحمّل مسؤولياته القانونيّة والأخلاقية في وقفه بشكل فوريّ، مع تأكيد مساندتها المطلقة للشّعب الفلسطيني الشّقيق وحقوقه الوطنيّة غير القابلة للتّصرّف والتي لا تسقط بالتّقادم وفي مقدّمتها حقّه في إقامة دولته المستقلّة كاملة السّيادة على كلّ فلسطين وعاصمتها القدس الشّريف.
وقد كثّفت الدبلوماسية التونسية من تحركاتها واتصالاتها لدعم الجهود الدولية في مختلف المحافل الإقليمية والدولية من أجل توفير ممرات آمنة لإدخال المساعدات الإنسانية ورفع الحصار الجائر على القطاع والتصدّي لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية من خلال الرفض المطلق لمخططات التهجير القسري. وقد شكلت مشاركتي مؤخرا، بتكليف من سيادة رئيس الجمهورية، في القمة العربية والإسلامية غير العادية التي انعقدت بداية هذا الأسبوع في العاصمة السعودية، مناسبة جددت فيها تأكيد موقف تونس المبدئي والثابت في الدّفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق والمطالبة بالوقف الفوري والدائم للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وتكريسا للمدّ التضامني مع الشعب الفلسطيني، تجنّدت الدبلوماسية التونسية من أجل تيسير إيصال المساعدات الإنسانية والطبية التي أذن بها سيادة رئيس الجمهورية لفائدة سكان قطاع غزة المحاصر، بعد أن أمنت استقبال ومعالجة عدد من الجرحى من ضحايا العدوان الغادر. وستشارك تونس يوم 02 ديسمبر المقبل بالقاهرة في المؤتمر الدولي حول الإغاثة الإنسانية لقطاع غزة.
وفي ظل استمرار العدوان الغاشم على لبنان وشعبه، فإن تونس تجدّد الإعراب عن تضامنها الكامل مع الجمهورية اللبنانية ووقوفها إلى جانب الشعب اللبناني في مواجهة كل التهديدات التي تطال أمنه واستقراره. وقد تنزّلت مشاركتي في "المؤتمر الدولي لدعم سكان لبنان وسيادته" بباريس يوم 24 أكتوبر 2024، في إطار هذا الدعم الدبلوماسي والسياسي. وتعمل الوزارة على إحكام التنسيق مع بقية الهياكل الوطنية من أجل تأمين إرسال المساعدات الإنسانية لفائدة الجمهورية اللبنانية في هذا الظرف الخطير.
السيد رئيس مجلس نوّاب الشعب
السيد رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم
السيّدات والسّادة النواب
تحرص الدبلوماسية التونسية على مضاعفة الجهود من أجل إضفاء ديناميكية جديدة على علاقاتها في فضاءات انتماءها مع سائر الدول المغاربية من خلال تعزيز سنة التشاور والتنسيق وتفعيل أطر التعاون والشراكة القائمة معها على مبدأ المنافع المتبادلة في مختلف المجالات التجارية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية.
وتستند الدبلوماسية التونسية في هذا الاتجاه إلى توجيهات سيادة رئيس الجمهورية وإلى الروابط الأخوية التي تجمع سيادته بقيادات المنطقة والتشاور والتنسيق المتواصلين معها والذي تجسد في زيارة الأخوة التي أدّاها مؤخرا سيادة رئيس الجمهورية إلى الجزائر بمناسبة إحياء الذّكرى السّبعين لثورة التّحرير الجزائريّة والتي عكست حرص القيادتين على مزيد توثيق علاقات الشراكة المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين.
وفي ذات هذا السياق الأخوي نتطلع إلى أن تتمكن الشقيقة ليبيا من تعزيز ركائز الامن والاستقرار في كافة ربوعها، بما يحفظ سيادتها ووحدتها الترابية، من خلال تكثيف الحوار البناء الذي سيفضي حتما إلى المصالحة الوطنية والتسوية السياسية الشاملة التي ينشدها الشعب الليبي الشقيق تحت رعاية أممية.
وهو العزم نفسه الذي يحدونا من أجل تطوير علاقات الاخوة والتعاون القائمة مع سائر البلدان العربيّة الشّقيقة والحرص على تطوير الشراكة معها بما يعزز فرص تنفيذ مشاريع استثمارية هامة في مختلف القطاعات التّنمويّة والطبية والعلمية، وعدد من المجالات الواعدة كالأمن الغذائي والمائي والطاقي وغيرها من القطاعات الحيوية الأخرى.
وإن تونس تتقاسم مع أشقائها الأفارقة نفس العزم لرفع التحديات التنموية والأمنية والمناخية التي تواجهها القارة. وتعمل على مواصلة ذات النهج الذي توخته دولة الاستقلال الحديثة من خلال مزيد تطوير علاقات التعاون والشراكة الثنائية القائمة مع مختلف دول القارة.
وفي هذا الإطار بادرت الوزارة بوضع خطة تحرّك متكاملة لعقد اجتماعات اللجان المشتركة مع عدد هام من هذه الدول، فضلا عن برمجة جولة وزارية إفريقية تشمل الدول التي ليس لنا فيها تمثيل دبلوماسي مقيم، والتي تم استهلالها بزيارة إلى جمهورية بوروندي، بما يفتح آفاقا واعدة تسمح بتطوير علاقاتنا على المستوى الاقتصادي والتجاري والاستثماري، وتمكين الشركات التونسية من ولوج أسواقها وإقامة مشاريع بها.
كما تولي بلادنا أهمية كبيرة للتجمعات الاقتصادية الإقليمية الافريقية، لما توفره من فرص تعزيز الاندماج الاقتصادي وضمان نفاذ أفضل لصادراتنا في الأسواق الافريقية. وحرصت وزارتا الشؤون الخارجية والتجارة وتنمية الصادرات على الاضطلاع بدور فاعل ضمن "المنطقة القارية الإفريقية للتبادل الحر"، وفي إطار "السوق المشتركة للشرق والجنوب الإفريقي" COMESA، والتي تُمثّل أهمّ مجموعة اقتصادية بالقارة الإفريقية من حيث حجم المبادلات التجارية والاستثمارات، من أجل توطيد الشراكة بين بلادنا وهذه الفضاءات الاقتصادية، وتشجيع الاستثمارات المشتركة، إضافة إلى الاستفادة مما توفره من إمكانيات في إطار مشاريع التنمية. وتُرجم هذا التّوجّه من خلال مشاركتي في أشغال الدورة العادية التاسعة عشرة للمؤتمر الوزاري، والدورة 23 لقمة رؤساء دول وحكومات السوق المشتركة للشرق والجنوب الافريقي (الكوميسا-COMESA-) التي عقدت، يوم 31 أكتوبر 2024 بالعاصمة البورندية بوجمبورا.
كما يتنزل في نفس هذا التوجه التفكير في إمكانية فتح تمثيليات تونسية جديدة بالقارة، متى توفرت الظروف السانحة بذلك، بما يعزّز اندماج بلادنا في فضاءها الإفريقي.
وهي تحركات تمهّد لانتشار تونسي أفضل للمؤسسات التونسية بما في ذلك الباعثين الشبان الذين أقاموا الدليل على جدارتهم ومهاراتهم في إنشاء مشاريع تنموية تسهم في اقتصاديات عدد من البلدان الافريقية.
وقد دأبت بلادنا على المشاركة بانتظام وفاعلية في منتديات التعاون والشراكة الإقليمية بين إفريقيا وكل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية وروسيا، باعتبارها روافد هامة تدعم حضورنا الافريقي وتؤسس لأنماط جديدة من التعاون جنوب-جنوب. وتجسيما لهذا التوجّه، شارك السيد رئيس الحكومة في منتدى التعاون الصيني الافريقي في شهر سبتمبر الماضي، كما شاركت في المؤتمر الوزاري الأول لمنتدى الشراكة بين روسيا وإفريقيا، فضلا عن المشاركة التونسية في الاجتماع الوزاري لمؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في إفريقيا المنعقد في العاصمة اليابانية، في شهر أوت 2024، وقمة إفريقيا وكوريا الجنوبية في شهر جوان 2024.
حضرات السيدات والسّادة النوّاب المحترمون
يظل الاتحاد الأوروبي الشريك الطبيعي لبلادنا بحكم تواجد أكبر عدد من جاليتنا بالخارج بهذا الفضاء منذ عقود دعما لاقتصاده، وكذلك بحكم الجوار والروابط الاقتصادية والتجارية والبشرية التي تجمعنا به. وهي علاقات تعاون تاريخية وثرية انطلقت منذ أواخر ستينات القرن الماضي وبلغت درجة من النضج تسمح بتقييمها تقييما موضوعيا ونحن على مشارف إحياء الذكرى الثلاثين لإبرام اتفاقية الشراكة الموقعة في جويلية 1995، من أجل التأسيس لمرحلة جديدة سنعتمد فيها على إيجابيات الفترة الماضية ونتائجها المرضية، ومراجعة ما يتطلب المراجعة، وفقا لمقتضيات المرحلة وتطلعاتنا وخططنا التنموية في إطار من الاحترام المتبادل والندّية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. ولقد ساهمت مذكرة التفاهم حول الشراكة الشاملة والاستراتيجية التي أبرمت في شهر جويلية 2023، في تعزيز العلاقات لا سيما في المجالات الاقتصادية والتجارية والجامعية والطاقة والهجرة.
أمّا على مستوى علاقاتنا الثنائية مع الدول الأوروبية، فإننا حريصون على الارتقاء بنوعية التعاون القائم معها، سواء البلدان الصديقة التي تستأثر بالنصيب الأكبر من مبادلاتنا التجارية، والمشاريع الاستثمارية والبرامج العلمية والجامعية المشتركة، أو مع سائر الدول الأوروبية الصديقة المنضوية تحت لواء الاتحاد الأوروبي أو خارجه.
وهو ذات التوجه الذي يدفعنا نحو توطيد علاقات الصداقة العريقة والتعاون البناء مع الولايات المتحدة الامريكية في المجالات الاقتصادية والامنية والعلمية والتكنولوجية على قاعدة المصالح المشتركة والاحترام المتبادل وبما يؤمن رعاية أفضل لجاليتنا المقيمة بهذا البلد الصديق.
وأمام ما يشهده العالم من تحولات جيوسياسية كبيرة، تواصل الوزارة مساعيها الهادفة لتنويع شراكات بلادنا وتوطيدها، لاسيما مع الصين التي أدى لها سيادة رئيس الجمهورية زيارة دولة تاريخية. وتعمل الوزارة على متابعة تنفيذ نتائجها الهامة الواردة ضمن البيان المشترك الذي أسس لعلاقات تعاون استراتيجي بين البلدين، ستفضي إلى إنجاز مشاريع تنموية كبرى ببلادنا.
كما تواصل الوزارة مساعيها وتحركاتها لدى كل من السلطات اليابانية والكورية بهدف تنفيذ مشاريع تنموية وفنية هامة تمّ الاتفاق بشأنها في مجالات حيوية تتعلق بالمياه والرقمنة ومنظومة المسح العقاري، على سبيل الذكر لا الحصر.
كما تعمل الوزارة على توطيد علاقات الصداقة والتعاون وتوسيع شبكة علاقاتنا مع سائر الدول الآسيوية، بما فيها إندونيسيا والباكستان وسنغافورة والهند، وكذلك مع دول أمريكا الوسطى والجنوبية كالأرجنتين والبرازيل، تجسيما لخيار الانفتاح على الفضاءات والتكتلات الصاعدة وتنويع الشركاء.
السيّد رئيس مجلس النواب
السيد رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم
السيّدات والسّادة النواب
تواصل الدبلوماسية التونسية تكثيف تحركاتها على المستوى متعدد الأطراف صلب منظمة الأمم المتحدة ومختلف وكالاتها المتخصصة. وتجنّدت من أجل نصرة قضايا الحق العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية وبما يدعم مرتكزات الشرعية الدولية ويُعزّز آليات العمل الدولي مُتعدّد الأطراف، تجسيما لروح التضامن والقيم الإنسانية الجامعة التي تشكل النواة الصلبة لسياسة تونس الخارجية الجديدة.
وفي هذا الإطار تم التركيز على إبراز رؤية تونس وُمقارباتها الدّاعية إلى إصلاح جذريّ لآليات الحوكمة الدّولية والمؤسّسات الاقتصادية والمالية العالمية، من أجل تكريس مبدئي التضامن والعدالة في العلاقات الدولية وإعادة الثقة في منظمات العمل متعدد الأطراف، وفقا لميثاق الأمم المتحدة، التي تبقى الملاذ الأخير لإدارة الأزمات وإيجاد الآليات الكفيلة بالحد من الفوارق بين الشعوب والقضاء على الفقر وتحقيق الأمن الاستقرار والتأسيس لمجتمع إنساني يؤمن حياة أفضل للأجيال الحالية والقادمة.
وقد شكّلت الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقمة المستقبل الأخيرة التي رفعت شعار "من أجل عالم لا يتخلف فيه أحد على الركب"، مناسبة هامة طالبت من خلالهما تونس بمجابهة أزمة التغيرات المناخية في إطار التضامن الدولي القائم على مبدأ المسؤولية المشتركة والمتباينة، ودعت الدول المتقدمة إلى الإيفاء بتعهداتها في مجال تمويل المناج وتخفيف أعباء الديون على الدول النامية وتذليل التعقيدات القانونية من أجل تيسير استرجاع الأموال المنهوبة بالخارج لفائدة الشعوب المتضررة. كما دعت إلى تسريع نقل التكنولوجيا ودعم التحول الرقمي والطاقي، معتبرة أن ذلك يعد أقل ما يمكن أن تقدمه هذه الدول مقابل استقطابها للكفاءات والادمغة المهاجرة من الجنوب.
وفي نفس الإطار، شاركت تونس في عدد من الاستحقاقات الدولية والإقليمية الهامة على غرار القمّة التاسعة عشرة للفرنكوفونية، بعد أن ترأست على مدى سنتين دورتها السابقة، وكذلك قمّة منتدى التعاون الصيني-الافريقي وقمّة السّوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا والاجتماع الوزاري الأول لمنتدى الشراكة بين روسيا وإفريقيا، بالإضافة إلى الاجتماعات الدورية والاستثنائية للمنظمات العربية والإسلامية. وهي أطر مكنت من إبراز مواقف تونس الداعية إلى ضرورة القيام بالمراجعات اللازمة للمقاربات الكلاسيكية المتبعة في العلاقات الدولية، وبأهمية تجديد الالتزام بميثاق الأمم المتحدة ومقتضيات القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ومبدأ احترام السيادة الوطنية للدول وعدم التدخل في شؤونها.
وعلى هذا الأساس، ضمّت تونس صوتها إلى أشقائها بالدول الإفريقية من أجل إرساء نظام دولي أكثر عدلا وشفافية، قوامه إصلاح مجلس الأمن، بما يضمن تمثيلا جغرافيا أكثر إنصافا للقارة الافريقية وإعطائها المكانة التي تستحقها في الأمم المتحدة.
السيّدات والسّادة النواب المحترمون
إدراكا منها للصعوبات الظرفية التي تواجها المالية العمومية، تواصل الوزارة جهودها نحو تطوير وتحديث هياكلها وبعثاتها بالخارج وتعزيز مواردها البشرية من خلال ترشيد التصرف في الموارد والإمكانيات والضغط على النفقات.
وحرصا على تعزيز الحوكمة وتحسين الأداء الوظيفي، بادرت الوزارة بإعداد مشروع أمر جديد للتمديد في عمل "وحدة التصرف في الميزانية حسب الأهداف" من أجل متابعة تنفيذ هذه المنظومة.
كما أن الوزارة عاقدة العزم على مزيد رقمنة الإدارة من خلال تعميم منظومة التراسل "عليسة" صلب الإدارة المركزية ومع بعثاتنا بالخارج، وبين الوزارة وبقية الوزارات، وعلى مواصلة تطوير أساليب وآليات العمل الإداري بالاعتماد على التكنولوجيات الحديثة.
كما بادرت الوزارة، منذ بداية السنة، بمراجعة منظومة تقييم عمل البعثات الدبلوماسية والدائمة والقنصلية بالاعتماد على عناصر ومعايير أكثر موضوعية تقوم على تمشّ تشاركي وتفاعلي بهدف الرفع من مستوى الجدوى والنجاعة.
أما على مستوى التكوين والرسكلة في المجال الدبلوماسي، وبعد إشراف سيادة رئيس الجمهورية يوم 15 جانفي 2024، على افتتاح "الأكاديمية الدبلوماسية الدولية بتونس"، بدأ النشاط الفعلي للتكوين بالأكاديمية خلال شهر فيفري 2024 باستقبال 50 إطارا شابا ممن اجتازوا بنجاح مناظرة كتبة الشؤون الخارجية. كما ستستقبل الأكاديمية الدفعة الثانية من الدبلوماسيين الشبان، خلال شهر جانفي 2025، بالإضافة إلى الشروع في تأمين دورات تدريبية لدبلوماسيين أجانب في إطار شراكات مع منظمات إقليمية ودولية.
ونتطلع كذلك إلى مزيد تطوير وتوسيع نشاط الاكاديمية لتنظيم دورات تكوينية لفائدة موظفي وأعوان الدولة حتى تظل منارة علمية ومركزا إقليميا ودوليا متألقا للتكوين والرسكلة والبحوث والملتقيات الدولية، بما يسهم بدوره في مزيد إشعاع صورة تونس ودبلوماسيتها.
السيّد رئيس مجلس النواب
السيد رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم
السيّدات والسّادة النواب
لا يسعني في الختام إلا أن أعرب مجددا عن اعتزازي بهذا اللّقاء مع نوّاب الشّعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم والتّفاعل معهم حول مهمة وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج ، وأن أجدد التزام دبلوماسيتنا الكامل ببذل اقصى الجهود لإعلاء كلمة تونس وتعزيز مكانتها بين الدول والذود عن مصالحها الحيوية ومصالح وحقوق جاليتنا بالخارج، وتحقيق أعلى قدر من المردودية والنجاعة في علاقاتنا الخارجية على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف، في إطار التمسك بثوابت سياستنا الخارجية القائمة على الاحترام المتبادل والندية والمنفعة المشتركة واحترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في شؤون بلادنا الداخلية، تجسيما للتوجيهات السامية لسيادة رئيس الجمهورية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وشكرا على حسن الإصغاء
- اكتب تعليق
- تعليق