عبد القادر المعالج، إعلامي كاتب صحفي مترجم: الرحلة والذاكرة والزمن....
بقلم د.رضا القلال
1) اتخذ من القراءة والكتابة شغفا، سرعان ما تحوّل إلى حالة حياة
عبد القادر المعالج قارئ كبير، ومطّلع ملمّ بما جاد به المشهد الإعلامي والثقافي في المستويات المحلية الوطنية والدولية، وذلك لكونه اشتغل لمدة 35 سنة موظفا بوزارة الاعلام (1965-2000) فقد كانت تمرّ بين يديه يوميا عشرات، بل مئات العناوين من الصحف والمجلات والكتب القادمة الى أروقة مبنى كتابة الدولة للإخبار والإرشاد(1) من تحت سماء تونس.
ولا شك أن هذه الوظيفة خلقت لديه ديناميكية السؤال الإعلامي والثقافي، وفتحت عقله وقلبه على مجال الكتابة والتأليف. عرف بإنتاجه الغزير، فكان كتاب "محمد ابن الحسين وستون عاما صحافة"، باكورة أعماله سنة 1987، أما آخر عنقود في التأليف فهو رواية "حلاق المركز" سنة 2020، وقبلها "محمد الشعبوني وشذرات من آثاره". وعلى مدى 37 سنة منذ الكتاب الأول، تمكن من تشييد تراكم تاريخي بإصدار حشد من الكتب في الإعلام والقصة والذاكرة والتاريخ والترجمة. ولطالما فتحت سيرته الذاتية مظلة آفاقه عن تنوع باذخ في الدراسات والمقالات، والمحاضرات العديدة على منابر الجمعيات والمؤسسات. لقد اتخذ الأستاذ عبد القادر المعالج من القراءة والكتابة شغفا، سرعان ما تحوّل إلى حالة حياة، لأنه كان يمنح في كل مرة حياة كتاب بعد آخر. وهو لا شك من عشاق هذه الحكمة: وما من كاتب إلاّ سيفنى ويبقى الدهر ما كتبت يداه.
وفضلا عن ذلك هو أستاذ جامعي لمادة الترجمة بمعهد بورقيبة للغات الحية، ثم المعهد العالي للغات مدة 20 سنة (1978-1998). وكان سبق أن مرّ قبل ذلك بحلقة تكوينية في الترجمة الفورية (1972-1974). والأستاذ عبد القادر المعالج حاصل من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتونس (1960- 1965) على الإجازة في الأدب الإنكليزي والأمريكي. تعلم وأتقن ثلاث لغات، الفرنسية والإنجليزية الى جانب لغته الأم العربية، وقد آزرت انفتاحه على ثقافات ومرجعيات أخرى تعكسها كتابته باللغات العربية والفرنسية والانجليزية المنشورة بتونس وخارجها، وترجماته الكثيرة. وأرى في ذلك توليفة طموحة بين الشرق والغرب، وأنه من ذوي القلوب والعقول الكونية. وهو يقضي اليوم منطقة راحة شيخوخته ببومهل، من ضواحي جنوب العاصمة، مفعم بالسكينة والرضا، وبنعمة التفاؤل، ومازال يفكّر ويحلم وينتج. ولا يعني انه في تجربته الحياتية لم يعرف الماء والنار، والفرح والندم، والسلام والحرب، والجموح والانكسار.
حاولت في هذه الورقات أن أتقصّى مسيرته، والإضاءة عن رحلته. قطع جغرافيات مختلفة من ضاحيته ساقية الزيت بصفاقس، حيث ولد، إلى ضاحية الزهراء بتونس العاصمة مرورا بعديد الدول اندونيسيا، يوغسلافيا، السنيغال، العراق، بنغلاداش، غينيا، المملكة العربية السعودية وغيرها كثير ..... ياله من طريق طويل هذا القرن العشرين! عاش فيه 60 سنة في القرن العشرين، ويتجاوز عمره المديد -أطال الله في عمره- منتصف جسر الثمانين سنة. وهو يجسّد -كما أراه- تلك الروح الجسورة التي تعمل ليل نهار مدى الحياة.
ماذا يمكن أن أضيف إلى هذه التقدمة؟
ربما نسأل عن تآليف عبد القادر المعالج؟ عن طبيعة تجاربه في فنون الكتابة وأجناسها؟ هل كتب عن صفاقس، مرتع طفولته وصباه، والمدينة التي راي فيها لأول مرة الشمس والقمر؟ من هم أصدقاؤه الذين كتب عنهم؟ هل انخرط في المجتمع المدني؟
وستتناسل الأسئلة: هل أخذت منه الصحافة كل اهتمامه؟ إلى أي مدى اشتغل بالترجمة وبالترجمة الفورية؟ هل انتبهت إليه المؤسسات الثقافية ودوائرها؟ هل طالت حركة النقد أعماله؟
2) كتب من شرفة النوستالجيا: "رواد الصحافة في صفاقس" فمهّد لموسوعة عن الصحافيين والعناوين الصحفية
عطفا على كل هذه الأسئلة كان لا بد، قبل مزيد تخطّي السطور في الحديث عن عبد القادر المعالج، من التعريف به تعريفا يقرّبنا من شخصيته:
رأى عبد القادر المعالج النور في 15 ديسمبر 1940 بصفاقس. قضى بها برهة زمنية لم تتجاوز 20 سنة، امتدت من الولادة الى التحاقه بالتعليم العالي في تونس، وذلك بعد حصوله على البروفاي العربي والباكالوريا بجزئيها التونسية والفرنسية سنة 1960. ألحقه والده بكتّاب سيدي سعادة (1944-1947)، ثم انتقل للدراسة بمدرسة الفوز بساقية الزيت (1947-1951) التي حصل منها على الشهادة الابتدائية. وشكّل ذلك النبع للطفل عبد القادر، الذي نسمّيه الطفولة، أجمل أيام حياته والتي ما زال يحملها بداخله، وأنشأ فيها علاقة حيوية بمحيطه. قضى تعليمه الثانوي بالمعهد الثانوي للذكور الحبيب معزون ثم بطريق قابس صفاقس (1952-1960) قبل أن يلتحق بالجامعة.
عبد القادر المعالج كاتب صحفي ومؤلف ومترجم واستاذ جامعي قادم من وسط متواضع، والده أحمد (1903-1974) الذي اشتغل بالتجارة في سوق الربع الضيق، ثم امتهن الفلاحة ومشهور بحذقه للزبيرة (تقليم الأشجار)، والدته حبيبة بنت الحاج محمد المعالج(2). منذ أن كان عبد القادر المعالج أخضر العود، كان يقوده فضول لا يهدأ نحو المعرفة، ورغبة جامحة في تعلّم اللغات وإتقانها، والطموح ليس سوى وعد يقدمه الإنسان لنفسه. انخرط في الأربعينات من القرن المنصرم، في صفاقس، في الشبيبة الدستورية والكشافة التونسية، وقد ارتبط نشاط هذه الحركات الاجتماعية والثقافية بمؤازرة الحركة الوطنية ومقاومة الاحتلال.
وراكم في الجامعة الكثير من المعارف، من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتونس (1960- 1965) حصل على الإجازة في الأدب الإنكليزي والأمريكي. وانخرط في سنة أولى آداب عربية 1960. واشتغل قيّما بمعهد خزندار بباردو (1962)، وأستاذ عربية بالمعهد الثانوي بتونس (1963)، وأستاذ فرنسية بالمعهد الثانوي للبنات شارع مرسيليا تونس (1964). واشتدت به الرّغبة حتى بعد العمل للعودة إلى مقاعد الدراسة العليا بالتسجيل في سنة أولى حقوق عام 1970.
وفي العاصمة امتد نشاطه الإجتماثقافي الذي بدأه بمسقط رأسه، واتسع. فكان عضوا "بنادي الجمعة" برادس، الذي كان يلتئم بمنزل القاضي محمود شمام من 1987 إلى نهاية المجلس سنة 1998. ثم أسس "مجلس الخميس" من 1974 – 1998 بمكتبه في وزارة الاعلام بشارع الجزائر بالعاصمة، ومن 1989–2013 بالمكتبة العتيقة لصاحبها صالح العسلي. وأقدم في سنة 2013 على تأسيس "نادي الثلاثاء" الممتدة فعالياته إلى اليوم.
كتبت عنه سنة 2022 على الفايسبوك ورقة موجزة قلت فيها: الصديق عبد القادر المعالج له تجربة ثقافية وتاريخية حافلة بالعطاء والثراء في أوساط الصحافة والترجمة والتأليف. وقد امتزجت علاقاته بسمات الخلق الرفيع والتأدب الجم واللطف. كتب من شرفة النوستالجيا: «رواد الصحافة في صفاقس" الذي أصدره سنة 1996 وجاء في 334 صفحة من الحجم المتوسط، وزيّن غلافه ببورتريهات (وجوه) دالة وثّق فيه حياة 22 صحفيا من مشاهير الصحافة في صفاقس. تابع حياتهم العملية ونشاطهم الإعلامي وأورد نماذج من مقالاتهم (محمد معلى، أحمد حسين المهيري، زهير العيادي، محمد أحمد شبشوب، الحبيب شيخ روحه، محمود خروف، حامد قدور، محمد الطاهر السماوي، عبد العزيز عشيش،علي البقلوطي وغيرهم...). قضى أكثر من 10 سنوات في تأليف هذا الكتاب حتى صاغه وسوّاه، وللإشارة فإن جريدة "العصر الجديد" لمحمد حسين المهيري التي ظهرت بصفاقس كأول جريدة جهوية سنة 1920 شكّلت منعطفا تاريخيا أفرز ملحمة ثقافية بالمدينة بين الحربين العالميتين. ويعتبر هذا الكتاب إضافة هامة للمؤلف الشاعر محمد الشعبوني الموسوم: "الصحافة بصفاقس 1904-1982"(1985)، وكتاب د.محمد حمدان: "أعلام الإعلام في تونس (1860-1956) الذي أصدره مركز التوثيق القومي سنة 1991، وأورد فيه عددا من أسماء الصحفيين ومؤسسي الجرائد من صفاقس. أصدر عبد القادر المعالج عديد الكتب في مجال الصحافة أسكب فيها الكثير من أوقات حياته ومن تفكيره منها "أعلام الإعلام في صفاقس بعد الاستقلال"، (عبد الجليل دمق، عبد اللطيف الفراتي، التوفيق الحبيب، أحمد العموري، محمد قاسم المسدي، أحمد العش، محمد الفراتي، السيدة القايد، ابتسام المكور، نجيبة المعالج دربال، رفيق بن زينة، رشيد العيادي وغيرهم ....) بحيث أعاد في هذين الكتابين تطريز شريط تاريخي عن الحركة الصحفية المتدفقة بمدينة صفاقس، منذ ظهور الصحافة الى ما بعد الاستقلال، في دلالة على حضارة هذه المدينة وتميزها الدائم. إلا أنه أورد بعض الأسماء بشكل مرتجل وغير مرتب سلفا، أو على الأقل بعجالة تلقائية!
3) 35 سنة في ممارسة حياة يومية بين صفحات الجرائد والمجلات والكتب
كتب عبد القادر المعالج الكثير من قصة الإعلام الوطني، مركزيا وجهويا، ورصد التجارب وقرأ التفاصيل، ورفد حضور الصحافة الجهوية وفرسانها من الجنسين واستمرارها. كما قدم وجوها مشرقة ومضيئة وعبقريات فردية استجابت لراهنيّة فترات تاريخية معينة. ومن كتبه في هذا المجال "محمد ابن الحسين وستون عاما صحافة"، الصحافة النسائية في تونس بالعربية كما أصدر باللغة الفرنسية بباريس كتابا تحت عنوان: "L’information au féminin" وكتابا عن الصحافة الجهوية في تونس. ومن كتبه أيضا: القاضي الكبير "محمود شمام وآثاره"، و"الهاشمي السبعي" باللغتين العربية والفرنسية صادر عن وزارة الثقافة، وكان هذا الرجل مديرا لمعهد الاثار بعد الاستقلال وكان يترجم خطب بورقيبة الى الفرنسية ومحمد بن حسين بالعربية بوزارة الإعلام. وألف كتابا عن صديقه "محمد الشعبوني وشذرات من آثاره" وقد أعانه هذا الصديق كثيرا في الاتصال مع شخصيات صفاقسية منهم محمد محفوظ وعبد القادر السيالة وحامد قدور وعمر قدور...
نشرت له الصباح والعمل والحرية و"لاغازات دي سيد" وشمس الجنوب والموقف العربي المصرية ومجلة ليدرز، و"تينزيان ديجستTunisian Digest"، و"فورومForum " لمنصف شرف الدين، والملاحظ التونسية L’ObservateurTunisie، ولوطون، وتونس الأسبوعية، و"تينزيان هايلايت" Tunisian Highligts والرأي العام، ومجلة مواقع ومعالم، وغيرها من وسائل الإعلام، عشرات بل مئات من المقالات والقراءات في المراحل الدقيقة والأحداث، وهو الذي قضّى 35 سنة في ممارسة حياة يومية بين صفحات الجرائد والمجلات والكتب. وتناولت هذه المنشورات قضايا وأسماء لا نهاية لها: خير الله بن مصطفي، حمودة قوجة، إبراهيم بن حسن، محمد شمام شقيق محمود شمام، حمادي الساحلي، عبد العزيز بن حسن، محمد اليعلاوي، صالح العسلي، عبد الكريم عزوز، الجيلاني بالحاج يحيى، أحمد الجلولي، الطاهر شريعة وغيرهم....
ومن أعماله في الترجمة، ترجمة رواية محمد السبوعي "متاهة اوسراس" إلى الفرنسية. وترجمة ملف عن الأدب الياباني من الإنكليزية إلى الفرنسية نشر بمجلة "لوتس" صوت اتحاد الكتاب الأفارقة والآسويين، التي كان يرأس تحريرها الأديب مصطفى الفارسي. وترجم إلى الفرنسية دراسة أعدها الأستاذ فريد قطاط عن المستشرق الألماني "نولدك والقرآن" نشرت بمجلة التنوير التي تصدرها الجامعة الزيتونية. ودراسة عن عمر الخيّام من الانكليزية إلى العربية، نشرت بالكراس الثقافي لجريدة الحرية، وترجم قصة "القبور الفارغة" بالإشتراك مع نبيهة عبد المؤمن نشرت بالملحق الثقافي لجريدة الحرية. كما ترجم ثلاث قصص لنجيب محفوظ إلى الفرنسية، نشرت "بلاغازات دي سيد"، وبجريدة "لابراس" التونسية.
وقدم عبد القادر المعالج مجموعة من الكتب لأحمد الطويلي جمعها في كتاب موسوم "مع كتبي"، كما قدم كتبا لمحمود شمام، ولمنصف شرف الدين (بالفرنسية) وألف كتابا بالفرنسية عنوانه Bonnes lectures وللمؤلف مقالان عن كتابين لأبي زيان السعدي الأول عن "الفاضل بن عاشور" والثاني عن " أبي القاسم الشابي" (بالفرنسية).
4) "إن الحياة ذميمة إذا انحطت البازات وارتفع البط"
من بين المواضيع العديدة التي خاض فيها عبد القادر المعالج استأثرت باهتمامه مدينته صفاقس، كتب جزءا كبيرا من تاريخها الإعلامي، وألف كتابا معنونا: "صفاقس حديث القلب". وهنا يعلن عبد القادر المعالج مرحلة الغرام العلني، فقد ذهّب اسم صفاقس بزيت الزيتون. وافتنانه بصفاقس عنصر هام تفوح منه، كما ذكرت، رائحة الزيت والزياتين ولكن أيضا زهر اللوز وحبات التوت، وتتناهى من بين سطوره، بعد تأسيس إذاعة صفاقس سنة 1961، نوبات بودية القديمة، وأغاني محمد الجموسي (يامروّح لبلاد، مريقة صفاقسية...)، وأحمد حمزة (ارجع يا عمي يهديك، والصغير مبروك التريكي (لعب الكورة، يطوّل عمرك يامّيمة ياحنينة...). لا ريب إن كانت شخصية عبد القادر المعالج تأصّلت في هذا الطابع الأنثروبولوجي الصفاقسي الخاص، مثلما هو أيضا متأصّل في ذاته، وانطوى بداخله حنين جاذب للأرض، ومغناطيس ماكن للجذور بما أوتي من حب عنيف. لقد فتّش عبد القادر المعالج، من خلال نزهة الزمان، في كتابه: "صفاقس حديث القلب"، عن أسرار مسقط رأسه، وأضوائها وأحداثها، وهو الذي عاش حياته المهنية بالعاصمة، فزرع الدفء في مقاطع هذه المدينة التي أصبحت في وضع لا تحسد عليه منذ حدث 2011. لا يستطع أحد أن يهرب من التاريخ لأن دائرته ماض وحاضر ومستقبل، لهذ قيل "فما من صداقة التاريخ بدّ"، وهكذا "إن الحياة ذميمة إذا انحطت البازات وارتفع البط "، فقد أصيبت هذه المدينة بكل الجروح فلم تعد قنديلا يضئ الوطن ولم تعد تنشر رائحة الفل والياسمين. ألا يمكن توصيف صفاقس اليوم "بجدار التاريخ المائل"! وأنها تكاد تعود إلى "عصر القوافل والريف" بعد ما أصاب بيئتها من أضرار فادحة، واحتاجت الى تحلية مياه البحر.
ومن كتبه في دائرة صفاقس أيضا: "محمد الشعبوني وشذرات من آثاره"، ضمنه بعضا من كتابات صديقه الشاعر في الصحف والمجلات التونسية. وكتاب "المخزن في تونس وعائلة الجلولي" (باللغة الفرنسية). ولعبد القادر المعالج محاضرة عن العالم والمجاهد البحري علي النوري نشرت بمجلة مواقع ومعالم، كما نشر ثلاث دراسات بمجلة الاتصال التي يصدرها معهد الصحافة وعلوم الاخبار بتونس إلخ...
وقد حاضر عبد القادر المعالج على منابر معهد الصحافة وعلوم الأخبار، وجمعية مواقع ومعالم، وبيت الحكمة، وجمعية قدماء الصادقية، ومركز تونس للترجمة، والإتحاد الوطني للمرأة، ومركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة (الكريديف)، الى جانب المشاركة في عدة ندوات وملتقيات بتونس وخارجها.
خاتمة على شكل بداية أوعود على بدء
أول مقالة نشرها عبد القادر المعالج سنة 1957، بمجلة العزائم التي كانت تصدر بالمعهد الزيتوني الذي كان يديره أحمد الزغل، وعنوانها "رسالة العثمانية" للجاحظ. وتأتي هذه المقالة عنه وهو لا يزال تلميذا بالمهد الثانوي للذكور سنة 1957، حقا "فإنما الأيام مثل السحاب" وهذا عجز من بيت عمر الخيّام في رباعيّاته.
لقد حاولت من خلال هذه الورقات أن أقبض على حصيلة معترك حياة عبدالقادر المعالج وانتاجاته،ولعلي ألفت انتباه المؤسسات والجمعيات لكي تنصف هذا الرجل، الكاتب والمترجم والإعلامي والمدرّس، وتحفّز مناطق الأسئلة في أفكاره وإبداعاته الغزيرة. فقد حفر الرجل اسمه في جدار الزمن، فقد اضاء تاريخ الإعلام بصفاقس، وكتب عنها، وسطّر سيرة أكثر من 50 من رجالات المدينة ونسائها، وحمل في أضلعه عبق ماضي المدينة وحاضرها.
بماذا نفسر عدم دعوة هذا الإعلامي والكاتب والمترجم الى منابرنا الثقافية والإعلامية بالجهة؟
هل يعقل ألاّ يطال عبد القادر المعالج التشريف والتكريم بمسقط رأسه، وهو الحامل لسيرة إعلامية حافلة، وبصمة متميزة في كتبه، وتجربة حياتية زاخرة فيها الكثير من الشؤون والشجون؟ لو لم يكتب عن رواد الصحافة بصفاقس، والصحافة الجهوية بصفاقس، وأعلام الصحافة بصفاقس بعد الاستقلال ... لخسرنا موسوعة من الإعلاميين والمثقفين بالجهة! هل هناك شراسة جغرافية؟ هل تخوننا جسور المسافات؟ هل من طبعنا النكران وعدم الاعتراف بالجميل؟ وهذا ينطبق عليه وعلى كثير غيره.
لا يمكن لمشروع خطاب ثقافي أن تدور عجلته دون فعل واشتغال وحركة ممتدة وواسعة، ودون إيقاد الجمر الماكث تحت الرماد. وقد يكون غياب النقد هو الذي عطل التلقي المثمر لأعماله، وأعمال غيره. كم نحن بحاجة إلى فتح ضفاف أخرى!
وفي الختام أجدني مدفوعا إلى إقفال هذه الورقات دون الإعلام عن مؤلفه القادم:"في الترجمة وقضاياها" -للإقناع والتشويق- الذي جمع فيه كل ما كتبه عن الترجمة في مسيرته الجامعية. والاطلاع على هذا الكتاب بحد ذاته يشكل واجبا معرفيا ومصدرا للمعرفة والمتعة والفائدة والرياضة العقلية، وأخيرا ستصدر للصديق عبد القادر عن قريب رواية جديدة بالفرنسية عنوانها: Malik les épines de la patience
د.رضا القلال
مؤرخ وكاتب صحفي
1- بساحة القصبة ثم بشارع الجزائر 1968، وفي سنة 1998 سلم المبنى لوزارة المرأة وانتقلت وزارة الاعلام الي شارع بيروت وبعد أشهر إلى مبنى دار الصباح.
2- ذهب الحاج محمد المعالج الى الحج سنة 1927 وبقي هناك للمجاورة، وكان حاضرا في الاجتماع التحضيري لتأسيس أول شعبة بصفاقس للحزب الحر الدستوري التونسي سنة 1920
- اكتب تعليق
- تعليق