أخبار - 2024.01.24

وليد بن صالح، رئيس هيئة الخبراء المحاسبين: لا بد من استرجاع الثقة بين كافة الأطراف الفاعلة (ألبوم صور)

وليد بن صالح، رئيس هيئة الخبراء المحاسبين: لا بد من استرجاع الثقة بين كافة الأطراف الفاعلة (ألبوم صور)

اعتبر  رئيس هيئة الخبراء المحاسبين بالبلاد التونسية وليد بن صالح أن التأمّل في المؤشّرات من شأنه إثارة بعض المخاوف حول الوضع الاقتصادي للبلاد لكنّ تجاوزها يبقى ممكنا شريطة تظافر جميع الجهود والانطلاق في الإصلاح العميق والحقيقي والشامل في أسرع الآجال خاصة في ما يتعلّق بالمالية العمومية وتنقية مناخ الأعمال وتحسين منظومة الاستثمار ودعم المبادرة الخاصة وإنقاذ المؤسسات العمومية وتحقيق العدالة الجبائية في ظلّ رؤية استراتيجية شاملة ومتكاملة وواضحة المعالم.
وأضاف في مفتتح الملتقى الحواري حول قانون المالية لسنة 2024، بإشراف وزيرة المالية، السيدة سهام بوغديري نمصية، أنه لا يمكن بلوغ هذه الأهداف إلا باسترجاع الثقة بين جميع القوى والأطراف الفاعلة وتكريس قيمة العمل والإنتاج والإنتاجية وتقاسم التضحيات على أساس العدل والإنصاف بين جميع الشرائح والفئات لبناء مستقبل أفضل وتحقيق تنمية مستدامة.

وفيما يلي نص كلمته:

أودّ في بداية هذه الكلمة ونحن في اليوم العاشر بعد المائة من حرب الإبادة الجماعية الوحشية التي يرتكبها الكيان الصهيوني الغاصب على قطاع غزّة وفي جميع الأراضي الفلسطينية المحتلّة والتي راح ضحيتها أكثر من 25.000 شهيد معظمهم من النساء والأطفال أن نترحّم على أرواحهم الطاهرة الزكيّة وأن نسأل الله عزّ وجلّ أن يتغمّدهم برحمته الواسعة وأن يسكنهم فسيح جنّاته وأن يشفي الجرحى والمصابين وأن يعيد اللاجئين والمشرّدين إلى ديارهم آمنين وأن يخفّف على أهالينا في فلسطين وطأة هذا العدوان الهمجي الغاشم والحصار الخانق وأن تتحرّر جميع الأراضي الفلسطينية من الاحتلال وأن يستردّ الشعب الفلسطيني حقوقه المسلوبة في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة وعاصمتها القدس الشريف.

كما أود أن أرحّب بكم وبضيوفنا الكرام وأخصّ بالذكر السيدة وزيرة المالية التي قبلت أن تشاركنا فعاليات هذا الملتقى السنوي الذي دأبت على تنظيمه هيئة الخبراء المحاسبين حول قانون المالية وذلك بهدف تعميم الفائدة على الجميع وتحقيق مزيد الإشعاع للهيئة وتعزيز دورها الريادي في الحفاظ على النسيج الاقتصادي وتطويره والمشاركة في وضع الإستراتيجيات الوطنية والقيام بالإصلاحات الهيكلية وكذلك دعم الحوكمة والشفافية المالية.

وفي هذا الإطار، يجدر التأكيد على الدور المحوري الذي تلعبه مهنة الخبير المحاسب في مرافقة ومراقبة المؤسسات وتقديم الاستشارة والإرشاد والمساعدة في عدّة مجالات بما في ذلك المجال الجبائي ممّا يمكّن من دعم الشفافية المالية والامتثال الضريبي ونشر الثقافة الجبائية.

كما يمثل الخبير المحاسب باعتباره طرفا موثوقا به (Tiers de confiance) شريكا أساسيّا وفعّالا في تحسين أداء المنظومة الجبائية وتكريس مبادئ العدالة والإنصاف والتصدّي للغشّ والتهرّب الجبائي بما يمكّن من تعزيز موارد الدولة.

حيث لا يخفى على أحد أنّ المادة الجبائية تعدّ من بين الاختصاصات الطبيعية المميّزة للخبير المحاسب والتي لا يمكن بحال من الأحوال فصلها عن بقيّة مجالات تدخّله على غرار المحاسبة والتدقيق والاستشارة والخبرة العدلية...إلخ.

لقد تميّزت سنة 2023 بتواصل الصعوبات الاقتصادية والمالية وذلك بسبب لا فقط تتالي الأزمات منذ جائحة كورونا وتواصل الحرب الروسية الأوكرانية وظهور توترات جديدة في بعض المناطق الأخرى من العالم ولكن كذلك بسبب تتالي سنوات الجفاف من ناحية وغياب رؤية إستراتيجية واضحة المعالم للنهوض بالاقتصاد الوطني على المدى القصير والمتوسّط والبعيد من ناحية أخرى.

كما تميّزت سنة 2023 بتواصل الانكماش الاقتصادي حيث بلغت نسبة النموّ حسب المعهد الوطني للإحصاء 0,7 % فقط وهي نسبة منخفضة جدّا وغير مسبوقة وهي نتيجة لتدهور مناخ الأعمال وتعطّل الاستثمار على امتداد عدّة سنوات حيث بلغت نسبته 16,1 % من الناتج المحلي الخام خلال سنة 2023 مقارنة بـ 24,6 % خلال سنة 2010.

كما أنّ نسبة الادخار الوطني شهدت انخفاضا هامّا جدّا من 21,1 % من الدخل الوطني المتاح خلال سنة 2010 إلى 8,4% في سنة 2023.

وترتّب عن هذه الوضعية الاقتصادية تواصل ارتفاع نسبة البطالة التي بلغت 15,8 % خلال الثلاثي الثالث من سنة 2023 وكذلك تفاقم التضخّم بمعدّل 9,3% مقارنة بـ 8,3 % في سنة 2022 ممّا أثّر سلبيّا على القدرة الشرائية للمواطنين، هذا علاوة على ندرة وفقدان عدّة موادّ.

تمّ إعداد قانون المالية لسنة 2024 في ظلّ ظروف اقتصادية وطنية صعبة ورغم الاسترجاع التدريجي لنسق النمو والإنتاج في عدّة بلدان من العالم، لم يتمكّن اقتصادنا الوطني بعد من النهوض الفعلي وتحقيق القفزة النوعية المرجوّة، حيث أن نسبة النموّ المتوقّعة خلال سنة 2024، تبقى ضعيفة في حدود 2,1 % وهيمرتبطة بتحسّن العوامل المناخيّة لتحقيق تطوّر في مردود القطاع الفلاحي وبتحسّن مستويات الإنتاج في القطاعات الاستخراجية على غرار الفسفاط والمحروقات والتي تستوجب بدورها القيام باستثمارات جديدة.

كما أنّ ميزانية 2024 التي ستكون في حدود 77,8 مليار دينار أي بزيادة قدرها 9,3 % مقارنة بسنة 2023 تمثّل أكثر من 44 % من الناتج المحلّي الخام متجاوزة بذلك النسب المرجعية المعمول بها على المستوى الدولي والتي هي في حدود 30%.

وهو ما يجعل من النفقات العمومية للدولة عبئا ثقيلا على الاقتصاد الوطني يحدّ من تطوّره ومن نسق نموّه خاصّة إذا علمنا أنّ 55 % من هذه النفقات موجّهة للتصرّف و32 % لخدمة الدين العمومي وهي نسبة مرتفعة جدّا وغير مسبوقة، في حين أن نفقات الاستثمار العمومي المباشر بقيت في حدود 5,3 مليار دينار أي ما يمثّل 6,8 % فقط من مجموع الميزانية.

ومن ناحية أخرى، يتطلّب تمويل عجز الميزانية الحصول على موارد اقتراضإضافية هامّة في حدود 28,7 مليار دينار ممّا سيبقي على نسبة الدين العمومي في حدود 80 % من الناتج المحلي الخام تقريبا على غرار السنة الفارطة وذلك دون اعتبار قروض المنشآت والمؤسسات العمومية وكذلك تعهّدات الدولة لتغطية هذه القروض.

كما تتميّز ميزانية سنة 2024 بارتفاع النسبة الإسمية (Taux nominal) للضغط الجبائي إلى حدود 25% أي أن نسبة الاقتطاعات العمومية الإجبارية PPO (Prélèvements Publics Obligatoires) ستفوق حسب التقديرات 34% من الناتج المحلي الخام وهي أعلى نسبة في إفريقيا ومن بين تداعياتها السلبية، الحدّ من الاستثمار، خاصة الاستثمار المباشر الخارجي.

كما أنّ التوزيع غير العادل لهذه النسبة جرّاء تفاقم القطاع الموازي والتهرّب الجبائي لا يمكّن من تحقيق عدالة جبائية حقيقية علاوة على أنّ توظيف المداخيل الجبائية غير موجّه بالأساس للاستثمارات في تحسين البنى التحتية والخدمات العمومية.

إن ميزانية سنة 2024 ورغم تضمّنها لإجراءات تهدف لدعم توازنات المالية العمومية على غرار إحداث معلوم ظرفي بنسبة 4% من أرباح البنوك ومؤسسات التأمين والمؤسسات البترولية وغيرها وكذلك إجراءات لإرساء آليات بديلة لتمويل نفقات الدعم خاصّة من خلال توسيع مجال تطبيق أتاوة الدعم ومراجعة نسبها وكذلك إجراءات العفو الجبائي التي من شأنها أن توفّر موارد إضافية للدولة، فإنّها تبقى هشّة من حيث احتياجات التمويل الخارجي الهامّة والتي ستكون في حدود 16,4 مليار دينار وذلك في ظلّ تعطّل للمفاوضات مع بعض الممولين الدوليينوانخفاض للتصنيف الائتماني.

وهو ما يمثّل التحدّي الأهمّ لتحقيق توازنات المالية العمومية خلال سنة 2024، بالإضافة إلى تحقيق نسبة النموّ المتوقّعة بــ 2,1 % والتي نأمل بلوغها إن شاء الله شريطة تحسّن العوامل المناخية والظروف الخارجية واسترجاع نسق الإنتاج والإنتاجية في جميع القطاعات.

إنّ التأمّل في هذه المؤشّرات من شأنه إثارة بعض المخاوف حول الوضع الاقتصادي للبلاد لكنّ تجاوزها يبقى ممكنا شريطة تظافر جميع الجهود والانطلاق في الإصلاح العميق والحقيقي والشامل في أسرع الآجال خاصة في ما يتعلّق بالمالية العمومية وتنقية مناخ الأعمال وتحسين منظومة الاستثمار ودعم المبادرة الخاصة وإنقاذ المؤسسات العمومية وتحقيق العدالة الجبائية في ظلّ رؤية استراتيجية شاملة ومتكاملة وواضحة المعالم.

ولا يمكن بلوغ هذه الأهداف إلا باسترجاع الثقة بين جميع القوى والأطراف الفاعلة وتكريس قيمة العمل والإنتاج والإنتاجية وتقاسم التضحيات على أساس العدل والإنصاف بين جميع الشرائح والفئات لبناء مستقبل أفضل وتحقيق تنمية مستدامة.

وفي هذا الإطار ستكون هيئة الخبراء المحاسبين بالبلاد التونسية، كما دأبت عليه منذ عقود، قوة اقتراح فاعلة ولاعبا أساسيا في الخروج من الأزمة والدفع نحو الإصلاح الحقيقي لاسترجاع نسق النموّ والنهوض بالاقتصاد الوطني وتحقيق العدالة الاجتماعية والجبائية ومقاومة الفساد وخدمة الصالح العام.

وهي إذ تتمسّك بدورها الريادي الوطني في القيام بذلك وتشدّد على تشريكها بصفة فعلية وحقيقية في اتخاذ القرارات الوطنية خاصة في المجال الاقتصادي والمالي فإنها تلتزم بمواصلة الاضطلاع بمهامها على أكمل وجه وبكل مسؤولية  وروح وطنية.

قراءة المزيد

Sihem Boughdiri Nemsia : L’année 2024 sera celle de l’inclusion du secteur informel

Mohamed Derbel : Une lecture perspicace de la conjoncture économique et financière en Tunisie (Texte intégral)


 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.