محمد النفطي: أنا غزّاوي, أنا إرهابي؟
يحمل هذا العنوان معنى واحدا لا ثاني له ولا سبيل لتأويله أو تفسيره بطريقة ساذجة وسطحية لأني سأعرض معناه قبل الشروع في تحرير المقال. شكل العنوان هو ترجمة لشعار ابتدعته وسائل الاعلام الغربية عندما تتعاطف مع قضاياها الحساسة ومع الأحداث المؤلمة التي تصيب حلفاءها. في سنة 1961 وأثناء أزمة برلين زار الرئيس الأمريكي المدينة وعندما خاطب الجموع البرلينية افتتح كلامه بقوله باللغة الألمانية أنا برليني وهو تعاطف كامل مع قضيتهم وليس تصريحا بأنه برليني المولد أو السكن أو الهوية. وبعد 7 جانفي2015 تاريخ الاعتداء على شارلي إبدو بباريس صدرت الصحف الفرنسية بعناوين أنا شارلي إبدو ونسجت على منوالها صحف كثيرة حاملة شعارات مماثلة إثر أحداث أخرى. وتسرب الشعار في وسائل التواصل الاجتماعي فأصبحنا نراها في عديد المناسبات. واليوم نراها في وسائل الإعلام العالمي متعاطفة مع إسرائيل فنقرأ في الصفحات الأولى من اليوميات العالمية شعار أنا إسرائيل. فكان جديرا بي ولا أعرف هل هذا أيضا جدير بالذين يقولون إنهم عرب أو مسلمون كان جديرا بي أن أقول أنا إرهابي غزوي. ولم أستعمل كلمة فلسطيني لأن الغرب يريد فرض مصطلحاته السياسية على الدول المتخلفة. فكل الدول الغربية أطاعت أمريكا ووصفت المقاومة في غزة بالارهابية. وأنا أريد أن أتعاطف مع رجال المقاومة في غزة بل مع كل سكان غزة فكلهم مقاومون ويدفعون ثمن مقاومتهم وجهادهم. وأقول صبرا آل غزة إن موعدكم النصر أو الجنة.ولست أقف عند هذا الحد في تفسير هذا الشعار فالإرهاب من رهب يرهب ويرهّب ترهيبا وإرهابا هو في الأصل خاف وخوّف والخوف هي الحرب في لغة القرآن وكلمة ترهبون وردت صريحة في القرآن في الآية 60 من سورة الأنفال ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم...) فالارهاب في مصطلح القرآن وفي لسان العرب لا يوافق المصطلح الغربي الذي فرضته القوة العالمية الكبرى. وفي ختام هذا التوضيح الطويل لعنوان المقال أقول إن كان المواطن الذي يقاوم من أجل كرامته ومن أجل حريته ومن أجل استرجاع أرضه يوصف بالارهابي فلا حرج في استعمال هذا الوصف الذي يعرّف به الغرب كل من نطق الضاد وغوث الطريدا.
مرت أربعة أيام كاملة على الحرب في غزة وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبعدما نشر موقع ليدرز مقال الحرب في غزة الذي تناول الأحداث العسكرية التي نفذتها المقاومة الغزوية والتي تناولت فيها تحليلا علميا لما حدث وبينت كيف أنه يعتبر نجاحا كبيرا في تخطيطه وتنفيذه ونتائجه الميدانية وحاولت في آخر المقال تقديم رأي عن المرحلة القادمة من العمليات العسكرية وخاصة الهجوم البري. وفي هذا المقال الجديد ساتعرض مجددا للهجوم البري وللحملة الجوية الإسرائيلية في المرحلة الأولى ثم أتناول بصفة وجيزة المستوى الاستراتيجي العسكري وتحليل نوايا الفاعلين الداخليين والخارجين وبصفة أساسية أمريكا.
منذ اليوم الأول وبعدما استرجعت إسرائيل أنفاسها بدات في ضرب غزة وشرعت في تنفيذ الغارات الجوية على قطاع غزة و هذا يعتبر عملية استراتيجية معقولة ومناسبة في العلم العسكري. فالاعتماد هنا على الغارات الجوية هي بمثابة رد الفعل الأولي وله على الأقل فوائد ثلاثة. الأولى هي إعطاء الوقت لأركان الجيش بتقدير الموقف على الميدان أي معرفة ما يحدث بصفة فعلية على الميدان لتخطيط ما يجب فعله و لتحديد الأهداف الميدانية. والفائدة الثانية هي طمأنة السكان الإسرائيليين والفائدة الثالثة هي الرسالة الموجهة للمقاومة وإعلامها أن الجيش الإسرائيلي جاهز للحرب بسرعة كبيرة ولم يشعر بالصدمة النفسية. وهذا يتبين في الاحداث التي جرت في غلاف غزة طيلة اليوم الأول والتي لم تشهد رد فعل يذكر من الجيش الإسرائيلي لأنه لم يتمكن من تقدير الموقف الصحيح وربما لم يكن يتصور أن مقاتلي المقاومة مستمرين في القتال خارج غزة على غير عادة العرب في قتالهم مع اسرائيل من جراء خوفهم أو إرهابهم من طرف الجيش الإسرائيلي الذي لم يقهره إلا الجيش المصري قبل نصف قرن. وفي الأيام التي تلت كان الجهد الأساسي الإسرائيلي يعتمد على الضربات الجوية المكثفة والعنيفة والمتتالية والهدف منها هو تحطيم القوة المعنوية للمقاومة. والكل يعرف أن سلاح الجو لا يمكن له أن يحقق إلا هذا الهدف وهو أساسي في الحرب بل هو الهدف الذي تتميز به الجيوش القوية حتى التي تملك أقوى الأسلحة. وهذا لا يعني أن سلاح الجو قادر في كل الأوقات على تحقيق هذا الهدف. والتاريخ يذكر معركة لندن خلال الحرب العالمية الثانية التي دمر الألمان جزءا كبيرا منها ولكن لم يتمكنوا من تحطيم معنويات الجيش أو السكان في لندن. ولا شك أن إسرائيل ستواصل في الحملة الجوية وفي الحصار وقطع الوسائل الحياتية لسكان غزة إلى حين. وهدفها هو محو الهزيمة الشنعاء التي تعرضت لها في اليوم الأول ولتعلن نصرها وقد يساعدها في ذلك الدعم الأمريكي والحماية الأمريكية التي قدمت وشرعت في تسليم ذخائر تحطم أكثر وتقتل أكثر. وسيساعدها في ذلك الصمت العربي وهو طبيعي ولا فائدة في ذكره. كما يساعده في ذلك عدم نجاعة المنظمات الأممية فهي لا يمكن لها أن تتحرك إلا بترخيص من القوة العالمية. فعندما يقتل مدني إسرائيلي من طرف مقاوم غزوي فهذه جريمة حرب ارتكبها إرهابي وحش وعندما تنسف الطائرة الاسرائلية مبنى يعج بالمدنيين الفلسطينين أو العرب فهذا دفاع شرعي. وعندما يقوم مستوطن إسرائيلي بقتل شاب فلسطيني بالنار فهو أيضا دفاع شرعي. وقد تعودنا على هذه الممارسات السياسية عند الغرب الذي فرضت عليه أمريكا هذا السلوك.
وكل المؤشرات الحالية تدل على أن إسرائيل ستواصل حملتها الجوية المدمرة والتي ستزيد في قوتها التدميرية ابتداء من اليوم الخامس للقتال حيث شرعت أمريكا في تسليمها ذخيرة خاصة كما ذكرت وسائل الاعلام الإسرائيلية. فربما تكون هذه الذخيرة متطورة ولم يتم تجربتها في الماضي وحان الوقت لمعرفة نتائجها وقد تكون مزودة بنسبة محددة من الذخيرة الكيمياوية وأخرى بنسبة محددة من الذخيرة النووية فهي الوحيدة التي ستوفر نسبة أكبر من التدمير المادي ومن القتل البشري. وما هذا إلا تحليل شخصي في غياب السبب الذي دفع بأمريكا للهرع بسرعة لمسرح القتال وليس هذا من عاداتها حيث كانت تكتفي بدعم معنوي لإسرائيل ولمساندتها في مجلس الأمن حتى لا يتم تحميلها المسؤولية في العدوان.
ولكن لماذا هرعت أمريكا بسرعة هذه المرة؟ الجواب في غاية السهولة وهو موثق في السياسة الأمنية الأمريكية وفي استراتيجيتها الأمنية في الشرق الأوسط التي يذكر فيها ثلاثة مصالح حياتية لأمريكا في هذا الأقليم الترابي. أولها السيطرة على مواقع انتاج الطاقة وحماية طرق توزيعها للحلفاء. أما الثاني وقد يصدمكم جميعا فهو حماية دولة إسرائيل والثالث هو تطوير الرأسمالية الاقتصادية أو بلغة أخرى التجارة الأمريكية في المنطقة وخاصة السلاح. فإذا تأملنا في المصلحة الحياتية الثانية نرى أن حماية إسرائيل هي قضية حياتية لأمريكا التي لا تسمح لأي دولة عربية بأن تهاجم إسرائيل ولكن تسمح في بعض الأحيان لإسرائيل بذلك كما لا تسمح بأي تفوق عربي في الشرق ومعناه أنه إذا كانت أسرائيل في خطر فالتدخل الأمريكي يصبح آليا. وقد لاحظ العالم ذلك في حرب 1973 عندما عبر الجيش المصري قنال السويس وحطم خط بارليف وظهرت بوادر الهزيمة الأولى هرعت أمريكا بسرعة فائقة ونظمت جسرا جويا كبيرا وفرت لإسرائيل كل ما خسرته من عتاد أرضي وطائرات حربية متطورة ولم تكتف بذلك بل شاركت أمريكا بالجنود لأن الطائرات التي جاءت من أمريكا لا يمكن للطيارين الإسرائيليين قيادتها. واليوم تجدد الدعم الأمريكي مثلما حدث في 1973 ووصلت أكبر حاملة طائرات في العالم إلى إسرائيل وقيل أنها سلمتها الذخيرة الخاصة والمتطورة ولا أظن أن أمريكا ستكتفي بذلك.
أرى أن الجيش الأمريكي الذي هو بطبعه عقلاني أو مكيافلي الميول أو براغماتي أعجب بمقاتلي المقاومة الغزوية. فحسب ما أعرف أن الأمريكان يعجبون بكل المبدعين ولا يهمهم أيديولوجياتهم أو جنسهم ولكن يعترفون بالإبداع. في الماضي وعند انتهاء الحرب العالمية الثانية تمكنوا من استقطاب عديد النازيين من الجيش الألماني ومن العلماء النازيين وتم حملهم إلى أمريكا وتوظيفهم لصالحهم. وهم معجبون بالاستراتيجية النازية العسكرية البليتزكريغ على سبيل المثال. وحسب نظري أنهم أعجبوا بالعملية العسكرية التي نفذتها المقاومة الغزوية. وقد يدرسونها جيدا ويعتبروا من دراستها. فهم يرون أن كتائب القسام (لا يهم نعتهم كارهابيين لأنه نعت سياسي) قد نفذوا ما لم يستطعه أي جيش عربي في تاريخ حروبهم مع إسرائيل. وطبقوا القوانين الحربية التي وثقها الأمريكان في كتبهم. كيف تمكن رجال المقاومة وقد أحصاهم الغربيون ب1000 مقاتل فقط من الهجوم على أقوى جيش في المنطقة وخامس جيش في العالم؟ الدرس الذي يسعى إليه كل مفكر عسكري هو الذي يجيب على هذا السؤال.
هل أن الأمريكان سيكتفون بتزويد الجيش الإسرائيلي بالذخيرة؟ لا أظن ذلك ولكن أرى أن وجود حاملة طائرات وبارجات حربية أخرى ووصول حاملة الطائرات أيزنهاور في الأسابيع القادمة هو مؤشر قوي لإمكانية تدخل أمريكا مباشرة في الحرب. إما أنها اقتنعت بأن إسرائيل غير قادرة على حسم الأمر بمفردها وبوسائلها الذاتية وقد تدعمها في الغارات الجوية الليلية بصفة خاصة. وإما ان تكون قد اقتنعت بأن الجيش الإسرائيلي غير قادر على تنفيذ الهجوم البري على غزة. وفي هذه الحالة ستوفر أمريكا كل الوسائل الاستخباراتية الحديثة لتمكينها من معرفة أماكن الرهائن وربما تقوم عناصر قتالية أمريكية من تنفيذ عملية تخليص الرهائن بمعية افراد من الجيش الاسرائيلي.
محمد النفطي
قراءة المزيد
- اكتب تعليق
- تعليق