أخبار - 2022.07.24

وداعا سِيدْ أحمد: رحيل "الصندوق الأسود" لنظام بورقيبة: الوالي وكاتب الدولة للدفاع والداخلية زمن بورقيبة، الأستاذ أحمد بنّور

وداعا سِيدْ أحمد: رحيل "الصندوق الأسود" لنظام بورقيبة: الوالي وكاتب الدولة للدفاع والداخلية زمن بورقيبة، الأستاذ أحمد بنّور

بقلم عادل بن يوسف - غادرنا مساء الجمعة 22 جويلية 2022 بمدينة نيس الفرنسية بعد صراع طويل مع المرض (وفق ما جاء في نصّ تدوينة لزوجته السيّدة جليلة بنّور على الفايس بوك)، الصديق والمسؤول السامي في الحزب والدولة زمن بورقيبة، الأستاذ أحمد بنّور. لم أكن أعرف هذا المسؤول الذي ارتبط اسمه خاصة بجهاز الأمن والاستخبارات، أكثر منه بمسؤوليات وخطط سامية أخرى شغلها منذ شبابه زمن حكم بورقيبة في الإدارة الجهوية والسلك الدبلوماسي. لكنني شاهدت الحوار المطوّل الذي أجراه معه الإعلامي المنتج بقناة الجزيرة أحمد منصور والذي بُثّ الجزء الأول منه يوم 25 جانفي 2011 فلمست في الرجل صراحة غير مألوفة لدى المسؤولين السابقين ودقة في الوصف والتحليل وحضور كبير للبديهة...، فشدّ انتباهي. وكان قد حدثني عنه صديقه ورفيق دربه في المنفى، الوزير الأول السابق في المنفى الأستاذ محمّد مزالي فور عودته إلى تونس سنة 2000.

وفي شهر ماي 2015 اتصل بي صديقه السابق بالمنفى بباريس ومدير معهد تونس للعلاقات الدولية، الدكتور أحمد المناعي ليعلمني بقدوم صديقه الأستاذ أحمد بنّور من فرنسا واقترح عليّ محاورته في برنامجي "شهادات حيّة". ودون أيّ تردّد لبّيت الطلب ونزلت مع الفريق العامل معي بإحدى مطاعم العاصمة حيث سجلنا معه ثلاث حلقات (ساعة لكل حلقة) رغم وضعه الصحّي الحرج حينها (صعوبة المشي). وفور عودته إلى باريس اتصلت به وبابنته هاتفيا ببيته بباريس لإعلامهما بتاريخ وتوقيت بثها (خلال شهر جوان 2015) ثم أرسلت له التسجيل كاملا على البريد الالكتروني لابنته. وكان في قمّة السعادة لكونه لم يتمكّن من الدفاع عن نفسه من كل التهم التي أُلصقت به في الصحف الصفراء زمن حكم بن علي منذ سنة 1992. ثم التقينا ثانية بعد أن أعلمني مسبقا بقدومه رفقة صديقه ووزيره الأسبق، الأستاذ الطاهر بلخوجة لحضور موكب أربعينية صديقنا المشترك، الأستاذ محمّد الصيّاح بمدينة بوحجر في أفريل 2018. ولم يبخل عن الاتصال بي فور حلوله بتونس و كانت آخر اتصال بيننا بتونس في شتاء 2020 لتعزيته إثر وفاة شقيقه.

وبهذه المناسبة الأليمة رأيت من واجبي كمؤرّخ وإعلامي التعريف بمسيرة الأستاذ أحمد بنّور للأجيال الحالية، لا سيّما الشبان منهم وذلك دون انحياز لهذا الرجل الذي يبقى في اعتقادنا أحد بناة ورموز دولة الاستقلال.

المولد، النشأة والدراسة

ولد الأستاذ أحمد بنّور بتونس العاصمة سنة 1937 وسط أسرة أصيلة مدينة القْطَارْ من ولاية قفصة التي أنجبت عديد المقاومين والمناضلين نذكر من أبرزهم "الشهيد العنيد" الشاذلي القطاري الذي أٌعدم بساحة باب سعدون رفقة محمّد المنوبي شُهر "الجرجار" يوم 26 أكتوبر 1912 إثر مشاركتهما في انتفاضة الزلاّج الدامية بالعاصمة يوم 07 نوفمبر 1911.

كان والده يعمل موظفا في قطاع الصحّة العمومية. زاول تعليمه الابتدائي والثانوي بالمدرسة الصادقية حيث نشط بالشبيبة المدرسية ثمّ بالاتحاد العام لطلبة تونس و شغل خطّة كاتب عام مساعد له من سنة 1958 إلى غاية سنة 1962 عندما كان يزاول تعليمه العالي بكلية الحقوق بتونس.

مسيرة مهنية طويلة وثريّة

في سنة 1962 بدأ الأستاذ أحمد بنّور مسيرته المهنية كمستشار بإدارة العلاقات الخارجية في الحزب الحرّ الدستوري الحاكم. وفي سنة 1965 عُيّن مستشارا لوزير الداخلية. وبعد سنتين عيّن كأول مدير لجهاز الاستخبارات بتونس بعد أن تلقى تكوينا في الغرض.

وبسقوط بن صالح وتراجع بورقيبة عن سياسة التعاضد، عاد الأستاذ أحمد بنّور من جديد إلى دائرة الضوء بتعيينه واليا على تونس سنة 1972 ثم واليا على سوسة سنة 1973 فكاتب دولة للدفاع الوطني. وبحكم منصبه بوزارة الدفاع الوطني كان أحمد بنّور ضمن الوفد الحاضر مع الرئيس الحبيب بورقيبة يوم 12 جانفي 1974 إبّان المفاوضات مع الزعيم الليبي معمّر القذافي حول الوحدة مع ليبيا بنزل أوليس بجزيرة جربة.

و يوم 14 جانفي 1974 (أي يوم إلغاء معاهدة الوحدة مع ليبيا من الجانب التونسي)، عُيّن كاتب دولة للدفاع حيث قام بالتعاون مع وزارة الداخلية بتطوير جهاز المخابرات العسكرية والأمن القومي الخارجي.

الاستقالة من كتابة الدولة

في 23 ديسمبر 1977 واحتجاجا على سياسة حكومة الهادي نويرة المتشدّدة تجاه الإتحاد العام التونسي للشغل، أعلن أحمد بنّور استقالته رفقة عدد من أهم وزراء بورقيبة، وهي استقالة سبقت الإضراب العام وأحداث "الخميس الأسود" الدامية في 26  جانفي 1978.

العودة ثانية إلى وزارة الداخلية

على إثر أحداث قفصة الدامية والمحاولة الفاشلة للعقيد معمّر القذافي قلب نظام الحكم بتونس يوم 27 جانفي 1980 وبعد تفرّغه لبعض الأعمال الخاصّة (بيع قطع غيار الجرارات بشارع قرطاج)، عاد أحمد بنّور إلى الصدارة بتعيينه في سنة 1983 مديرا عاما للأمن الوطني خلفا لزين العابدين بن علي، الذي أرسِلَ سفيرا بالعاصمة البولونية فرصوفيا ثمّ كاتب دولة لدى وزير الداخلية مكلفا بالأمن. واستمرّ أحمد بنّور في منصبه هذا إلى غاية أحداث الخبز في جانفي 1984. غير أنّ علاقته قد ساءت برئيس الحكومة، الأستاذ محمد مزالي الذي أقاله ليعيّن محلّه زين العابدين بن علي، فيما عَيّن أحمد بنّور سفيرا لتونس في روما إلى غاية أفريل 1986 وهو آخر منصب رسمي يشغله.

معارضا لنظام بن علي بباريس

في صائفة 1986 آثر الأستاذ أحمد بنّور المنفى الاختياري فشدّ الرحال نحو باريس بعد تعيين زين العابدين بن علي وزيرا للداخلية في 26 أفريل 1986 وذلك على إثر ما بلغه من أنّ هذا الأخير بصدد الكيد له وإعداد ملفات ضده قد تفضي إلى سجنه لمدة طويلة وحتى إمكانية الحكم عليه بالإعدام بسبب خلاف سابق بينهما، حمّل فيه بن علي الفقيد أحمد بنّور مسؤولية إعفائه من منصبه كمدير للاستخبارات العسكرية وتعيينه ملحقا عسكريا بسفارة تونس بالرباط في منتصف السبعينات. ورغم اختياره العيش بالخارج والابتعاد نهائيا عن كل مسؤولية فإنّ بن علي بعد أن أصبح رئيسا للجمهورية في 04 نوفمبر 1987 قد تحالف مع صحيفة يومية للنيل من الرجل والمسّ بسمعته.

وبعاصمة الأنوار تفرّغ لشؤون العائلة والكتابة والنشاط في منابر المعارضة التونسية بالمهجر لنظام بن علي ولم تطأ قدماه التراب التونسي إلا بعد سقوط نظام بن علي. وبعد 14 جانفي 2011 شُوهد حضوره في بعض المنابر الإعلامية والقنوات التلفزية، من أهمها قناة الجزيرة التي خصّها بشهادة على امتداد 9 حلقات كاملة بداية من 25 جانفي 2011.

وبداية من سنة 1992 شرعت تلك الصحيفة في شنّ حملة صحفية على أحمد بنّور ونشر مقالات تصفه فيها بأنه "عميل لجهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد وأنه قد تواطأ معها في عملية اغتيال المناضل الفلسطيني عاطف باشيشو" كا اتهمته "باختلاس المنقولات والأموال والزنا ودخول عالم الإرهاب من بابه الواسع والارتزاق من عالم الجوسسة...".

العودة إلى تونس بعد 2011

بعد غياب دام 25 سنة عاد الأستاذ أحمد بنّور إلى أرض الوطن سنة 2011 وتقدم بشكاية إلى وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس ضد الرئيس بن علي وهذه الصحيفة اليومية من أجل الإيهام بجريمة والقذف وثلب وتعريض مواطن تونسي للانتقام من خلال الوشاية الباطلة. غير أنّ صبر الرجل قد نفذ في أروقة المحاكم ومكاتب المحامين دون جدوى. وأثناء حوارنا له سنة 2015 أفادنا أنّه شرع في كتابة مذكراته التي سيتولى إصدارها إثر إتمامها.

وفي 16 أفريل 2014 أعلنت صحيفة "المغرب" على صفحتها الأولى انضمام الأستاذ أحمد بنّور إلى حزب نداء تونس.

ومنذ عودته إلى تونس لم يرفض الأستاذ أحمد بنّور أيّ دعوة كانت توجّه له من طرف القنوات التلفزية والإذاعات العمومية والخاصّة للتطرّق إلى ملف ما زمن حكم بورقيبة أو حول علاقته ببن علي وتصّوّره لجاهز الاستخبارت والأمن القومي بتونس ما بعد 14 جانفي 2011.

تعازينا الحارة إلى أسرة الفقيد وبالخصوص إلى زوجته جليلة وابنه لسعد وابنته وكامل أفراد العائلة. وأملنا أن ترى هذه المذكرات يوما ما النور لما فيها من أسرار وخفايا وحقائق مغيّبة عن الطبقة السياسية الحاكمة حتى تزيل اللبس عن بعض الملفات الأمنية الدقيقة ذات الصلة ببعض الدول المجاورة لتونس أو الشقيقة والصديقة لها.

عادل بن يوسف


 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.