في مائوية بلدية المحرس: باحثون وجامعيون يتدارسون تاريخ مدينة المحرس وجهتها عبر العصور
بقلم أ. د عادل بن وسف (جامعة سوسة) - أُسدل الستار عشية يوم السبت 30 جويلية 2022 بنزل تامريس بمدينة المحرس على أشغال الندوة العلمية التاريخية التي نظمتها بلدية المحرس بمناسبة احتفالها بمائوية تأسيسها في 21 فيفري 1921.
وللتذكير كان المجلس البلدي بالمحرس قد أقرّ منذ سنتين تنظيم ندوة تحت عنوان "المحرس عبر التاريخ" لكن تأجل عقدها بسبب جائحة الكوفيد كما هو معلوم. وقد تشكّلت لجنة تنظيم ترأسها رئيس البلدية، المتميّز والمتقد حماسة، الصيدلاني محمّد شنيور الذي تكفّل رفقة بعض مستشاري المجلس البلدي وقدمائه بكل الشؤون الإدارية والتنظيمية، فيما تكفّل أستاذ التاريخ الوسيط بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان، الأستاذ أحمد الباهي بضبط برنامج الندوة العلمية ودعوة المحاضرين والتنسيق معهم علميا ولوجستيا... الخ.
افتُتحت الندوة على الساعة 9.00 صباحا بكلمة السيّد رئيس المجلس البلدي محمّد شنيور رحّب فيها بالحضور من مشاركين وأعضاء هيأة تنظيم ومسؤولين محليّين وجهويّين وباحثين ومحاضرين تتقدمهم ابنة المحرس، عميدة كلية لآداب بصفاقس، الأستاذة نجيبة شقير وطلبة وشبان جاؤوا خصيصا من تونس العاصمة وصفاقس وسوسة والقيروان وجربة والمهدية...، لمشاركة أهالي مدينة المحرس فرحة الاحتفال بمائوية بلديتهم... ثمّ تلاه الأستاذ أحمد الباهي الذي ذكّر بظروف إطلاق فكرة الندوة منذ طُرح الاحتفال بمائوية البلدية ثمّ قدّم البرنامج العلمي للندوة بجلستيها وعدد المحاضرين وصفاتهم والمحاور الرئيسية للمحاضرات... وأكّد على أنّه سيتمّ نشر الورقات العلمية في مؤلّف جماعي رُصد له مبلغ من ميزانية البلدية على أن يكون جاهزا للتوزيع في نهاية شهر فيفري 2023 بمناسبة الذكرى 102 لنشأة البلدية. اثر ذلك نتناول رئيس جامعة صفاقس، الأستاذ عبد الواحد المكني أستاذ الأنتربولوجيا التاريخية بنفس الجامعة ليؤكد على أهمّية التاريخ المحلي والجهوي في صناعة التاريخ الوطني بكل أصنافه، السياسي والنقابي والثقافي... وشدّد على أهمية مدينة المحرس وجهتها جغرافيا من موقع وموضع (برا وبحرا...) ودورها في مختلف الحقبات التاريخية التي مرّت بها تونس، منذ عصور ما قبل التاريخ إلى غاية مطلع الاستقلال كما تدلّ عليه الآثار الموجدة بها إلى اليوم.
وتضمّن اليوم الدراسي فقرتان رئيسيتان: الندوة العلمية التي انطلقت على الساعة 9.00 صباحا انتهت في حدود الساعة الثانية ظهرا، تلاها برنامجا ثقافيا ترفيهيا انتظم عشيّة نفس اليوم.
أمّا الندوة فقد ضمّت جلستين علميتين، قُدّمت خلالها 12 مداخلة (باللغتين العربية والفرنسية) باستخدام التقنيات الحديثة في العرض: صور ووثائق أرشيفية وعائلية أصلية غير منشورة على تقنية "Data Show". وقد خُصّصت الجلسة العلمية الأولى الموسومة "التراث المادي بالمحرس وجهتها عبر العصور" و التي ترأسها الأستاذ عبد اللطيف المرابط (العميد السابق لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة والمدير الحالي لمحبر "اشتغال الأرض، التعمير وأنماط العيش في المغرب العربي في العصور القديمة والوسيطة " بنفس الكلية) للفترتين القديمة والوسيطة. و توزعت المداخلات السّتّ كالآتي: د. عمّار عثمان (المتفقد الجهوي للتراث بجهة صفاقس) بورقة تحمل عنوان: "المشروع التونسي – البرطاني لدراسة وتنمية موقع يونقا" و د. نبيل بلمبروك (أستاذ التاريخ القديم بالمعهد الوطني للتراث) بورقة موسومة: "الآثار الرومانية بالمنطقة البلدية المحرس" و د. محمّد رياض الحمروني (أستاذ التاريخ القديم ونائب عميد كلّية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان) بورقة عن "أهمّية مصانع تمليح المنتجات السمكيّة بساحل المحرس" و د. جهاد الصويد (المتفقد الجهوي السابق بالمعهد الوطني للتراث والباحث في التاريخ الوسيط بنفس المعهد) بورقة تحمل عنوان: "زاوية سيدي بن سهلون" و د. سلمى اللافي (عن كليّة الشريعة وأصول الدين) بورقة موسومة "سيدي بوعكّازين: دراسة تاريخية وأثرية" و د. محمّد اللواتي (باحث في التاريخ الحديث بفرع المعهد الوطنية للتراث/ بسوسة) بورقة حول "ماجل المحرس من خلال وثائق أرشيفية".
أمّا الجلسة العلمية الثانية التي انطلقت في حدود الساعة 11.30 د، و ترأسها الأستاذ عبد الواحد المكني رئيس جامعة صفاقس، فقد خُصّصت للفترتين الحديثة والمعاصرة والتراث اللامادي لأساتذة وباحثين مختصين و تضمّنت كالأولى ستّ مداخلات هي تباعا لكل من: د. عثمان البرهومي (أستاذ التاريخ الحديث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس) بورقة تحمل عنوان: "التطّور الديمغرافي للمحرس خلال القرن 19" و د. حمّادي الدالي (أستاذ التاريخ الحديث بالمعهد العالي للدراسات التطبيقية في الإنسانيات بالمهدية) بورقة موسومة: "مشاركة المحَارْسِيَّة في حرب القرم" و أ. عبد الفتاح خليل (رئيس جمعية صيانة مدينة المحرس) بورقة عن "انتفاضة الرميلي بالمحرس سنة 1875" و د. محمّد الجربي (أستاذ التاريخ المعاصر و العميد السابق لكلّية الآداب بصفاقس والمختصّ في التاريخ البلدي) بورقة تحمل عنوان: "قراءة في المجالس البلدية بالمحرس بين 1957 و 1975" والذي بالمناسبة أعلن عن قرب نشره لمؤلف خاصّ بالمؤسسة البلدية بمدينة المحرس (1921-1975) و د. عادل بن يوسف (أستاذ التاريخ المعاصر والزمن الراهن بجامعة سوسة) بيوغرافيا عن مناضل دستوري وشيوعي من الرعيل الأول أصيل المحرس " حمادي بن زينة: المناضل الوطنيّ المغيّب ( 1908-1963)" و د. الصغيّرة بن حميدة (باحثة في التراث اللامادي الخصّ بجزر قرقنة ومدرّسة بكلية الآداب بصفاقس) بورقة حول "التراث الغذائي بالمحرس في علاقة بالبحر".
وقد تبع كلتا الجلستين نقاش ثريّ وتفاعل ايجابيّ بين أصحاب الورقات العلمية والحضور بقاعة المحاضرات بالنزل، سواء بالتفاعل أو الإثراءً و التساؤل وتقديم بعض المقترحات إلى رئيس المجلس البلدي بالمحرس وجمعية صيانة المدينة، تلخّصت بالأساس في المطالبة بتخصيص نهج أو ساحة تحمل اسم حمّادي بن زينة زوج أول طبيبة تونسية، الدكتورة توحيدة بالشيخ... وقد وعد رئيس البلدية مشكورا بتلبية هذا الطلب في القريب العاجل وعرضه على أنظار المجلس البلدي. كما طالب احد الحضور أن يتمّ إرساء تقليد بالبحث حول تاريخ المحرس وجهتها كما حصل منذ التسعينات القرن الماضي بتنظيم المهرجان دولي للفنون التشكيلية بالمدينة. كما تمّ تكريم كل المشاركين في الندوة وأعضاء المجلس البلدي المكلفين بالسهر على تنظيم المائوية وبعض الرؤساء والمستشارين القدامى للمجلس البلدي.
أمّا الفقرة التنشيطية فكانت ثقافية ترفيهية بالأساس تضمّنت زيارة لمعلمين هامين قدّم خلالها الأستاذ احمد الباهي للمشاركين في الندوة من محاضرين وطلبة وباحثين شبان...، عرضين مفصلين، أولهما عن حصن يونقة والخصوصيات المعمارية للقلعة والمحيط المجاور لها منذ عصور ما قبل التاريخ إلى الفترة الحالية حيث ستولى المعهد الوطني للتراث بالتعاون مع مؤسّسة بريطانية تنظيم حفريات بها خلال شهر سبتمبر القادم. وثانيهما زيارة لزاوية عُنبسة بن خارجة المعروف باسم سيدي حمد عبسة (741م – 826م). قدّم خلاله نفس الأستاذ عرضا مفصّلا عن الخصائص المعمارية للزاوية التي بنيت خلال القرن 18م وصاحبها وعلاقته بالسلطة والفاعلين بالمحرس والمدن المجاورة لها من الخطر البيزنطي... الخ. إثر ذلك تحوّل المشاركون إلى معرض النحات الموهوب، المتقاعد من مدرسة الفنون الجميلة بتونس، الأستاذ الهاشمي مرزوق (صاحب تصميم حصان الزعيم بورقيبة يوم عودته مظفرا بالاستقلال الداخلي لتونس في غرّة جوان 1955) لمعاينة آخر منتوجاته الفنية وإصداراته وكان قد تمّ تكريمه في آخر أشغال الندوة العلمية جزاء ما قدّمه للفنّ بتونس عامة وبمسقط رأسه، مدينة المحرس بصفة خاصة.
هذا وقد استقرّ رأي اللجنة المنظمة للندوة على تنظيم ندوة علمية تُعنى بتاريخ وتراث المحرس كل سنتين يؤثثها خيرة الباحثين من الجامعة التونسية في شتى الاختصاصات من تاريخ وآثار وعلم اجتماع وانتربولوجيا وجغرافيا... الخ.
أ. د عادل بن وسف (جامعة سوسة)
- اكتب تعليق
- تعليق