أخبار - 2022.03.08

"بورقيبة والقضية الفلسطينية وامتداداتها العربية.. واقعية ريادية أم تنكر للقضية؟" هل هو إنصاف لبورقيبة؟ الكتاب التاسع للأستاذ عبد اللطيف الحناشي

"بورقيبة والقضية الفلسطينية وامتداداتها العربية.. واقعية ريادية أم تنكر للقضية؟" هل هو إنصاف لبورقيبة؟

بقلم - أ.د عادل بن يوسف (أستاذ التاريخ المعاصر والزمن الراهن/جامعة سوسة) - بعد كتابه الموسوم "السلفيّة التكفيرية العنيفة من شبكات الدعوة إلى تفجير العقول" الصادر عن الدار التونسية للكتاب في نوفمبر 2020، صدر عن نفس الدار في ديسمبر 2021 لأستاذ التاريخ المعاصر والزمن الراهن بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة، الأستاذ عبد اللطيف الحناشي كتابه التاسع بعنوان "بورقيبة والقضية الفلسطينية وامتداداتها العربية (1938-1978)، واقعية ريادية أم تنكر للقضية؟".

والأستاذ عبد اللطيف الحناشي هو من مواليد مدينة قابس سنة 1954 متحصّل على الدكتوراه والتأهيل الجامعي من كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس. وهو أستاذ تعليم عال متخصصّ في التاريخ السياسي المعاصر بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة.

ناضل منذ دراسته الثانوية بقابس صلب الجامعة التونسية لنوادي السينما والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بتونس التي شغل خطة نائب رئيس لها بين 2011-2016. كما تحمّل مسؤوليات نقابية في قطاع التعليم الثانوي ثم العالي وألقى عشرات الورقات والمداخلات في ندوات ومؤتمرات ومنابر علمية وفكرية بتونس وبالعالم العربي وفرنسا وبلجيكا وبريطانيا وألمانيا... كما صدرت له عشرات البحوث في علاقة بالتاريخ السياسي لتونس والعالم العربي المعاصر والراهن. يضاف إلى ذلك اضطلاعه بتحليل عديد الأحداث والظواهر السياسية والدينية المتسارعة والمتشعبة بكل من تونس والدول العربية منذ 2011 بعديد القنوات التلفزية التونسية والعربية.

جاء هذا الكتاب في طبعة أنيقة وإخراج جيّد في 292 صفحة مسبوق بتصدير بثلاث صفحات بقلم أستاذ الأجيال و أستاذ التاريخ المعاصر والزمن الراهن بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس (جامعة تونس 1)، الأستاذ المتميّز، الدكتور الهادي التيمومي.

قسّم المؤلّف الكتاب إلى مقدمة و3 فصول وخاتمة عامة. كما أردفه بجداول وفهارس للأعلام وللمواقع والبلدان والأحزاب والتنظيمات والمؤسسات والوظائف وللاتفاقيات وسبعة ملاحق تتمثل في تقارير استخباراتية وبيانات وخطب وقرارات أممية وقائمة في التجارب الوحدوية العربية. وهي في تقديري الخاص ذات قيمة علمية وتوثيقية لا مثيل لها ومرجعا لا غنى عنه من قبل الباحثين والمؤرخين في المجال السياسي والعلاقات الدولية وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني، شأنها شأن قائمة المصادر والمراجع التي جاءت في 23 صفحة موزعة بين مراكز الأرشيف الوطنية والفرنسية والمنشورات الرسمية والمذكرات والخطب والدوريات التونسية والأجنبية والمراجع والمواقع الالكترونية... الخ، باللغات الثلاث العربية والفرنسية والانجليزية. يضاف إلى ذلك 03 جداول هامة، تضمّن الجدول الأوّل إحصائيات عن عدد اليهود في تونس بين 1896 و 1956، فيما تضمّن الجدول الثاني الخسائر البشرية والعسكرية في حرب 1967. أمّا الجدول الثالث والأخير فقد تضمّن عدد المتطوّعين التونسيّين للقتال إلى جانب الدول العربية التي تعرضت للعدوان في حرب الأيّام الستة أو "النكسة" (ص 113).

جاء الفصل الأول من الكتاب تحت عنوان: "تطوّر موقف بورقيبة من القضيّة الفلسطينية" تطرّق من خلاله المؤلّف إلى سبعة مسائل هامة وهي تباعا: اليهود في تونس وعلاقاتهم بالحركة الصهيونية/ علاقة بورقيبة بيهود تونس وصهاينتها/ رؤية بورقيبة للصهيونية فكرا وممارسة/ رؤية بورقيبة للصراع العربي الصهيوني ومنهجية التعامل معه/ رؤية بورقيبة للصراع العربي الصهيوني ومنهجية التعامل معه/ مبادرة بورقيبة عام 1965 والقضايا المرتبطة بها متعرضا لمضمون خطابه بمدينة أريحا يوم 03 مارس 1965 وردود الفعل تجاهه من قبل الكيان الصهيوني والعرب.../ رؤية بورقيبة للكفاح المسلح بفلسطين/ رؤية بورقيبة لفكرة الدولة الفلسطينية مركزا على فكرة التعايش بين "قومّيتين" والدولة متعدّدة الأجناس... الخ.

وفي الفصل الثاني، الموسوم "مواقف بورقيبة من الحروب العربيّة الإسرائيليّة واستحقاقاتها"، تولّى المؤلّف من خلال عناصره الأربعة الكبرى التطرّق إلى: موقف بورقيبة من العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 وإلى رؤية بورقيبة لحرب 05 جوان 1967: الأسباب والنتائج و حرب أكتوبر 1973 وأخيرا إلى زيارة السادات لفلسطين المحتلة واتفاقية كامب ديفيد.

أمّا بالنسبة للفصل الثالث والأخير الذي اختار له من العناوين "رؤية بورقيبة لقضيّة الوحدة العربيّة 1956-1974" افقد تضمّن خمسة عناصر كبرى، هي تباعا: الثابت والمتغيّر في موقف بورقيبة من مسألة الأمّة/ أهداف الوحدة مبرّراتها وشروطها/عقبات تحقيق الوحدة العربية حسب بورقيبة/ مراحل تحقيق الوحدة: من وحدة القُطْرِ إلى وحدة الإقلِيمِ/ من نقد الفكر إلى نقد التجارب الوحدوية.

ومن خلال الفصول الثلاثة للكتاب وعناصره الرئيسية الستة عشر، سعى المؤلّف قدر الإمكان إلى دراسة كل المسائل الواردة في ثناياها رغم كونها مباحث إشكالية، إن لم نقل "مَطَبَّات" معالجا إيّاها بكل حرفية وحياد مستخدما ما أمكن له جمعه من الوثائق التاريخية الأصلية والأولية (de première main): خطب وتقارير ومذكرات ومقرّرات أممية وعربية وشهادات شفوية...، ثمّ تحليلها وتفكيكها ونقدها تجريحها وتعديلها وخاصة مقاطعتها بمعطيات أخرى مغيّبة، منشورة و خاصة غير منشورة...، هدفه الأول والوحيد هو الكشف عن الحقيقة والوصول إليها "رغم كونها غاية لا تدرك" في كل البحوث والدراسات.

كما حاول قدر الإمكان رسم علاقة بورقيبة بالقضية الفلسطينية، التي للأسف تبقى إلى حد اليوم متأثرة بالخطاب "التاريخي" للرجل بأريحا يوم 03 مارس 1965 حيث وُصِفَ فور إلقائه له بـ "الخيانة" و "العمالة" للغرب والصهيوينة...، فانهالت عليه حملات الإدانة والشجب والاستنكار من كل حدب وصوب بالعالم العربي وتحديدا من مصر بإذن من رئيس الاستخبارات العامة المصرية فتحي الديب وإذاعة "صوت العرب" بالقاهرة...، عندما قال: "...ولو رفضنا في تونس، عام 1954، الحكم الذاتي، باعتباره حلاً منقوصا، لبقيت البلاد التونسية، إلى يومنا هذا، تحت الحكم الفرنسي المباشر، ولظلت مستعمرة، تحكمها باريس. هذا ما أحببت أن أقوله لكم في هذه الزيارة، التي سيتذكرها، دائماً، هذا الرجل المتواضع أخوكم الحبيب بورقيبة. وهذه هي نصيحتي، التي أقدمها لكم ولكل العرب، حتى تضعوا في الميزان، لا العاطفة والحماس فقط، بل كذلك جميع معطيات القضية. وهكذا نصل إلى الهدف، ولا نبقى سبع عشرة سنة أخرى، أو عشرين سنة، نردّد: ‘الوطن السليب‘...‘الوطن السليب’، دون جدوى...".

وهو خطاب فهمه البعض على أنه تخلي من بورقيبة على النهج النضالي وخيانة للقضية، ولم يُفهم المغزى من قوله: "إلا بعد فوات الأوان" التي التقطها بعض القادة السياسيّين الفلسطينيّين بمنظمة فتح وفي مقدمتهم الزعيم القائد الشهيد أبو عمّار ورفاق دربه بتونس، على أنها خطة ومنهج في العمل السياسي و الكفاح الوطني، كان قد خطط لها بورقيبة في نضاله ضد المستعمر الفرنسي منذ توليه قيادة الديوان السياسي للحزب الدستوري في 02 مارس 1934 ببراغماتية نادرة، إن لم نقل "استثنائية" عند القادة والرؤساء العرب العربي، تتلخص في العبارتين الشهيرتين: "سياسة المراحل" و "خُذْ وطَالِبْ"، بدءا بالحوار المباشر وأسلوب الكرّ والفرّ، مرورا بالمناورة واستخدام الدهاء السياسي والحيلة...، وصولا إلى إعلان الكفاح المسلّح في 18 جانفي 1952 عندما استحالت كل سبل الحوار التونسي- الفرنسي. وقد أعطت هذه السياسة أكلها باقتلاع تونس لاستقلالها الداخلي في 31 جويلة 1954 ثمّ الاستقلال التام في 20 مارس 1956.

وجدير بالتذكير أيضا أنّ كل ما كتب عن مبادرة بورقيبة في أريحا سنة 1965 قد اكتفى بذكر دعوة بورقيبة الفلسطينيين إلى القبول بقرار التقسيم دون الاهتمام بالبدائل التي طرحها بورقيبة ومنها ان تتحول كل من الضفة الغربية (التي كانت تحت رعاية المملكة الاردنية) وقطاع غزّة (الذي كان تحت سلطة الدولة المصرية) كقاعدة لانطلاق المقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني كما كان حال الثورة الجزائرية التي استندت الى كل من تونس والمغرب بعد استقلالهما... الخ.
كما تضمّن الكتاب معطيات دقيقة عن ريادة بورقيبة في فهمه للايدولوجيا الصهيونية وطبيعتها العنصرية الإحلالية وما تمثله من خطر، ليس على الفلسطينيين فحسب بل على جميع شعوب كامل منطقة الشرق الأوسط.

وأنهى الأستاذ عبد اللطيف الحناشي كتابه بـ "خاتمة مفتوحة": هل يجنح الكيان الصهيوني إلى السلام؟ أهمّ جاء فيها حديثه عن القيادات الفلسطينية التي قال عنها: "... قد يكون من حقّ تلك القيادات أن تتشبث بأيّ أمل وتراهن على متغيرات قد تأتي من هنا وهناك، لكن ليس من حقها أن تترك شعبها يعيش على آمال واهية أو على سراب خادع، بل كان عليها أن تواجه الحقائق وتتعامل معها برؤية واضحة. ومن أولى هذه الحقائق التي كان عليها إدراكها هي أنّ ‘ إسرائيل‘ غير جاهزة للسلام وهذا أمر لا يقوله بعض العرب فحسب، بل يؤكده الإسرائيليون بمختلف توجهاتهم وتياراتهم ناهيك عن الوقائع اليومية الدالة على ذلك..." ويضيف قائلا : "الحقيقة الثابتة كما عبّر عنها وزير الخارجية الإسرائيلي السابق شلومو بن عامي، هي أنّ النظام السياسي الإسرائيلي فير قادر تماما على التوصّل إلى تسوسة مع الفلسطينيّين، باعتبار أنّ القيادات الإسرائيلية الصهيونية بمختلف مشاربها تعتقد أنّ» النزاع« اليهودي العربي هو » نزاع «غير قابل للحلّ على المدى الزمني المنظور لذلك فإنّ هدفها هو غدارة الصراع وليس حلّه..." (ص 183).

أمّا فيما يتعلّق بالشخصية المحورية للكتاب، أي الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة فنقرأ ما يلي: "... وبالنهاية ما يمكن الإقرار به أنّ ما قد يحسب لبورقيبة ضمن مبادرته هو محاولته إحراج »  إسرائيل «وكشف نواياها الحقيقية من ناحية ومساهمته في » إيقاظ « الإحساس بضرورة أن يقوم الفلسطينيّون بأنفسهم بأمر مشروعهم من ناحية أخرى، الأمر الذي يتطلّب منهم النضال المستمرّ للحصول على حقوقهم التاريخية المشروعة طال الزمن او قَصُرَ". (ص 184).

ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار كتاب "بورقيبة والقضية الفلسطينية وامتداداتها العربية.. واقعية ريادية أم تنكر للقضية؟" هل هو إنصاف لبورقيبة؟" من حيث لا يدري صاحبه الأستاذ عبد اللطيف الحناشي، إنصاف للزعيم الحبيب بورقيبة وقراءة جديدة وموضوعية لمواقف الرجل من القضيّة الفلسطينية والحركة الصهيونية والصراع العربي- الصهيوني... الخ. وهي جوانب سيلمسها النقّاد والباحثون وكل المهتمين بالقضية الفلسطينية والفكر البورقيبي بوضوح فور اطلاعهم على الكتاب، الذي بعيدا عن الإطراء أو المجاملة و القوالب الأيديولوجية والسياسية، لا يمثل في اعتقادنا إضافة وإثراءً للمكتبة التاريخية التونسية فحسب، بل وللمكتبة العربية عامة.

أملنا أن يُعنى الصديق والزميل عبد اللطيف الحناشي في كتاباته القادمة بعلاقة بعض رؤساء وملوك بلدان المغرب العربي بالقضيّة الفلسطينية، وتحديدا كل من الرئيس الجزائري هواري بومدين والعقيد الليبي معمّر القذافي والملك المغربي الحسن الثاني ! 

الكتاب متوفّر في جل مكتبات تونس العاصمة وكبرى مكتبات المدن التونسية بسعر 25 دينارا فقط.

أ.د عادل بن يوسف
أستاذ التاريخ المعاصر والزمن الراهن/جامعة سوسة

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.