أخبار - 2022.02.21

رحيل الصحفيّ والدبلوماسي والإطار الرياضي السابق، الأستاذ مختار إسماعيل (Mokis)

رحيل الصحفيّ والدبلوماسي والإطار الرياضي السابق، الأستاذ مختار إسماعيل (Mokis)

بقلم عادل بن يوسف - غادرنا عشية السبت 19 فيفري 2022، الصحفي والدبلوماسي والمسؤول السامي السابق في قطاع الرياضة (المعدّ البدني للعداء الأسطورة محمد القمودي بالألعاب الأولمبية بمكسيكو سنة 1967) والعضو بالفريق الموسع لهيئة فريق النجم الرياضي الساحلي في السبعينات والثمانينات والمكلف بمرافقة الرئيس الحبيب بورقيبة أثناء إقامته ببرلين للعلاج، الدكتور مختار اسماعيل الحجري شُهر "موكيس" (Mokis) حيث كان يمضي مقالاته بهذا الاسم. وذلك إثر مرض عضال ألزمه الفراش منذ حوالي سنتين.

عرفتُ الفقيد بعد 2011 عن طريق صديقنا المشترك الدكتور أحمد المناعي حيث كان كثير النشاط من اجل استرداد حقوقه المسلوبة بعد تجربة سجنية مريرة في سجون بن علي امتدت طيلة عشر سنوات بسبب كتاباته وتصريحاته في الصحافة والمنابر الأجنبية حول وضع الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان في تونس... وكان أول من بادر بالمطالبة باسترجاع جواز سفره المسلوب في الأيام الأولى بعد 14 جانفي وأول من أدلى بشهادته أمام هيئة الحقيقة والكرامة: ملف عدد1...  الخ.
وتوطدت العلاقة بيننا حيث قمت بدعوته ليلة 14 جانفي 2016 رفقة المناضلين الدكتور أحمد المناعي والمناضل بحزب العمّال التونسي والنائب السابق بمجلس نواب الشعب، الأستاذ عبد المؤمن بلعانس على أمواج إذاعة المنستير في بلاتو مباشر على امتداد ساعتين بمناسبة الذكرى الخامسة للثورة ثمّ نزل على برنامجي "شهادات حيّة" وإجراء حوار مطول معه بثّ في 03 حلقات خلال شهر ماي 2017.

وبهذه المناسبة الأليمة رأيت من الواجب التعريف بالمسيرة المهنية للفقيد ومآثره في أكثر من ميدان وخاصّة معاناته زمن حكم بن علي.

الولادة والنشأة والدراسة

ولد الأستاذ مختار إسماعيل الحجري بمدينة بوحجر بالساحل التونسي يوم 17 ماي 1941 وسط أسرة مثقّفة ومنضالة وكثيرة العدد تتألّف من أربعة أبناء وثلاث بنات.
كان والده محمود بن إسماعيل الحجري فلاحا ومناضلا صلب الحزب الدستوري، عرف المحتشدات الفرنسية بين 1952 و 1954. أمّا والدته صالحة بنت علي خليل فهي أصيلة عائلة "مهدويّة" عريقة.

أمّا عمّه المختار الحجري فقد كان قاضيا خرّيج جامع الزيتونة المعمور منذ سنة 1914 وعمل بكل من سوسة وتونس والكاف وترأس محكمة صفاقس في الثلاثينات... ونظرا لوطنيته ورغبته في حماية أبناء قريته من الجهل فقد بنى على نفقته المدرسة الابتدائية ببوحجر سنة 1938 التي تحمل اليوم اسمه. وقد توفّي في 16 جوان 1940 تاركا حبّ الناس له، إضافة إلى عديد المؤلفات والدراسات في القضاء والتشريع.

زاول المختار إسماعيل تعليمه بالمدرسة الابتدائية بِبُوحْجَرْ ليلتحق على إثرها بمدينة المكنين ثمّ بالمنستير لمتابعة الدروس التكميلية ثمّ بتونس العاصمة لاستكمال دراسته الثانوية بالمعهد العلوي حيث تحصّل على شهادة البكالوريا، دورة جوان 1962.

وفي خريف نفس السنة التحق بالمعهد العالي للرياضة البدنية بقصر السعيد الذي تخرّج منه سنة 1964 برتبة أستاذ تربية بدنية.

النضال السياسي والطالبي

انخرط مختار إسماعيل في الحزب الدستوري الجديد بمسقط رأسه سنة 1952 منذ أن كان تلميذا وظلّ وفيّا له إلى غاية سقوط نظام بورقيبة يوم 07 نوفمبر 1987.

ويعود الفضل في ذلك إلى العلاقة الوطيدة التي كانت تربطه بابن موطنه، مدير الحزب ومنظّره والوزير المقرّب من بورقيبة، الأستاذ محمّد الصيّاح. كما نشط في شعب كل من: بوحجر وتونس وباريس وبون وبرلين الغربية. كما انخرط صلب الاتحاد العام لطلبة تونس وانتخب رئيسا لفرعه بألمانيا الغربية بين 1972 و 1980. كما أسّس وترأس ودادية التونسيّين ببُون بين 1973 و 1974.

المسيرة المهنيّة: وعي مسيرة طويلة امتدت على أكثر من 30 سنة قضاها الفقيد بين الرياضة والدبلوماسية والصحافة والأعمال الحرّة.

في الميدان الرياضي

شغل مختار إسماعيل بين سنتي 1964 و 1968 خطّة مدير إدارة ألعاب القوى بوزارة الشباب والرياضة مع المرحوم الأستاذ المنذر بن عمّار الذي كلّفه بالإعداد البدني للعداء التونسي محمّد القمودي في المسابقات الإقليمية والدولية... وبفضل برنامج صارم معد بدقّة نجح في حصول العداء التونسي على الميدالية الذهبية في الألعاب المتوسطية المنتظمو بتونس في سبتمبر 1967 وفي الألعاب الأولمبية الصيفية بمكسيكو يوم 17 أكتوبر 1968 في سباقَيْ 5.000 و 10.000 متر.


وبالتوازي مع ذلك كُلّف بين 1965 و 1968 بالتدريس بالمعهد العالي للرياضة بقصر السعيد مع إدارة المركز البيداغوجي به. كما انتخب أوّل رئيس للكنفدرالية الإفريقية للعدو الريفي في مؤتمَرَيْهَا المنعقدين تباعا ببرازافيل ومكسيكو. ومن سنة 1968 إلى سنة 1970 أدار المركز الرياضي والطبي بالمنزه.

في الميدان الإعلامي

ولع الفقيد بالصّحافة منذ فترة دراسته العليا وكتب في عديد الصّحف الوطنية بالقلم الفرنسي في الرياضة والسياسة والشباب والثقافة... وكان يمضي مقالاته باسم "موكيس" (Mokis) وهي الأحرف الثلاثة الأولى لاسمه والحرفين الأولين للقبه. و أسّس وأدار مكتب وكالة تونس إفريقيا للأنباء ببون الذي كان يغطّي كامل أوروبا الوسطى بين 1973 و 1980.


كما أنتج عديد البرامج التلفزية والإذاعية باللغات العربية والفرنسية والألمانية في إذاعة "دوتش فيلا" وفي قناة ترانستال" بألمانيا ثمّ بمؤسّسة الإذاعة والتلفزة الوطنية وكان له شرف محاورة عديد الشخصيّات والقادة والزعماء السياسيّين نذكر في مقدمتهم العقيد معمّر القذافي (لمدّة 04 ساعات كاملة على انفراد) على هامش إقامته بنزل "أوليس جربة " (Ulysse Djerba) بجزيرة الأحلام ليلة إمضاء اتفاقية الوحدة أو ميلاد "الجمهورية العربية الإسلامية" في 12 جانفي 1974، إضافة إلى المستشار النمساوي "برينو كرايسكي" (Bruno Kreisky) والمُسْتشَارِينْ الألمان: "فِيلِي بْرَانْتْ" (Willy Brandt) و "هِلْمُوتْ شْمِيتْ" (Helmut Schmidt) و "هِلْمُوتْ كُولْ" (Helmut Kohl)... وغيرهم.

و عُيّن مكلفا بمهمّة فمديرا للعلاقات الخارجية بوزارة الشباب والرياضة بين 1970 و 1971. وفي سنة 1986 أسّس وأدار جريدة "المرآة "Le Miroir" باللغتين العربية والفرنسية التي لم تعمّر طويلا.

كما حاضر بعديد المنابر والمنتديات والمؤتمرات الإقليمية والدولية في مجال الإعلام والاتصال. كما تولّى خطة رئيس تحرير مساعد بوكالة تونس – إفريقيا للأنباء من 13 جانفي 1981 إلى غاية 01 نوفمبر 1988.

بدايات المتاعب مع نظام بن علي

فور تحوّل السابع من نوفمبر انتقد في اجتماع عام نظمته نقابة الصحفيّين التونسيّين بدار الثقافة ابن خلدون سنة 1988 أداء النظام الجديد واستبعاد الدستوريّين وكيفية التعامل مع الزعيم والرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة... وكان أعوان البوليس السياسي يكتبون في كل أقواله ونشاطاته تقارير مفصّلة. لذا أوقف عن العمل ووجّهت له تهمة الاستيلاء على المال العام من سفارة تونس بألمانيا بعد قرابة تسع سنوات من مغادرته لها في قضيّة كيدية عدد 12597 بتاريخ 01 نوفمبر 1988 وصدر في حقه حكما غيابيا بالسجن بستّ سنوات أشغال شاقة. ثمّ حوكم ثانية في قضيّة اجتياز الحدود خلسة وصدر في حقه حكما بستّة أشهر سجنا. وقد قضّى هذين الحكمين في 16 سجنا بأغلب سجون الجمهورية التونسية، كان آخرها سجن قفصة الذي غادره يوم 17 ماي 1995.

وبسبب مصادرة أملاكه وحرمانه من حقوقه وفي مقدمتها جواز سفره، وبغاية إبلاغ صوته إلى الخارج حول انتهاكات نظام بن علي لحقوق الإنسان بتونس، فقد اضطرّ إلى اجتياز الحدود خلسة لكنه ألقي عليه القبضة في الحدود الليبية وحوكم من جديد بستّة أشهر سجنا تعرّض خلالها إلى كل أشكال الانتهاك من تنكيل وضرب وتعذيب من طرف إحدى فرقة أمن الدولة بتونس العاصمة... الخ. وقد اضطرّ هذا الوضع على ممارسة نشاط حرّ وهو الترجمة من وإلى اللغة الألمانية بمدينة المهدية وكان قد حصل على شهادة الدكتوراه في اللغة والآداب الألمانية أثناء إقامته بألمانيا. لكنه واجه ملاحقة من قبل الأمن السياسي حيث تعرّض بيته إلى تفتيش ومصادرة كل مقالاته وكتاباته الشخصية...

خيبة أمله في ثورة الحرّية والكرامة

إثر ثورة الحريّة والكرامة، استرجع الفقيد جواز سفره في 16 جانفي 2013 وذلك بعد 29 سنة من الحرمان. كما كان أول من تقدّم بملفّ تظلّم وشهادة إلى هيئة الحقيقة والكرامة تحت عدد: 01-0021181 بغاية ضمّ تسع سنوات من الخدمة للوظيفة العمومية إلى جراية تقاعده الهزيلة (400 دينارا). لكن دون جدوى رغم وعود السيّدة سهام بن سدرين الكثيرة له.

أمام خيبة أمله في هذه المؤسّسة الدستورية ظلّ يكتب ويطالع وينشط في الحقل الجمعيّاتي ويتابع الشأن العام إلى حين مرضه الأخير منذ سنتين ووفاته.
تغمّد الله الفقيد بواسع رحمته ورزق زوجته عائشة وابنتيه درّة (المهندسة المعمارية والزميلة الأستاذة بالمعهد العالي بسيدي الظريف) وشقيقتها يسرى (المسؤولة بشركة الطيران الفرنسية "إير- فرانس "Air France") بباريس وابنه بسّام (المسؤول بشركة الطيران الإماراتية بتونس وجميع أفراد العائلة، جميل الصبر والسلوان.

عادل بن يوسف
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.