تونس: هكذا تحالف التكتل والمؤتمر مع النهضة
بقلم عبد اللطيف الفراتي - أنتجت انتخابات أواخر 2011 فوزا ساحقا لحزب حركة النهضة، ولكنه انتصار لايمكن الحزب من الاكتفاء بذاته لتشكيل الحكومة، فقد نال الحزب أكثر من 80 مقعدا، فيما يحتاج إلى 109 أصوات على الأقل، وذلك طبقا لما تفرزه الطريقة الانتخابية المعتمدة أي، بالنسبية مع أعلى البقايا، وكان المجلس المنتخب قد حددت مهمته بصياغة دستور للبلاد خلال سنة واحدة، ولكن حزب حركة النهضة انفرد بالحكم والسلطة، بعد أن ضمن لنفسه أغلبية بانضمام الحزبين الحاصلين على المرتبة الثالثة والمرتبة الرابعة، وهما حزب المؤتمر من أجل الجمهورية بزعامة الدكتور منصف المرزوقي، وحزب التكتل الديمقراطي بزعامة الدكتور مصطفى بن جعفر، وقد تركت حركة النهضة حزب العريضة الشعبية الثاني ترتيبا في نتائج الانتخابات على الهامش، للعداوة المستحكمة التي يكنها الأستاذ راشد الغنوشي لكل من ترك بعد عضويته في الحركة سطح السفينة، وقد استغربت القوى التقدمية وما سمي وقتها بالأحزاب العلمانية، هرولة منصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر للتحالف مع النهضة، بعد أن أكد كل منهما أنه لن يتحالف معها مطلقا ومهما كانت الأحوال، وكان من نتيجة ذلك أنهما ابتلعا كل الثعابين، على رأي المثل الفرنسي، خلال كل فترة ذلك التحالف المناقض لطبيعة الأشياء، وإذ لم يكن تحالف منصف المرزوقي خارجا عن طبيعة الرجل، وتعطشه للمناصب حتى ولو كانت فارغة من أي محتوى، تشهد على ذلك مواقفه من الرئيس زين العابدين بن علي في أول عهده ، تسولا لمنصب وزاري، خصوصا وقد ترأس رابطة حقوق الإنسان، و كان نال رئيساها المتعاقبين سعد الدين الزمرلي ومحمد الشرفي مناصب وزارية، غير أن الرئيس بن علي الذي كان المرزوقي يقابله بصفة دورية و بطلب منه، لم يقتنع بالرجل، حسبما تسرب أيامها بشأن منصف المرزوقي ولم ير فيه الرجل المناسب للوزارة، فانقلب المرزوقي عليه وناصبه العداء، وقد فاتته فرصة التوزير، ومرت الأشهر متعاقبة دون أن يدعى لتقلد أي وزارة، وبعد كثير من المقالات والمواقف غير المشرفة، تقربا من رئيس الدولة، انقلب عليه، وجعله هدفا يوميا لهجماته.
وجد المرزوقي في التحالف مع النهضة وسيلة للوصول إلى غرضه في تقلد مناصب مسؤولية عالية، وأصر على نيل رئاسة الجمهورية، رغم وعد صريح من قيادة النهضة بتخصيص المنصب للباجي قائد السبسي الوزير الأول آنذاك.
وإن لم يكن إذن تحالف المرزوقي خارجا عن طبيعة الأشياء لتعطشه للسلطة وقد أصبحت في متناوله، فقد بدا تحالف مصطفى بن جعفر الأغرب فهو رجل مبدئي، وكان مبدئيا طيلة حياته حتى تلك اللحظة التي قرر فيها ذلك التحالف، وبعكس المرزوقي فقد كانت الوزارة عرضت عدة مرات على مصطفى بن جعفر، وآخرها عندما تم تعيينه وزيرا في حكومة محمد الغنوشي الأولى بعد الثورة، وانسحب منها، بعكس كل الذين تم تعيينهم من أقطاب المعارضة وقبلوا بالمناصب.
وكان منصطفى بن جعفر الذي حل رابعا في الترتيب بين الأحزاب الفائزة، معتبرا منذ كان في حزب الدستور من أكثر الزعماء السياسيين مبدئية، فانتقل إلى حركة الديمقراطيين الإشتراكيين، ثم وبعد استقالة أحمد المستيري منها على خلفية خلاف حاد مع رئيس الجمهورية الجديد زين العابدين بن علي، أيام كان ينتظر أن تسقط رئاسة الجمهورية كثمرة ناضجة بين يديه، فسبقه إليها بن علي. غير أن مصطفى بن جعفر بهذا التحالف غير الطبيعي مع النهضة، فقد ذلك الرصيد الشعبي الذي لا تشوبه شائبة، وانحدر هو وحزبه إلى القاع في أول انتخابات لاحقة…
عبد اللطيف الفراتي
- اكتب تعليق
- تعليق