أخبار - 2021.08.28

محمـد الجريئ‎‎ يؤبن‎‎ المرحوم عامر الحرشاني

محمـد الجِرّي يأبّن المرحوم عامر الحرشاني

الله أكبر
الله أكبر
الله أكبر

...وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۝ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۝..

بقلوب خاشعة وبحكم الله نودّع اليوم إلى مثواه الأخير، أخا عزيزا ورجلا طيّبا، فاضلا، نودّع المغفور له – بإذن الله –

- الأخ عامر الحرشاني –  
رحمه الله وطيب ثراه،

نودّعه ونحن نستحضر قول الشاعر : "هذا أبو العباس في نعشه قُوموا انظُروا كيف تسير الجبال".
ليس من اليسير، في مثل الموقف الإلمامُ بسيرة رجل من أمثال المرحوم : عامر الحرشاني.
وإذ نودّعُه، فإنما نودّع وطنيا صادقا ومسؤولا ساميا مخلصا ومقتدرا، تجاوز صيته حدود بلاده، واقترن اسمه طوال نصف قرن بقطاع حياتيّ أساسيّ ألا وهو قطاع الماء الذي جعل الله منه كلَّ شيء حيّا.

الله أكبر
الله أكبر
الله أكبر

في ربوع الجريد حيث ترك ابن شباط رائعته في حسن استغلال الماء وتوزيعه، ولد الفقيد العزيز بمدينة دڨاش في 25 أكتوبر 1937. وبعد انتهاء تعليمه الابتدائي بالجهة، التحق بالمعهد الصادقي حيث تحصّل على شهادة الباكالوريا سنة 1958.

وتحوّل في نفس السنة إلى مدينة Grenoble بفرنسا لمزاولة تعليمه العالي بكل من :

المدرسة الوطنية للهندسة بـGrenoble  (École Polytechnique de Grenoble).
والمعهد الوطني لعلوم الذرّة وهناك تتلمذ على كبار أساتذة وعلماء ذلك الجيل من أمثال الأستاذ وعالم الفيزياء FELIX NÉEL المتحصل على جائزة نوبل للفيزياء سنة 1970 وتخرّج الفقيد سنة 1967 مهندسًا في اختصاص المنشآت المائية.
وفور عودته لأرض الوطن، التحق بوزارة الفلاحة حيث سيقضي بها كامل حياته المهنية وفي قطاع المياه بالذات.
وقد أظهر منذ بداية عمله كفاءة عالية وجديّة فائقة في العمل وخصالا راقية في التعامل، أهّلته كلها للتدرّج في سلّم المسؤوليات عن جدارة واقتدار.

الله أكبر
الله أكبر
الله أكبر

وفور التحاقه بالعمل، احتضنه وزير الفلاحة آنذاك، المغفور له الأسعد بن عصمان ضمن ثلّة من الإطارات الشّابة لوضع النواة الأولى لقطاع المياه.

وتمّ تكليفه بعدّة مشاريع مائيّة هامّة نجح في إنجازها من ذلك :

إدارة شبكة مياه الأمطار والمياه المستعملة بتونس العاصمة سنة 1968.
تهيئة واد زرود سنة 1970.
تهيئة السباخ والبحيرات 1974.

وتوّجت المرحلة الإدارية لنشاطه ، بتقلّده مسؤولية الإدارة العامة للدراسات والاشغال المائية الكبرى  سنة 1974 إلى سنة 1988، تاريخ ارتقائه من مستوى المسؤولية الإدارية العليا إلى المستوى الحكومي.

وفعلا فقد كان الفقيد العزيز من خيرة الإطارات الفنية المقتدرة التي اعتمد عليها رئيس الجمهورية الأسبق المغفور له زين العابدين بن علي. فمباشرة بعد تحول السابع من نوفمبر 1987 وفي نطاق وضع رؤية واضحة لكل القطاعات تم إعطاء دفع جديد لقطاع المياه. لذلك تم ولأول مرة إحداث كتابة دولة للموارد المائية في 12 أفريل 1988 وعُهدت للفقيد العزيز عامر الحرشاني .

وباشر فقيدنا هذه المهمة طيلة 17 سنة بدون انقطاع وهي مدة قياسية لم يكتب لأي مسؤول حكومي قضاؤها في نفس الموقع إلى يوم الناس هذا.
وعمل خلال هذه الفترة الطويلة مع 8 وزراء في انسجام وتكامل، لأنه كان فنيا مخلصا لعمله ووطنه دون انتماء أو حسابات همّه القيام  بالواجب وخدمة البلاد والعباد لذلك نال احترام وتقدير الجميع داخل هياكل الوزارة وخارجها.

الله أكبر
الله أكبر
الله أكبر

نجح الفقيد العزيز خلال هذه المسيرة الطويلة في تحقيق نتائج هامة وتركِ بصمات ثابتة في مجال عمله.

فهو الذي ساهم مساهمة فاعلة في وضع الخطط المديرية الكبرى للماء للشمال والوسط والجنوب. وهو الذي أشرف على تصوّر وبرمجة وإنجاز شبكة متكاملة من السدود والبحيرات.

ولئن سبقه إنجاز 3 سدود فإنه كان عنصرا فاعلا في برمجة وتصوّر 37 سدّا بعضها أُنجز تحت إشرافه مباشرة وبعضها بصدد الإنجاز فهو عند الكثير "أب السدود والبحيرات" وهو L’Homme des barrages. مع رفقاء دربه منصف مولهي والحبيب الصيد والمرحزوم خميس العلويني.

والفقيد هو الذي أشرف على وضع مخطط حماية المدن من الفيضانات.

وهو الذي ساهم في هيكلة المندوبيات الجهوية للتنمية الفلاحية.

وقد كان في كل هذا مسؤولا ميدانيا بامتياز يعرف كامل تراب الجمهورية وخصائصه وكان كما يؤكد أحد مساعديه وخلَفه السيد عبد الله الرابحي : "كثير التنقل بين الأودية والشعاب للبحث عن المكان المناسب لكل مشروع".

كل ذلك إضافة إلى معرفته الدقيقة لكل العاملين بقطاع الماء مسؤولين كانوا أو أعوانا.

وكان تعامله معهم على أساس الاحترام والتواضع والنصح والجدية في العمل.

ولم تكن له طموحات غير اتقان العمل والقيام بدوره على الوجه المطلوب.
وقد قدّر فيه الرئيس الراحل زين العابدين بن علي هذه الخصال والنجاحات، وكلفني يوما باعتباري مدير ديوانه بعرض مهمة وزارة الفلاحة على الفقيد العزيز.
وخلافا لما اعتدته من جواب في مثل هذه المواقف ، فوجئت بجواب سي عامر الذي أكبر لفتة الرئيس وأبلغني بكامل اللطف اعتذاره عن قبول المهمة لأنه يعرف حدوده قائلا لي مبتسما : " أنا كيف الحوتة إذا خرجتها من الماء تموت " .

وقد أكبر الرئيس هذا الموقف إكبارا خاصا استشهد به في عديد المرات أمامي.

الله أكبر
الله أكبر
الله أكبر

وكانت للفقيد العزيز مساهمة بارزة في تكوين جيل كامل من الإطارات أهّل بعضهم للعمل والتألق في عديد البلدان والمؤسسات الدولية إضافة إلى دورهم داخل أرض الوطن.

وإضافة لكل ذلك فقد أنجز الفقيد العزيز عديد الدراسات العلمية حول المياه والسدود  في تونس والعالم نشرت في العديد من المجلات المختصة وبعديد اللغات.
وهو ما أعطى لنشاطه وعطائه بعدا تجاوز حدود بلاده وشرف وطنه، وأهله لنيل العديد من الأوسمة والجوائز العلمية.

وإلى جانب كفاءاته الفنية والمهنية العالية، كان الفقيد العزيز مثقّفا كبيرا متمكّنا من الأدب والتاريخ والجغرافيا.

كانت جلساته ثرية – مرحة لا تخلو من الدعابة تجمع بين الشوق والذوق.

الله أكبر
الله أكبر
الله أكبر

أيها الراحل العزيز نودّعك الوداع الأخير متضرعين للعلي القدير أن يتقبّلك بواسع رحمته وغفرانه وأن يتقبّل ما قدمته لعائلتك ولأبناء وطنك  بوافر الجزاء والثواب وأن يسكنك فراديس جنانه، وأن يلهمنا جميعا أسرة وزملاء وأصدقاء جميل الصبر والسلوان.

"  يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي."

صدق الله العظيم
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.


 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.