أخبار - 2021.08.13

رسالة مفتوحة إلى ممثلي المجتمع الدولي: التّحوّل الدّيمقراطيّ في تونس حاد عن مساره وهو الان في حاجة إلى أسُسٍ جديدة

رسالة مفتوحة إلى ممثلي المجتمع الدولي: التّحوّل الدّيمقراطيّ في تونس حاد عن مساره وهو الان في حاجة إلى أسُسٍ جديدة

راقية معلّى فتيني، مواطنة تونسيّة - على ضوء الروايات المضلّلة التي تواصل وسائل الإعلام الغربية ترويجها حول نجاح الديمقراطية في  تونس في أعقاب "الربيع العربي"، أكتب لكم هذه الرسالة لتقديم قراءة معاكسة  قد تساعد في استنباط سياسات أكثر حكمة و نجاعة لصيانة مصالح الشعب التونسي وكذالك باقي شعوب القرية العالمية. إن الحل للأزمة العميقة التي تمر بها تونس، كما سأشرح في ما يلي، لا يمكن أن يأتي إلا من خارج شرعية نظام انتهازي طائش انبثق في ظل الفوضى التي أعقبت انتفاضة سنة 2011.

قراءة المقال باللغة الإنقلزية

قراءة المقال باللغة الفرنسية

من السهل تفهّم المخاوف التي أبدتها وسائل الإعلام الغربيّة تجاه التّطوّرات الأخيرة في تونس. فعندما ترى رئيسا للجمهوريّة يُقيل رئيس الحكومة ويجمّد أعمال البرلمان، اعتمادا على فصل من الدّستور لا يَسمحُ له بذلك إلاّ بموافقة رئيسي الحكومة والبرلمان، فإنّ الأمر يبدو وكأنّه عودة إلى الحكم الفرديّ ووأدٌ للدّيمقراطيّة النّاشئة في المهد. لكنّ الأمور تبدو مختلفة من وجهة نظر أغلبيّة الشّعب التّونسيّ، التي ترى أنّ ما سمّي بالرّبيع العربيّ (وهو مصطلح رُوّج له بعد سقوط نظام بن علي) قد تحوّل في الواقع إلى شتاء قارس جمّد الاقتصاد وأدا الى انحدار اجتماعي وثقافي لم يسبق لهم مثيل.

وخلافا للدّيمقراطيّات الغربيّة التى استغرق إرساء أنظمتها السّياسيّة التّعدّديّة قرونًا من الزّمن، فإنّ تونس كان يحكمها حزب واحدٌ من الاستقلال في 1956 حتّى الإطاحة ببن علي. وقد ظهرت أحزاب صغيرة على الرّكح السّياسيّ ثمّ سرعان ما غادرته بسبب حجمها المحتشم، باسثناء حركة الاتّجاه الإسلاميّ التي تأسّست في 1981 وحُظِرَ نشاطها بعد عشر سنين باعتبارها منظّمةً تهدف إلى إقامة نظام ثيوقراطي. وهكذا خَلَقَ انهيار نظام بن علي فراغا هائلا سرعان ما مَلأَتْهُ حركة النّهضة بعد عودة قادتها من المهجر وحصولها على تاشيرة لتاسيس حزب النهضة. وفي خضم الفوضى والارتباك تمّ حلّ الحزب الحاكم، القوّة السيّاسيّة الوحيدة القادرة على مُنازَلة النّهضة على الرّكح السياسيّ، وبذلك حصلت النهضة على الأغلبيّة النّسبيّة في المجلس التّأسيسيّ. وقد استغلّت موقعها المحوريّ في المجلس لصياغة دستور ألغى النّظام الرّئاسيّ وعوّضه بنظام برلمانيّ مُعَدّل وقد كان لذلك عواقب وخيمة على البلاد اذ تم قذف الرضيع مع مياه الحمام.

تعاقبت على تونس، منذ المصادقة على دستور 2014، حكومات عديدة لم تُعمّر طويلا وتميّزت بالضّعف والهشاشة وهي حكومات ائتلافيّة شاركت فيها حركة النّهضة إلى جانب أحزاب تكوّنت على العجل. وقد كانت تعوز هذه الحكومات الرّؤية الموحَّدة والبرامج النّاجعة لتحريك عجلة النّموّ الاقتصاديّ في البلاد. وعوض ذلك كان للمحسوبيّة والفساد وسوء التّصرّف وانعدام الكفاءة التي تميّزت بها النّهضة والأحزاب الشّريكة في الحكم نتائج اقتصاديّة كارثيّة. فقد تراجعت نِسَبُ النّمو إلى 1% أو 2% بعد أن كانت تتراوح بين 4 و5%، وقد تفاقم العجز الهيكلي في خلق مواطن الشغل، وتراجع المستوى المعيشيّ (اعتمادًا على الدّخل الفرديّ المحسوب بالدّولار الأمريكيّ) بنسبة عشرين في المئة، وتفاقَمَ عجز الميزانيّة والميزان التّجاريّ وتمّ اللجوء للقروض الأجنبيّة لتغطيتهما مما أدّى إلى مضاعفة نسبة التّداين الخارجيّ الى حدود 100% من المنتوج الدّاخليّ الخامّ. وهو ما ترك البلد على قاب قوسين أو أدنى من اللّجوء إلى نادي باريس لإعادة جدولة ديونه.

لكنّ الضّرر لم يتوقّف عند هذا الحدّ. فتونس التي كانت تنعم باستتباب الأمن وتفتخر بتشبّعها بثقافة التّسامح والتّفتّح على العالم تشهد اليوم انتشار الفكر السّلفيّ المتطرّف وتكرّر العمليات الإرهابيّة. فان التّونسيون احتلو المرتبة الثّالثة في ترتيب عدد المقاتلين في تنظيم داعش الإرهابيّ في سوريا. وقد عاد الكثير منهم إلى تونس ويُمثّل إدماجهم في المجتمع بدون أدنى محاكمة أو مُساءلة خطرا على السّلم الاجتماعيّ. كذلك شَهِدتْ أوروبا أعمالا إرهابيّة بشعة نفّذها تونسيّون. كما لم يُحاكَمْ إلى حدّ الآن أيّ من المسؤولين عن الجرائم الإرهابيّة التي شَهِدها التّراب التّونسيّ. والواقع هو أنّ العديد من نوّاب البرلمان تحوم حولهم شكوك في ضلوعهم في بعض الأعمال الإرهابيّة. ويمثّل قرار الرئيس قيس سعيّد برفع الحصانة عن نوّاب البرلمان يوم 25  يوليو خطوة إيجابيّة إذا تلتها تتبّعات عدليّة ضدّ النّواب ذوي الشّبهات.

إنّ المجموعة الدّوليّة، بمنحها تونس قروضا هائلة ثنائيّة أو متعدّدة الأطراف، مولت ما كانت تظن بانه تجربة نادرة في بناء الديمقراطية في العالم العربي. الا ان ما فعلته في الواقع هو رهن مستقبل الأجيال القادمة لتمويل الاسراف المالي والعبث السياسي. وقد تواصل سيل القروض بالرّغم من تدهور الرّقم السّياديّ للبلد من سنة إلى أخرى. فمنذ 2011 خفّضت وكالة مودي الرّقم من ب أأ 2 سنة 2010 إلى ب 3 هذه السّنة. وكذلك فَعَلتْ وكالة فيتش.

على المجموعة الدّوليّة أن تعترف بأنّ التّحوّل الدّيمقراطيّ في تونس قد حاد عن مساره وأن تَكُفّ عن الدّفاع عن الدّستور الجديد والمؤسّسات الضّعيفة المنبثقة عنه. إنّ الحلّ للازمة العميقة التي تمر بها تونس لا يأتي إلاّ من خارج شرعيّة نظام سياسيّ انتهازيّ طائش انبثق في ظل الفوضى التي اعقبت انتفاضة سنة  2011. لذلك فإنّ النّقاش الدّائر حول دستوريّة قرارات الرّئيس من عَدَمها هو جدال عقيم. فعلى تونس أن تسترجع نظامها الرّئاسيّ الذي يناسب مستوى تقدّمها الاقتصاديّ والسّياسيّ. يجب أن تكون السّلطة التنفيذية بيد رئيس يكون هو المسؤول الوحيد على رسم وتطبيق سياسات من شانها ان  تستعيد التّوازنات الماليّة الكبرى التي تضمن قدرة البلد على الوفاء بالتزاماته وتخلق نموا اقتصاديا  حقيقي يخلق مواطن شغل جديدة ويضمن العيش الكريم لمواطنيه. ان نظاما رئاسيّا مدعوما بآليات فعالة للمراقبة والتوازن بين السلطات هو الخيار الأمثل لتونس في الوقت الحاضر.

راقية معلّى فتيني
مواطنة تونسيّة

قراءة المقال باللغة الإنقلزية

قراءة المقال باللغة الفرنسية




 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.