خفايا كتاب مجتمع الخوف لمنجي الزّيدي
تقديم الكتاب بقلم الأستاذ عبد الحفيظ الهرقام
بين دفّتي هذا الكتاب نصوص للدّكتور منجي الزّيدي نُشرت على امتداد ما يناهز أربع سنوات في مجلّة "ليدرز العربيّة"، وهي مجلّة شهريّة جامعة تولّيت إدارة تحريرها. كانت المجلّة تتحسّس طريقها بين العديد من العناوين الصّحفيّة في تونس عندما بانت حاجةٌ ملحّة إلى قلم مختصّ في علم الاجتماع يتولّى الكتابة في ركن "مجتمع" فكان المؤلَّف خير من يتصدّى للمهمّة وهو الذي يجمع بين تدريس هذه المادّة بالجامعة وتجربة ثريّة في مجالي الثّقافة والاتّصال.
وانسجاما مع الأهداف التي يستند إليها الخطّ التّحريري للمجلّة كان الاتّفاق بيننا على أن يتناول المقال بالدّرس والتّمحيص ما يعتمل في البلاد من تحوّلات اجتماعية عميقة في سياق انتقال ديمقراطيّ صعب، وما يشهده المجتمع من ظواهر وسلوكيّات لافتة نتيجة أزمة مستحكمة متضافرة الأبعاد، عسى أن يدرك القارئ خفاياها وجذورها وأن تنكشف له مسؤوليّة كلّ طرف في استفحالها وانتشارها.
وهكذا انبرى د. منجي الزيدي يرصد أحوال المجتمع التّونسيّ، سابرا أغواره بعين دقيقة ثاقبة وبأدوات الأكاديميّ الذي يأبى الإطلال علينا من برج عاجيّ بنظرة تعالٍ واستكبار بل يروم إبلاغ الرّسالة على أوسع نطاق ممكن دونما تكلّف أو تعقيد في تناول الموضوع بلغة تتميّز بجزالة اللّفظ وأناقة الأسلوب، مع الحفاظ على دقّة زاوية التّحليل وصرامة المنهجيّة.
فما من حادثة أليمة هزّت الوجدان وما من ظاهرة اجتماعيّة تفشّت حتّى غدت حديث النّاس إِلَّا وسلّط عليها الكاتب الضّوء في عمليّةِ كشف عمّا يعانيه المجتمع من أدواء وآفات، فضلا عن قضايا كانت تفرض التّوقّف عندها في علاقة بالوضع السّياسيّ المُتأزّم في تونس أو بتداعيات جائحة "كورونا" على الصّعيدين الوطنيّ والكونيّ.
ولئن تنوّعت مواضيع هذه النّصوص وتعدّدت مُحِيلَةً أحيانا إلى حوادث ومسائل محدّدة في الزّمن فإنّ الرّابط بينها هو انصهارها ضمن سعي الكاتب إلى تعرية واقع سياسيّ واجتماعيّ مرير يثير الخيفة والتوجُّس في النّفوس. وإنّنا لا نجانب الصّواب إذا ما اعتبرنا النّصوص المعروضة في الكتاب مرايا تعكس بالكلمة الحرّة والمسؤولة صورا صادقة عن هذا الواقع بكلّ تعقيداته وإشكالاته.
وللتدليل على مدى خطورة بعض الظّواهر وتفشّيها يعمد الكاتب أحيانا إلى اختيار عنوانين مثيرة فتصبح الظّاهرة سمة المجتمع الغالبة فهو طورا "مجتمع الخوف" وطورا آخر "مجتمع الشتيمة"... كما لم يتردّد البتّة في هذا الصّدد في إطلاق تسمية "ثقافة"- ليس بمعناها المتعارف عليه- على ظاهرتين يشهدهما المجتمع التّونسيّ وهما الاغتصاب والرّبح السّريع والمال السّهل وذلك في إشارة إلى انتشارهما في صفوف المجتمع.
لقد أراد د.منجي الزّيدي أن يبيّن من خلال فضح جملة من السّلوكيّات والظّواهر المشينة مدى حاجة المجتمع التّونسيّ" إلى حركة إصلاحيّة جديدة تؤسّس لمشروع مجتمعيّ جديد" وإلى "عودة الوعي بالمسألة الاجتماعيّة في بعدها القيمي والأخلاقي والحدّ من هيمنة السّياسة على كلّ مجالات الحياة... إذ السّياسية والأخلاق لا تجتمعان دائما". ولعلّ مردّ هذه الدّعوة إلى الإصلاح الخوف على المجتمع من أن يستبدّ به الخوف باعتباره "نتيجة الفوضى والتّهاون وتجاوز القانون وانتهاك سلطان الدّولة العادلة"، على حدّ تعبير الكاتب.
هل يكون الوعي بالأزمة التي تواجهها تونس بداية الطّريق نحو هذا المشروع المجتمعيّ الجديد فالتغيير كما يقول عالم الاجتماع الفرنسيّ (آلان توران) Alain Touraine "ليس دوما خَلْقًا وتقّدما وإنّما هو في البداية تحلّل وأزمة"؟
محتويات الكتاب
1. الشّعب الشّعبيّ
2. الحقد الاجتماعيّ والسّياسيّ
3. صناعة الكذب والوعي الزّائف
4. الإشاعة السّياسيّة: السّلاح الخفيّ
5. الشّخصيّة المتورِّمة والزّعامة الوهميّة
6. الغربة داخل الوطن
7. المركز والأطراف
8. المنافقون
9. الإرهاب على شبكات التّواصل الاجتماعيّ
10. هل تسكت مغتصبة؟
11. في ظاهرة العنف في الملاعب الرّياضيّة
12. عن الشّباب والعنف
13. مجتمع الخوف
14. مجتمع الشّتيمة
15. الضّحك الاجتماعيّ والسّخرية الشّعبيّة
16. المرأة مستقبل الإنسان
17. العاملات الزّراعيّات: الجنديّات المجهولات
18. المراهقة المجهولة: هل نعرف أبناءنا؟
19. شباب العدم، قتلى "الزّمبريط"
20. أنا أستهلك إذاً فأنا موجود...ǃ
21. قيمة النّجاح والمصعد المُعطّل
22. عن السّحر والتّنجيم والشّعوذة
23. عن الاخفاق المدرسيّ
24. الأسرة والتّربية على الحوار
25. المتقاعدون في الأرض
26. تعنيف المُسنِّين، العار المسكوت عنه
27. هل يعيش مجتمعنا أزمة قيم؟
28. في ثقافة الرّبح السّريع والمال السّهل
29. الإنسان في مواجهة الجائحة: ماذا يقول الفيروس؟
30. السّعادة في زمن كورونا
تعريف بالكاتب
د. منجي الزّيدي, أستاذ تعليم عالٍ في تخصص علم اجتماع الثّقافة والشّباب. ( جامعة تونس).
صدر له
• الشباب والثّقافة/ سحر للنشر،تونس 1991.
• الدّخول إلى الحياة، الشّباب والثّقافة والتّحولات الاجتماعيّة/ تبر الزمان، 2004.
• ثقافة الشّارع/ مركز النّشر الجّامعيّ، تونس 2007.
• جماهير الثّقافة/ سحر للنشر، تونس 2016.
كلمة أولى للكاتب حول الكتاب
في العام 2011 ضرب زلزالٌ المجتمعَ التّونسيّ. كان مُباغتا ولكنّه كان مُتوقَّعا. تسارعت أحداثه ولكن أسبَابه كانت تتهيّأ من قبل. أخطاء كثيرة تراكمت. وكان ثمَّة تنّورٌ اجتماعيٌّ يَفُور. وتدخّلت عوامل خارجيّة لتحريك الصّفائح التّكتونيّة... أخرجت البلاد أثقالها. ثارت العجاجة فانعدمت الرّؤية وانحسر البصر...
بين الرّكام كان هنالك بصيص أمل وتباشير بعيدة ليوم جديد ... غير أن سيولا جارفة أعقبت الزّلزال...ضربت كل الأبنية ماديّة ورمزيّة... سياسيّة واقتصاديّة وثقافيّة واجتماعيّة... جرفت شيئا من الأتربة المتكلّسة والأدران القديمة وجلبت أوساخا ونفايات من مساربَ ومَجَارٍ جديدة...
صارت الحياة اليوميّة مسرحا يجمع بين الدّراما والكوميديا والعبثيّة والسّرياليّة...وبعض الفواصل البطوليّة. أُسدل ستار ورفع آخر...اختفى شخوص وظهر آخرون. ديكور جديد وآخر قديم جديد. أزياء بعضها أسمالٌ بالية وبعضها قديم مُرقّعٌ... وبعضها جديد مُفَصّل تفصيلا...وكثيرٌ كثيرٌ من الأقنعة والمساحيق... ألَمْ يقل " ارفينغ غوفمان" إنّ الحياة الاجتماعيّة مسرحيّة والنّاس ممثّلون...
تعليقات وآراء حول الكتاب
مجموعة من المجسّات مكّنت الأستاذ الدّكتور منجي الزّيدي من الغوص في أعماق المجتمع التّونسيّ المعاصر مستنيرا بما لديه من علم وتجربة ليوقفنا على ما يعيشه هذا المجتمع منذ ما ينيف عن ثلث قرن، وتفاقم طيلة سنوات التّغيير، واستفحل وطغى بعد الهزّة التي نفّذها الشّعب التّونسيّ سنة 2010-2011. استند صاحب الرّواق لرسم أعلاقه على ما شَاهَد ووَعَى معتزاّ بما وفّر له حصاده الثّقافيّ الغزير من القرءان الكريم ومروج العروبة، وبما أنتجه العباقرة في حقول الأدب والفلسفة والأنثروبولوجيا في العالم الغربيّ عبر العصور. ولقد أحصيت أكثر من ثلاثين مرجعا تتوزّع على عديد الكُتّاب والمبدعين. فطوبى له مع الشّكر الجزيل.
الأستاذ الدكتور محمد حسين فنطر
تغوص بنا مجموعة المقالات في تلافيف المجتمع المعاصر، حيث تتخلّق ثقافات تكاد تحاصر الإنسان وتخنق قدراته الإبداعيّة وتدفعه إلى متاهات اللاّيقين، لتشكل مجتمعاً يموج بتناقضات... ولا يستمد هذا العمل أهمّيته من موضوعاته، أو الأسلوب السّرديّ العذب الذي سيق به الحديث في الموضوعات المختلفة، أو من التّأطير النّظريّ وبثّ الأفكار والمعارف بشكل ذكيّ، بل يستمدها أيضاً من منهجه في النّقد الاجتماعيّ الذي يعوّل على الخيال السّوسيولوجيّ في البحث عما هو كامن من معانٍ ودلالاتٍ خلف السّلوك الظّاهر. وتحتاج مجتمعاتنا العربيّة إلى تأكيد هذا المنحى وتأصيله إذا أردنا لهذه المجتمعات أن تتجاوز وأن تخرج من دائرة القصور. تحيّة إلى الصّديق العزيز.
عالم الاجتماع المصريّ د.أحمد زايد
خُلاصة مركّزة لتأملات مُهمّة في جوانب من الرّاهن التّونسيّ اجترحها الدّكتور منجي الزيدي، الباحث الثّبْت وأستاذ علم الاجتماع بالجامعة التّونسيّة ورصد فيها أبرز ما يموج به المجتمع التّونسيّ منذ سنوات قليلة من إرهاصات ومخاض وأعطاب وتشوّهات وأمراض اجتماعيّة (منها القديم المتأصّل، ومنها الجديد الطّارئ)، ... ونافل أن المجتمع التّونسي تسري عليه خصائص " ثقافة العبور"، ككلّ مجتمع يمرّ بلحظة انعطافيّه فارقة في تاريخه الحاضر، وهي ثقافة غير صديقة للاستقرار مع ما يعنيه هذا من مظاهر فوضى وانفلات زمام واضطراب حبل الأمن.. الكتاب جليل الفائدة. أكثر من ذلك: إنّه فيصل في موضوعه ومن ثمّ فهو جدير بالقراءة والتّدبّر والمناقشة.
أستاذ التّاريخ المعاصر بالجامعة التّونسيّة، د. فتحي ليسير
بأسلوب أدبيّ تحليليّ ونقديّ تناول هذا الكتاب مشكلات اجتماعيّة تتفاقم في مدار الخوف الذي يعمّ المجتمعات الحديثة ومنها المجتمع التّونسيّ من خلال مجموعة من الظّواهر والسّلوكيات التي تعبر عن أزمة المجتمع والدّولة.
عالم الاجتماع التّونسيّ، د. محمد نجيب بوطالب
آراء صائبة حول واقع معاش سمته الخوف والإحباط... آراء كالمصابيح المنيرة في ظلمة ما فتئ يشتد سوادها... على ضوء هذه المصابيح نتعرّف على حجم المعاناة التي يعيشها أبناء مجتمع حلموا بالطّمأنينة والسّعادة والأمن لكن الخيبة أصبحت خبزهم اليوميّ.
مجتمع الخوف
الناشر سحر للنشر جوان 2021
تقديم الأستاذ عبد الحفيظ الهرقام
تصدير الأستاذ الدكتور محمد حسين فنطر
صورة الغلاف اهداء الرسام علي الزنايدي
الأديب التّونسيّ، د. عبد القادر بن الحاج نصر
- اكتب تعليق
- تعليق