في عيدها الرابع و الستون الجمهورية التونسية تتوجه برسالة مفتوحة الى رئيسها
بقلم الأستاذة نجاة البراهمي الزواوي. أستاذة التعليم العالي والمحامية لدى التعقيب
سيدي الرئيس
1- صحيح ان الذوات المعنوية لا يمكنها ان تتصرف الا بواسطة ممثلها القانوني باعتبار تنظيرها قانونا بفاقدي الاهلية.
وصحيح كذلك انكم الممثل القانوني لي باعتباري ذاتا معنوية فاقدة للأهلية بحكم القانون.
و صحيح أن لكم علي حق الطاعة باعتبار علاقة الرئيس لمرؤوسه.
ولكن أستسمحكم في الاستدراك
بالرغم من قصوري فإنني سأتصرف في حق نفسي كما يتصرف القاصر في ظل صمت وليه القانوني. تصرفي سيكون خطابا يلزمني وينصفني ويخفف من شدة بأسي.
وبالرغم من تبعيتي والتزامي بواجب الطاعة الذي يحكم علاقة المرؤوس برئيسه فإنني سأتكلم كلام المقهور الشجاع الذي بالرغم من العتمة يبصر بريقا من النور فيأمل ان يعممه على من معه حتى وان كان رئيسه.
هذه هي منطلقاتي واضحة سيدي الرئيس عساني أكون قد بلغت. فقلمي أردته ثابت في نحت هذه الكلمات في ظل ارتعاش الايدي والخشية من رفع البصمات.
سيدي الرئيس
خطابي لا شك حزين و لكن املي في مستقبل تونس كبير لو بإرادتكم رمتم التنوير.
سأتكلم في يوم عيدي لأرد على التهاني و لأختزل الأماني و لأبوح بما أعاني.
2- في الرد على التهاني
قال المتنبي في أحد اشعاره:
عيد بأية حال عدت يا عيد *** ألما مضى أم لأمر فيك تجديد.
أما الأحبة فالبيداء دونهم *** فليت دونك بيد دونهم بيد.
و في معارضة لهذه الأبيات سأقول:
عيد بأية حال عدت يا عيد *** ألتخفيف الضغط أم لظرف فيك تشديد.
أما الأحبة فالكوفيد دونهم *** فبئس جائحة لم ينج منها كهل ولا وليد.
قد حلت بالديار في زمن *** تهاوت فيه المناعة وانقطعت حبال الوريد.
قلت لعل العيد مانعها فوجدتني *** أبكي أحبة رحلوا في فجر هذا اليوم الجديد.
ماتوا بعلتهم في وطن *** تصلبت فيه القلوب بحجم تصلب الجليد.
فلا بعيدي تهنوني لفرحة *** وئدت في وطن العز لم تولول فيه الزغاريد.
فلا عيد و لا عيد و لا أمل *** لخراب الديار وتهاوي سقف بيت عماده من حديد.
سأبكي وأبكي و أبكي *** مجدي وكذا أبكي شرفا تليد.
فلا العز عزو لا المجد مجد *** فما عزائي سوى في فجر جديد.
يا تونس الأمجاد مجدك ضائع *** فأي الثنايا أقصد لأصافح تاريخي المجيد.
تاريخ الأحرار لا داء يجهضه *** في تونس الأنوار رجال صناديد.
لا الموت يثنيهم و لا العلة تقتلهم *** يتجاوزون العقبة ويتحلون بصبر فريد.
في اختزال الأماني
"عاشت الجمهورية التونسة حرة منيعة أبد الدهر و لا عاش في تونس من خانها"
هذه هي الأمنيات التي تتقدمون بها في كل عام بمناسبة عيدي.
سيدي الرئيس
أين نحن من مناعة تونس في ظل فقدان مناعة فلذات أكبادها.
أين نحن من حرية تونس في ظل اختناق أبنائها و شح الاكسيجين.
أين نحن من غياب الخونة في ظل وطن استبيحت فيه أجساد النساء والأطفال من طرف اللأوغاد بمجرد ضغط على الزناد.
أين نحن من عزة تونس في ظل هوان كفاءاتها وتساوي موتها وحياتها
اين نحن من مجد تونس في ظل قبر شرفائها في جنائز صامتة لا تأبين فيها و لا توديع.
سيدي الرئيس
لقد بلغت اليوم من العمر أربع و ستون عاما و لم أرني قط على حالتي هذه من الإحباط و المعاناة. فهلا سمحتم بالإنصات الي أرويكم ملحمتي على امتداد العشرية الأخيرة. سأبوح بمعاناتي و لازيح من حولي شبح السبات الذي طال كل من ناله شرف الانتماء الى عائلة صناع القرار في تونس فتهيأ لهم أن صنع القرار هو تشريف دون أن يكون تكليفا و حسبي انه تكليف قبل ان يكون تشريفا .وهو لعمري كذلك في الأمم المتقدمة التي راهنت على الرقي بشعوبها و الذود عن إنسانية رعاياها.
3- في البوح بما أعاني
سيدي الرئيس
أنتم تحتفلون اليوم بالذكرى الرابعة و الستين لإعلاني و هو قدر عمري اليوم. ولا يخفاكم ان عقدي السابع هذا هو عقد عصيب بالرغم من كون عقدي السادس قد بشر بعهد فريد وبمجد مجيد.
سيدي الرئيس استسمحكم في التذكير بانتظاراتي في عقدي السادس التي أجهضت في عقدي السابع.
بشائر العقد السادس
سيدي الرئيس
لعل من أهم بشائر عقدي السادس دستور 2014 الذي ختمه الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي بتاريخ 27 جانفي 2014 و الدي تغير فيه مركزي ووصفي من الجمهورية الأولى الى الجمهورية الثانية ضرورة أن الدساتير الجديدة تؤسس لجمهوريات جديدة.
سيدي الرئيس
لقد اصطف العالم من حولنا في يوم صدور الدستور الجديد وارتقى يوم 24جانفي 2014(يوم ختم للدستور) الى يوم عيد ووشحت شوارع باردو وازقتها بثياب جديد وكان موكب الأمضاء موكبا مهيب.
كيف لا و الدستور الجديد يرتقي الى مصاف أرقى الدساتير في العالم من حيث مضمونه الذي تصدرته توطئة جامعة لاهم الثوابت في مجال حقوق الانسان و الحريات العامة و في مجال سيادة الدولة و أمنها القومي و عزتها و عزة رعاياها على المستويين الداخلي و الخارجي .هذه التوطئة التي وقع تاكيدها و بلورتها في العناوين السبعة للدستور بدءا بالمبادئ العامة و وصولا الى الهيئات الدستورية.
سيدي الرئيس
لقد علقت و كذا جملة التونسيين من حولي امالا كبيرة على دستور 27 جانفي 2014 .
كيف لا و توطئته تنص على "منزلة الانسان ككائن مكرم" و على "إرادة الشعب في ان يكون صانعا لتاريخه مؤمنا بان العلم و العمل و الابداع قيم إنسانية سامية ساعيا الى الريادة متطلعا الى الإضافة الحضارية و ذلك على أساس استقلال القرار الوطني و السلم العالمية و التضامن الإنساني"
كيف لا و شعار الجمهورية حسب أحكام الفصل الرابع من الدستور هو "حرية كرامة عدالة نظام"
كيف لا و بابه الأول يكرس جملة من المبادئ العامة لعل من أهمها المساواة بين المواطنين وقدسية الحق في الحياة و ضمان الدولة للحق في الصحة و الرعاية و الوقاية لجميع المواطنين.
كيف لا و بابها الخامس يكرس علوية الدستورو ضرورة تطابق القوانين العادية و الأساسية لاحكامه من خلال إرساء محكمة دستورية تعهد لها مهمة مراقبة مشاريع القوانين.
سيدي الرئيس
مرت العشرية وتواترت الخيبات وأفقت على صوت زعماء تونس الأموات يذكرون بالعهد وبالميقات و يلوحون بأن صحوة تونس قد ألقي بها في سلة المهملات و ينادون أن هبوا لإنقاذ تونس يا رجالها الأفذاذ.
تواتر الخيبات او اجهاض الانتظارات
سيدي الرئيس:
لقد حلمت و من حولي الشعب التونسي الأبي بتحقيق المبادئ العليا التي أرساها دستور 27 جانفي 2014 و لكن حلمنا قد بات و أضحى أضغاث أحلام. نعم أضغاث أحلام أفقنا في خضمها مذعورين مولولين ومستنكرين لهول ما شاهدنا في هذه العشرية الأخيرة.
1- في ذعري وذعر الشعب التونسي من حولي
لقد أذعرتنا قرارات حكومتكم القرار تلو الاخر.و خاب أملنا في صناع القرار خاصة لما تأكد لنا أن المواطن التونسي هو اخر اهتمام الساسة .ذعرنا كبير امام واحد من أتعس القرارات التي اتخذتها حكومتكم ليلة عيد الأضحى و التي بمقتضاها وقع الاذن بالتلقيح الجماعي للمواطنين و الذي كان قرارا غير مدروس بالمرة انتهى الى تتعارض المنتهى مع المبتغى .فعوضا عن أن تعم الفائدة و يظفر المواطنون بتلقيح يبعد عنهم شبح الموت رأيتهم يتجمهرون في تجمعات بائسة و يائسة ساهمت في تأجيج نار العدوى من الفيروس اللعين.
قرارحكومتكم هذا ليس الفريد من نوعه بل سبقته قرارات مشابهة و مأسوف لها و عليها لعل من أهمها القرار المتمثل في الإعانات الاجتماعية المسندة للعائلات المعوزة خلال الموجة الأولى من الكوفيد و بالتحقيق في موفى شهر مارس 2020 عندما قررت ا لحكومة صرف منحة قدرها مئتي دينار للعائلات المعوزة بدون ان تضع تصورا صائبا لصرفها فاصطف المواطنون امام مراكز البريد غير عابئين باثر الكوفيد فأعياهم الانتظار و ووجدت العدوى طريقها اليهم بسرعة البرق فخاب المسعى و ولى الجميع على أدبارهم و أغلقت مراكز البريد و لكن بعد ان أخذ الفيروس مأخذه من الأجساد و العباد.
2-في استنكاري و استنكار الشعب التونسي من حولي
السيد الرئيس
ان ما وصل اليه الامر من استهتار بالعباد لكاف لوحده للتعبير عن الاستنكار فما اذا اضفنا اليه الاستهتار بجميع المبادئ التي كرسها الدستور و خاصة منها مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق و الواجبات و تكافؤ الفرص. و حسبي ان أقتصر على مظهر وحيد من مظاهر اللامساواة بين المواطنين مأخوذ من مسالة التعويض عن المظالم المقترفة في حق المواطنين عبر تاريخ تونس الحديث و انطلاقا من 1955.
السيد الرئيس
لقد تعددت المظالم و المجازر التي كانت جبال تونس و هضابها مسرحا لها و التي ازهقت فيها أرواح الجنود الحامين لحمى البلاد كما أزهقت فيها أرواح شباب عزل و قبر هؤلاء و أولئك و لم يستتبع اثم جرائمهم لا خبر و لا بيان. و لم نسمع عن تعويضات مستحقة و لا عن عائلات تساوم الحكومة و تطالبها بالتعويض عن الأرواح التي أزهقت باطلا في الجبال و الفيافي.
سيدي الرئيس في يوم عيدي امتدت يد الغدر لتغتال فقيد تونس المرحوم محمد البراهمي و من قبله امتدت يد الغدر لتلقي بسهامها الى المرحوم شكري بلعيد و بين هذه الفاجعة وتلك نوائب و فواجع ما تزال في مرحلة البحث و لم يكشف فيها عن الحقيقة.
سيدي الرئيس
في الوقت الذي تمر فيه تونس بظرف جد حرج تتلقى الدولة التونسية منذ أيام مطلبا عاجلا في التعويض لضحايا المنظومات السابقة بمبالغ خيالية وتأسس المطلب على قانون العدالة الانتقالية.
السيد الرئيس
لقد صرخ الشارع التونسي أن لا و لا و لا للتعويض لأن لا فرق بين تونسي مستقل و تونسي متحزب الا في الولاء لتونس.
ان الولاء لتونس يستوجب الوقوف مع الوطن العزيز في محنته و لا الضغط على ساسته لتعميق هوته.
3-في غضبي و غضب الشعب التونسي من حولي
سيدي الرئيس
لقد عم الغضب وتعالت أصوات الاولياء الغاضبين والمواطنين المزمجرين وعلى ما تردت له الأوضاع في تونس الخضراء اسفين وصرخوا أن أزف الميعاد لمحاسبة الساسة المتغافلين و لحقوق الشعب في الصحة و الكرامة متجاهلين.
سيدي الرئيس
قديما قال أبو العلاء المعري و قد أخذ منه الإحباط مأخذه الابيات الشعرية التالية:
أراني في الثلاثة من سجوني *** فلا تسال عن الخبر النبيث.
لفقدي ناظري و لزوم بيتي *** و كون النفس في الجسد الخبيث.
و في معارضة لهذه الابيات سأقول و أختم قولي:
أراني في الثلاثة من خطوبي *** فلا تسأل عن الخطب الكبير.
لضيق نفسي وهوان مجدي *** وكون العز الى الأفول يسير.
سيدي الرئيس
أنتم الضامن الوحيد لوحدة تونس و نظامها.
أملي فيكم كبير
في انتظار التنوير و التغيير يبقى دمعي و دمع التونسيين من حولي ينهمر غزير.
الأستاذة نجاة البراهمي
أستاذة التعليم العالي
المحامية لدى التعقيب
- اكتب تعليق
- تعليق
الرجاء تصحيح الخطأ الفادح حيث أن دستور 27 جانفي 2014 ختمه الرئيس الاسبق منصف المرزوقي وليس الراحل الباجي قائد السبسي.
رحم الله شهداء تونس من شكري بلعيد ومحمد لبراهمي وشهداء جيشها. أنا سوري أحب بلادكم الغراء وانا معجب بالراحل الكبير لحبيب بورقيبة الذي بنى مجد تونس الحديث باتجاه فصل الدين عن السياسة والدولة، اول من منح المرأة حقوقها في عالمٍ يمتد من طنجة إلى جاكرتا وبصمت دون تطبيل أو تزمير كما فعل القادة "العرب" أضم صوتي إلى صوتك وأشاطرك المعاناة ياأخت الرجال فما بال رئيسكم جهوري الصوت قليل الفعل يسكت عن جرائم الإخوان المسلمين الذين دمروا سوريا وليبيا وأرادوا تدمير مصر لولا ثورة الشعب المصري في وجه طغيانهم وخبثهم وغبائهم. مابال الرئيس قيس سعيد لايرفع صوته ومطرقته أن كفى ياأصحاب المشروع الجهنمي دعوا تونس الخضراء تحيا من جديد وارحلوا عنها، فوالله مادام الغنوشي عميلاً لأردوغان وقطر وأسيادهما لن تنجلي سماء تونس من هذه الغيمة السوداء الكالحة. المجد لك ولشعب تونس الطيب والخزي والعار على من جثموا عى مقدراتها ومصيرهاً خبثاً وتآمراً وجرياً وراء حلمٍ زائف هو مجد الخلافة المدمر للأوطان والإنسان.