أخبار - 2021.07.26

ندرة المياه بالبلاد التونسية: التحديات والحلول الممكنة

ندرة المياه بالبلاد التونسية: التحديات والحلول الممكنة

بقلم جمال العبيدي  - يعد قطــاع المـياه العنصر الأسـاسي في حيــاة الإنســان، حيـث يشــكل العامــل الرئيـسي لإنتــاج غــذائه ومستلزماته الصحية والبيئية والقيام بمختلف أنشطته الاقتصادية.

تتميز البلاد التونسية بندرة مواردها المائية التقليدية، وتقدر حصة الفرد ســنة 2020 بحــوالي 400 متر مكعب في السنة مما يصنفها تحت خط الشح المائي المحدد ب 500 متر مكعب في السنة، ومن المتوقع أن تشهد الحصة تقلصا خلال السنوات القادمة من جراء بلوغنا النسبة القصوى لإستغلال مواردنا المائية التقليدية (الموائد الجوفية والمياه السطحية) بالإضافة الى التغيرات المناخية المرتقبة. 

التحديات والإشكاليات

إن الموارد المائية ببلادنا تتعرض إلى العديد من الصعوبات والإشكاليات من أهمها:

تأثيرات التغيرات المناخية وخاصة منها تواتر فترات الجفاف.
الاستغلال المفرط للموائد المائية الجوفية (المقدرة بحوالي 125 %) وارتفاع درجة الملوحة.
تزايد الطلب عـلى المياه في جميع القطاعـات دون الأخـذ بعين الإعتبار الموارد المائية المتاحة.
تراكم الترسبات بالسدود (حوالي 700 مليون م3) مما أدى الى تقلص طاقتها بحوالي 26%.
ضيـــاع المياه بشبكـــات الري والشرب (400 مليون متر مكعب) نتيجة نقص في أشغال الصيانة، من جراء عدة أسباب من أهمها إختلال التوازنات المالية للمؤسسات المكلفة بالتصرف فيها.
ضعف استعمال المياه المعالجة بنسبة لا تتجاوز 10% من الإمكانيات المتاحة.
ضعف المردودية الاقتصادية لعديد المنتوجات الفلاحية المصدرة (باعتبار الكلفة الاقتصادية الحقيقية
للمياه المقدرة ب 1.8 دينار للمتر المكعب) على غرار معجون الطماطم والقرعيات الموسمية ومنتوجات أخرى.
تسجيل فائض انتاج في عديد الغلال (بعد استهلاك كميات هامة من المياه) يصعب ترويجه بالأسواق الوطنية مما يؤدي الى اتلاف كميات هامة منها..

الإستراتيجية المستقبلية

لمواجهة المخاطر والتحديات التي تهدد قطاع المياه، خاصة ونحن في مفترق الطرق بين الوضعية الحالية التي ارتكزت أساسا على الموارد المائية التقليدية للإستجابة لطلب المياه، وبين ما ينتظرنا من تحولات مستقبلية وبالخصوص اختلال في التوازن بين العرض والطلب باعتبار بلوغنا النسبة القصوى لإستغلال مواردنا المائية التقليدية (الموائد الجوفية والمياه السطحية). مما يستدعي مراجعة جذرية في التصرف المندمج في مواردنا المائية.

تقتضي الإستراتيجية المستقبلية لقطاع المياه القيام بإصلاحات عميقة تأخذ بعين الإعتبار التأثيرات المنجرة عن التغيرات المناخية المرتقبة ومحدودية الموارد المائية التقليدية، وبالإعتماد على إعطاء الأولوية المطلقة للماء الصالح للشرب وضرورة إعادة النظر في أولويات المنتوجات الفلاحية التي أثبتت جائحة وباء «كوفيد19» أهميتها في غذاء التونسي. ممّا يستدعي مراجعة توجــهات الخــارطة الفلاحـية باعتبار الموارد المائية المتاحة وتركيز إستراتيجية وطنية متكاملة بين كل القطاعات، لحوكمة إستغلال الموارد المائية التقليدية وغير التقليدية بتطوير استعمالات المياه المعالجة وتحلية المياه بالضغط على تكلفة الطاقة بالإعتماد على الطاقات المتجددة ومراجعة التشريعات لتخزين مياه الأمطار بالمناطق الحضرية والريفية ورصد التشجيعات الضرورية لمزيد تركيز المواجل الفردية والخزانات الجماعية.

ان محدودية مواردنا المائية تستوجب تنفيذ خطة اتصالية مكثفة تشمل كافة المستعملين للمياه لمزيد ترشيد الإستهلاك وحسن توظيف الماء إقتصاديا واجتماعيا والحد من ضياعه وحمايته من التلوث وترسبات الأتربة بالسدود والحد من الإستغلال العشوائي للموائد الجوفية.

الحلول المـمكنة
تتمثل أهمّ الحلول المقترحة لمواجهة التحديات واشكاليات ندرة المياه فيما يلي:

1- المدى القريب: قبل سنة 2024

التسريع بمراجعة توجهات الخارطة الفلاحية حسب الموارد المائية المتاحة وربطها بامتيازات وتشجيعات الدولة.

ضبط خطة لضمان الحد الأدنى من الإنتاج الوطني الإستراتيجي والتقليص من المنتوجات التي تشهد فائض انتاج يصعب ترويجه بالأسواق الوطنية (القواص والخوخ) مما يؤدي الى اتلاف كميات هامة منها وكذلك المنتوجات المصدرة بمردودية إقتصادية سلبية باعتبار البصمة المائية والتكلفة الحقيقية للماء على غرار معجون الطماطم والقرعيات الموسمية (الدلاع) ومنتوجات أخرى.

الإنطلاق في إصلاحات الإطار المؤسساتي لقطاع المياه واصلاح منظومة المجامع المائية.
الإجماع الوطني على التوجهات المستقبلية لقطاع المياه بتشريك البحث العلمي والخبراء والمجالس المحلية والمجتمع المدني وعرضها على المجلس الأعلى للمياه وخاصة فيما يتعلق بالمشاريع المهيكلة للقطاع.

2- المدى المتوسط: قبل سنة 2030
تنفيذ خطة عملية للحد من ضياع مياه الشرب الى نسبة 15% والري الى 20%قبل سنة 2030.
دراسة وتنفيذ مشاريع استغلال المياه المعالجة بالمناطق التي تشكو من نقص في مواردها المائية.
تنفيذ خطة عملية لحماية الأحواض المائية للسدود المهددة بالترسبات بما في ذلك جهر البحيرات الجبلية والسدود التلية للتقليص من الترسبات المتجهة نحو السدود الكبرى ودراسة إمكانية جهر بعض السدود متوسطة الحجم على غرار سدود الوطن القبلي.
استنباط أصناف زراعية تستهلك أقل كميات من مياه الري.
إقرار حوافز مالية وتشجيعات لإنجاز منشآت حصاد مياه الأمطار بالمناطق الريفية والحضرية (خاصة بالمباني السكنية الجماعية والوحدات الفندقية والمصانع والمنشآت العمومية) لما لها من أهمية في الاقتصاد في الماء والحماية من الفيضانات والتقليص من الضغط على شبكات تصريف مياه الأمطار (يقدر معدل حجم مياه الأمطار بالمناطق الحضرية بحوالي 350 مليون م3) بالإضافة الى إمكانية استغلال المياه المجمعة في ري المساحات الخضراء والتنظيف وأغراض أخرى.

3- المدى البعيد: قبل سنة 2035

بعث مشاريع كبرى في مجال الطاقات المتجددة للضغط على كلفة استغلال مشاريع تحلية المياه الحالية والمبرمجة.
تنويع مصادر المياه الغير تقليدية وفي مقدمتهم تحلية المياه المالحة ومياه البحر والرفع من طاقة استعمال المياه المعالجة الى نسبة 50%.
التعمق في دراسة انجاز 3 محطات تحلية مياه البحر بالإعتماد على الطاقة الشمسية بكل من الصخيرة بولاية صفاقس لتوفير المياه للحوض المنجمي بقفصة والثانية بالمنستير لتوفير المياه للزراعات المحمية والثالثة بالوطن القبلي لمواجهة نقص المياه بالوطن القبلي.
تطوير البحث العلمي في قطاع الطاقات المتجددة والمياه ومختلف استعمالاتهم بالتعاون مع البلدان المغاربية وكذلك مع البلدان الأخرى.

لبلوغ هذه الأهداف وتحقيق المقترحات، بات من الضروري والمؤكد تظافر جهود الجميع وإرساء الثقة المتبادلة بين مختلف المعنيين بقطاع الماء. وفي هذا الإطار يمكن للمجلس الأعلى للمياه أن يقوم بهذا الدور بتجميع كافة الأطراف المهتمة بقطاع المياه (المؤسسة الحكومية والمنظمات الوطنية والجماعات الجهوية والمحلية والمجتمع المدني وممثلين عن مكاتب الدراسات والخبراء وكل من يهمه قطاع المياه)، كل هذا في إطار شراكة فعلية لإرساء رؤية مستقبلية واضحة وإبداء النظر في الإستراتيجيات ومتابعة تنفيذ البرامج والمخططات وتقييمها بصفة دورية ومراجعة الخيارات كلما تستدعي الضرورة ذلك لتحقيق إستدامة الموارد المائية وضمان حقوق الأجيال القادمة.

جمال العبيدي
مدير عام سابق بوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري
                                             
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.