لمحة عن المسيرة المتنوعة للفنان التونسي محسن الرايس (صور)
بقلم فاخر الرويسي - يعتبر محسن الرايس أحد رواد جيل الاستقلال في مجال الاغنية التي عرفت ازدهارا لافتا ومنعرجا جليا بعد نيل تونس استقلالها. فهو ينتمي الى جيل المجدّدين الذين رغم تحديثهم للأغنية التونسية واعتمادهم على تقنيات وآلات غربية عصرية ضلوا أوفياء للطابع التونسي وخصوصياته. أنيق، متعدّد الميولات والمواهب الفنية التي يجد فيها ذاته وتعكس شخصيته المتفرّدة التي تأخذ من كل شيء بطرف... طيب المعشر... تلقائي وسهل التواصل... تشعر بصدقه وصداقته من لقاءك الأول به.فهو فنان شامل: مطرب، ملحن، شاعر غنائي، مهندس معماري، مصور فوتوغرافي ورسام تونسي، ولد بتونس العاصمة 8 نهج النخاخلي بمنطقة رأس الدرب ومعقل الزعيم في 14 فيفري 1936، سليل عائلة مولعة بالفن والموسيقى. زاول تعليمه بالمدرسة الابتدائية الكائنة بنهج بوخريص ثم بالمدرسة القرآنية بسيدي منصور. ثم تابع تعليمه العالي بمدرسة الفنون الجميلة اختصاص الهندسة المعمارية والرسم والنحت.
اهتم بالفن والغناء منذ نعومة اضفاره، واكتشف مواهبه عازف القانون محرز عاشور الذي قدّمه لعازف الأكورديون محمود الثامري، ثم الى فرقة "نجوم المنار" بقيادة الفنان البشير جوهر والهادي الصنهاجي.
برز للجمهور في خمسينات القرن الماضي الى جانب عدد من مشاهير المطربين التونسيين خلال الحفلات الرمضانية التي كانت تقام بقصر الجمعيات الكائنة بشارع باريس. لذلك نشرت صورته على اللافتات الاشهارية مع مجموعة من الفنانين البارزين الذين سبقوه مثل علي الرياحي وفتحية خيري وناريمان ويوسف التميمي والهادي المقراني ومحمد احمد وصفية الشامية ونعمة.
سنة 1959 سجل اول اغنية له بالإذاعة التونسية "قولولو" لمختار فخري وموريس ميمون وأصبح يلقب بمغني الشباب في مطلع الستينات لما تميزت به اغانيه من تجديد وانفتاح على الموسيقى الغربية المنسجمة مع ايقاعات " التشا تشا تشا" و"الرّمبا" و"التويست" و"الرّوك".
سنة 1961 هاجر محسن الرايس لباريس اين استقبله بحفاوة كل من موريس ميمون ومنصور المجدوب واحمد حشلاف، هذا الثلاثي الشهير الفاعل في الوسط الفني المهجري بفرنسا. وسرعان ما ألقوا به واقحموه بالوسط الفني وعرّفوا بفنّه. والى جانب ذلك وبالتوازي، أصرّ محسن الرايس على مواصلة دراسته العليا بمدرسة باريس للفنون الجميلة في نفس تخصصه الذي بدأه بتونس.
سنة 1966 سجل اول اغنية بالتلفزة الوطنية عند انبعاثها فوهي " تعرفني نغير" كلمات عمارة المرسني والبشير جوهر وبذلك أصبح يشارك في المنوعات التلفزية.
تمكن في باريس من تسجيل اغنيته " في يوم الاثنين" بأسطوانته الأولى قطر 45 بمعية عازف الكمان المصري الملحن عطية شرارة. عقبتها اسطوانته الثانية سجلتها له الشركة العالمية الشهيرة « باتي ماركوني" Pathé Marconi بإدارة صديقه أحمد حشلاف بأغنية "فتّح على خدّك وحفل" وهي من كلمات محمد صمود وتلحين احمد حمزة.
وبعد بروز تكنولوجيات الأقراص وازدهارها في الاسواق أنتج له صديقه الحميم ورفيق دربه منصور المجدوب بشركته " الفن سمكة" القرص الأول الحامل لعدد من الاغاني الخفيفة.
أدى محسن الرايس عشرات الأغاني التي لحنها له مشاهير الملحنين التونسيين مثل احمد حمزة وعبد الحميد ساسي والشاذلي أنور ومحمد رضا وموريس ميمون ومنصور المجدوب ومحمد أحمد والهادي الجويني ومحمد التريكي وعلي العيد ومحمود الثامري والبشير جوهر وصابر الربيعي وحكيم بالقايد والناصر صمود والهادي مبروك ومحمد القرفي ومحمد سعادة وتوفيق الناصر و منذر بركوس و حسن الغربي وغيرهم. ومن المصريين محمد الموجي وسيد مكاوي وبلغيث حمدي وعطية شرارة وعزت عطية. والليبي كاظم ندين والجزائريين تايسي عطية وعاقلي يهاتن وايدير. واللبنانيين نهاد طربية وسارج بريسّي، والسوري الفرنسي ميشال قنواتي.
خلال تواجده بفرنسا اشتغل كمطرب ومنشط حفلات بعدد من النوادي الليلية وأبرزهم «الجزاير" و"النوماد"، كما زار عديد العواصم الأوروبية لإحياء حفلات الخاصة بالجاليات العربية وكذلك البلدان العربية منها مصر ولبنان والبلدان المغاربية.
ومن أبرز مشاركاته الفنية الباريسية التي تميز فيها هي الحفلة التي أقيمت بقصر المؤتمرات وقاعة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة Unesco التي ابهر فيها الجماهير بمعية النجمة الشهيرة سامية جمال وسعاد توفيق. وبقصري الرياضة بكل من باريس وليون، دون ان ننسى اعتلاءه ركح "الأولمبيا" L’Olympia الشهير بمعية عبد الوهاب الدوكالي وناس الغيوان.
يعدّ رصيده الغنائي أكثر من 196 اغنية سجل منها قرابة العشرين أسطوانة قطر 45 وأكثر من اثني عشرة أسطوانة قطر 33 مع خمسة عشرة شريط كاسات متعاملا مع "باتي ماركوني" و " صافي" ودنيا" و"الفن" و"التغم" ونادي الأسطوانة العربية.
اما في المجال السنيمائي فقد أدى أدوارا عديدة منها في الفيلم الأمريكي" فرانتيك"Frantic الى جانب الممثل العالمي "هاريسون فورد"Harrison Ford . كما أنتج له "باللونة" المخرج بالتلفزة الفرنسية شريط فيديو وشركة «بوسي فيزيون" لصاحبها منصور المجدوب.
محسن الرايس شاب على الدوام لذلك لم يتوقف مشواره وعطاؤه الفني، فهو بصدد الاعداد لمشروع ألبوم جديد علما وانه حرص واصرّ على تسليم المشعل لابنته نهى رحيم، الفتاة الموهوبة صاحبة الصوت الملائكي ونجمة منوعة "ذو فويس" 2019 الشهيرة واضعا تحت تصرّفها رصيده الغنائي وتراثه الفني في إطار مشروع تحديثي بتوزيع عصري يعتمد على التقنيات العصرية.
تميز مشوار محسن الرايس الفني بالثراء والتنوع والانفتاح والتعصير في مجال الاغنية لذلك فهو يعتبر من المجددين للأغنية التونسية ما جعله محل اعجاب الجميع واهتمامهم ولقد اهلته مواهبه المتعددة لنيل عديد الاوسمة وشهادات الشكر والتقدير في العديد من المناسبات من لدن الكثير من البلدان وخلال باقة من التظاهرات الثقافية الهامّة.
لم تتوقف هواياته عند هذا الحد، فهو صاحب مكتبة ثرية بالأغاني وصور الفنانين النادرة ونظرا لأهميتها والقيمة الفنية التي تكتسيها وهب جزء منها للمكتبة الوطنية سنة 2014 كمساهمة منه لإثراء الأرشيف التونسي.
فاخر الرويسي
- اكتب تعليق
- تعليق