مكافحة الإرهاب: الالتباسات والأخطاء الشائعة
بقلم العقيد المتقاعد محسن بن عيسى - لا شك أنّ الإرهاب أصبح من العناصر الأساسية في السياسة على المستوى الوطني والدولي. ويبدو أنّ تكاثر الأخطاء الاستراتيجية والتكتيكية والعملياتية والخلط بين بعض المفاهيم المعرفية والمصطلحات العسكرية أدّى إلى إضعاف نطاق الرسالة التي كان من الممكن توجيهها إلى الإرهابيين.
لقد أضاع صراع التأويلات والالتباسات الفرصة لتعزيز السلام وأبرز في نفس السياق الحاجة لسياسات جديدة تقضي باتباع مقاربة شاملة تعالج بصورة مباشرة الدوافع التي أدت الى ظهور هذه الجماعات.
حدود المعالجة الأمنية
لقد شكل الأمن السياسي والعسكري من الناحية التاريخية الاهتمام الأول للمجتمعات واعتبر تطوير الاستراتيجيات مهمة ذات أولوية في بناء أنشطة الدولة والمؤسسات العامة. لذلك وعلى ضوء التحولات السياسية والاجتماعية الجارية يتجه الفكر الاستراتيجي المنفتح على مختلف الاختصاصات العلمية البحث عن رؤى جديدة لمكافحة الإرهاب. رؤئ تكرس المجابهة الفاعلة التي تعمل على استئصال الخطر عبر مقاربة متعددة الاختصاصات.
لا بد أن نؤكد أنّ الأمن لم يكن أبدا خارج السياسة و لا يزال التاريخ يذكر دوره كعامل في دعم الاستقرار. ولكن اختلاف السياقات السياسية عمّق الالتباس وشرّع السؤال حول نجاعة الخطط المعتمدة لديه، فالحل الأمني ضروري لكنه غير كاف لمواجهة الظاهرة.
تتراوح المحددات الرئيسية للإرهاب بين السياسة والإيديولوجيا والقومية والانفصالية والعرقية والدينية والإقليمية وحتى الاجتماعية والاقتصادية. وجميعها تضيف للمجتمع بطريقة أو بأخرى تيارا يزيد من تعزيز التوجه الإرهابي لدى مجموعات وشرائح مختلفة من الشعب.
فالإرهاب الحديث والذي يهمنا ليس فقط صداما بين الأديان والأمم والحضارات وإنما الإرهاب الذي يوظف الفقر والمناطق المهمشة والظلم الاجتماعي لغايات أيديولوجية - دينية. هناك فئات تشكو من اليأس والبِؤس وهي جاهزة لتحقيق أي أهداف حتى لو كانت حربا. واعتبارا وأنّ الإرهاب بوصفه أكثر قسوة فهو من أكثر الأساليب التي يلجؤون إليها.
الارهابيون يعيشون بيننا ونحن من بين الأهداف المحتملة لهجماتهم وهم مستعدّون للتصرف في كل مكان، ومن المستحيل وضع حواجز في كل مكان، ومن المستحيل توفير الحماية الفعالة لكل منزل وكل مؤسسة وكل شخص، حتى لو تحول المجتمع بأكمله إلى بنية أمنية واحدة.
لقد أصبح واضحا أنّ ما حصل ويحصل هو أكبر بكثير من التدابير الأمنية ويتجاوز ذلك إلى تحولات كبرى تطال المجتمع وثقافته بأسرها. وأنّ المشكلة تكمن في عملية الخلط بين الدراسة العلمية للإرهاب كظاهرة اجتماعية إنسانية وبين مكافحة الإرهاب وأساليبه المختلفة التي ترتكز على الجوانب الأمنية والعسكرية البحتة.
التأويل الخاطئ لمصطلح " الحرب"
يواجه مصطلح " الحرب على الإرهاب" انتقادات منذ ظهوره لفقدانه لمدلول عيني واقعي وغموضه على المستوى القانوني. فالإرهاب ليس كيانا وإنما أسلوب عمل وردّ فعل قبل أن يكون فعلا، واقترانه بلفظ الحرب لا يتناسب حتى في معناه المجازي مثلما تناسبت مصطلحات " الحرب على الأمية" "أو الحرب على الفقر" وغيرها.
وبناءً على ذلك فان المفاهيم المتداولة لا تفي بالغرض ولاتتلاءم مع الوقائع، فمجابهة الإرهاب ليست حربا ولا مواجهة بين جيوش نظامية وبين دول صاحبة سيادة. وانما مجابهة لعنف دموي خارج عن إطار كافة القوانين، عنف صادر عن جماعات فوضوية تعلن عداءها الصريح للدولة وتمردها على السلطة والسيادة.
أشاطر الرأي القائل بأن كلمة حرب تنطبق على سياق محدّد، وهو سياق يتقاتل فيه كيانان معترف بهما على المستوى الدولي وفقا للقوانين المعمول بها" اتفاقيات جينيف والبروتكولات الإضافية والقانون الدولي الإنساني". لقد تم الباس الإرهاب لباسا ليس على قياسه، فهو لا يملك إمكانيات العدو الاستراتيجي الذي يقدر على هدم مجتمع معين ونظامه وفلسفته.
إن معظم التدابير التي تتخذها الدول وغيرها من الجهات من أجل تجنب أعمال الإرهاب أو وضع حد لها لا ترقى إلى النزاع المسلح لا بمفهومه العملي ولا بمفهومه القانوني. ولكن الولايات المتحدة اعتبرت ماحدث في 11 من سبتمبر 2001 بمثابة حرب استهدفت مواطنيها وامنها القومي، وتستوجب مواجهاتها باعلان حرب على الإرهاب كما بات يصطلح عليها الخطاب الأمريكي.
الواقع أنّ فكرة الحرب مثلما أشارت بعض التحاليل هي فكرة أيديولوجية بالدرجة الأولى وأنّ الولايات المتحدة تعمل منذ ذلك التاريخ على سحب تجربتها في الحرب على الشيوعية "الحرب الباردة" على فكرة الحرب على الإرهاب" الحرب على الإسلام"، لذلك انقسم العالم حيال هذه الفكرة وفقا لانقسام المصالح التي لاتزال متباينة.
لقد انطوت تدابير الحرب على الإرهاب من طرف الولايات المتحدة على انتهاكات في أفغانستان والعراق. وخلفت انطباعا يتمثل في أنها جزء من حرب أكبر للتغيير الجيوسياسي في العالم.
لذلك يكون من الأنسب الحديث عن مكافحة الإرهاب بصفته جريمة وظاهرة عالمية وعن مجابهته من حيث مكامن الفكر والتأثير في الأفراد وخلق جيل قائم على التعليم والثقافة وعن المعايير الأخلاقية التي ترسخ قيم الوسطية والاعتدال.
جدلية الخبراء المزعومين
لقد أحدث الخلط بين الدولة والسلطة ورموزها تفككا رهيبا وانفلاتا أمنيا وسياسيا واجتماعيا. كما وفر أرضية لأشباه الأكاديميين والدجالين الذين يزعمون أنهم خبراء والحال أنهم لا يملكون أية معرفة عميقة عن الإرهاب. للأسف نجد أنفسنا في كثير من الأوقات أمام حوارات إذاعية أو تلفزية هي في الأساس خليط مُضلّل من الحقائق وأنصاف الحقائق والمفاهيم المغلوطة.
ليس خبيرا كل من ينصب نفسه على هذا المعنى، وليس كل من انتمى الى الهياكل النظامية أو العدلية وغيرها أودرّس في مدارسها هو في الواقع خبير. فاستغلال الفراغ القانوني وانتحال هذه الصفة فيه استغباء لأصحاب الاختصاص والرأي العام والمواطنين. والغريب هو وجود شبكة من العلاقات تشجع على ممارسة هذا التطفل وتروّج له. إنّ المؤهل الأكاديمي والخبرة العملية والتدرّج في سلم العمل البحثي هي وحدها التي تصنع الخبرات.
ومهما كان مدى صدى وفاعلية خطاب هؤلاء الخبراء المزعومين... فالإرهاب يزداد شراسة يوما بعد يوم حتى صار عبثيا يضرب في كل اتجاه وبكل الوسائل. ومن ثم فان المعالجة الجادة تتطلب إصلاحا حقيقيا في جملة العوامل والظروف التي تساعد على وجود هذه الظاهرة.
لا شك أنّ أهمية القضايا الأمنية المعاصرة وخطورتها تتطلب تعاون علمي وثيق وجهود علمية مكثفة من قبل اختصاصين في شتى العلوم ومن شتى أقطار العالم. لقد أصبح العالم يتنادى لمواجهة الإرهاب والعنف السياسي، ويحاول أن يضع الخطط الاستراتيجية الفعالة.
العقيد المتقاعد محسن بن عيسى
- اكتب تعليق
- تعليق