التجليات الوجدانية والروحانية للجسد الأنثوي لدى الرسامة كوثر الجلازي كاسو (ألبوم صور)

بقلم كاهنة عباس - نظم فضاء "عنبر ومسك" بضفاف البحيرة ،معرضا تشكيليا للرسامة كوثر الجلازي كاسو خلال المدة المتراوحة بين 25 سبتمبر إلى  18 أكتوبر 2020.

وتتميز لوحات الرسامة رغم اختلافها بتناولها لموضوع أساسي يتمثل في رسم الجسد الأنثوي في حالات شعورية وروحانية متعددة، عنوان المعرض :"ما يتصل بالروح" D’âme.

وتجدر الملاحظة، أن أول خاصية تبدو للمتلقي عند مشاهدته للوحات: هو استعمال الرسامة لخيط  3D الذي نسجته في شكل فساتين رقيقة، لتلحقه بالجسد الأنثوي المرسوم على اللوحة كي يتخذ هيئة فستان رقيق فيغطي بعض مواضع ذلك الرسم.

لذلك يمكن القول، أن لوحات الرسامة كوثر الجلازي كاسو تتداخل فيها ثلاث أفضية : فضاء اللوحة الذي غالبا ما يمثل العالم الخارجي ، فضاء الجسد المرسوم الذي  يمثل  العالم الداخلي أو النفس، ثم الفضاء المخصص للخيط المنسوج في شكل فستان والذي يمثل   البعد الجمالي ونظرة الغير للجسد ،إنها الوسائل الفنية التي اختارتها الرسامة كوثر كاسو لتروي لنا قصة امرأة تعيش حالات وجدانية وروحانية متعددة، فتارة يتحد فضاء اللوحة  بالجسد المرسوم من خلال ألوان المتمازجة متعددة ،فيبدو الفستان كأنه خارج عن إطار تلك الوحدة ويدرك المتلقي أن الجسد الأنثوي يعيش تجربة شعورية وجدانية تجعله متحدا مع العالم الخارجي ،في حين  يتحول الفستان إلى مظهر من مظاهره الخارجية المنفصلة عن ذاته الحقيقية، وطورا يتبين المتلقي أن الجسد الأنثوي تجاوز كل حدوده الحسية الجسدية من خلال التأمل، إذ يمتزج فضاء اللوحتين الأولى  ذات اللون الأخضر والثانية ذات اللون الأزرق ويتوسع ليتحد مع لون الجسد ،فإذا بالرسمين يوحيان للمتلقي ببعدهما الصوفي لاتحاد النفس وعالمها الداخلي بالعالم الخارجي ،وفي لوحات أخرى تبرز لنا الرسامة الحالات الوجدانية الشعورية لذلك الجسد  من خلال استعمالها لعدة ألوان، إلا أنها تجعله منفصلا الانفصال التام عن فضاء اللوحة برسم حدود تشكيلية واضحة تفصل كل منهما عن الآخر.

لم تكتف الرسامة برسم عوالم النفس والوجدان والتأمل، بل إنها سعت أيضا إلى منح ذلك الجسد حضورا شاملا وتاما من خلال الحجم الكبير للوحات أخرى والاستغناء عن الألوان والاكتفاء بالرسم والتركيز على جمالية الفساتين لإبراز ذلك الحضور في المكان والزمان بكل ما يتمتع به من أناقة وجمال.

كذلك، تكشف لنا الرسامة العلاقة المتميزة بين الروح والجسد ،أي بين البعد المادي الحسي والبعد الروحي، بين ما هو باطن وما هو ظاهر، بين ما هو وجدان وشعور وما هو تأمل وحضور ، بين ما هو مادي ( الخيط الذي استعملته) وما هو خيال ورسم ،فتبرز لنا أن الجسد هو مكمن المشاعر والانفعالات، به تحل الروح ومن خلاله تتجلى في أكثر من هيئة وشكل وصورة.

وقد عبرت الرسامة عن تلك الحالات الوجدانية من خلال العناوين التي اختارتها للوحاتها : أنا أتأمل، أنا أحلم، أنا أتحدى، أنا أتوه، أنا أحب نفسي، أنا أزهو، أنا أغري ....ألخ

ومعنى ذلك، أن تمثل الجسد الأنثوي من وجهة نظر الرسامة كوثر الجلازي كاسو يختلف عن التصور الكلاسيكي لجسد المرأة الذي غالبا ما كان يرسم من وجهة نظر العديد من الرسامين الرجال باعتباره محل فتنة وإغراء وأداة للشهوة لاكتفائهم بإبراز مواطن الجمال الشكلي فيه دون الخوض في أحاسيسه الخفية وعالمه الداخلي، بأن أظهرته في هيئة كائن حي تخترقه حالات وجدانية وشعورية مختلفة بينما كان يتوق إلى بلوغ عوالم الروح المجهولة ، إنه الجسد المنسجم مع فساتينه دون أن يسجن فيها، وهو الجسد المتحد مع الطبيعة وهو الحاضر في المكان والزمان كي يغمرهما.

وخلاصة القول، يبدو لنا الجسد الأنثوي من خلال لوحات الرسامة كوثر الجلازي كاسو، في صورة الكائن الذي لا يستقر على حال، في بحث دائم عن حقيقة جانبه الروحي حتى يمنحه الاستقرار والسكينة والهدوء  فنتبين بذلك العلاقة الملتبسة بين الروح والجسد من خلال رسومها.

علاوة على عرض  تلك اللوحات، فقد جمعت الرسامة، من خلال أعمال أخرى تضمنها المعرض، بين المهارة اليدوية وما تستوجبه من حرفة وتقنيات الفن التشكيلي ،بصنع بعض المعدات الفنية مثل  طاولة و فوانيس  من الخيط الرقيق (3D) فأبدعت في تصميم وهندسة نقوشها باعتبارها الوجه الآخر لعالم مرأة الخاص  بأسراره وجمالياته.

كذلك تنتقل الرسامة كوثر الجلازي كاسو من الرسم الى النقش الى النسج، باعتبار أن العمل  الفني لا بد أن يكون حيا لا من خلال ما يرويه من سرديات وما يعبر عنه من معان فحسب بل من خلال المادة التي يتشكل منها وتفاعلها مع كل ما يحيط بها من أجواء ورسوم.

كاهنة عباس