أخبار - 2020.09.30

الشيخ صباح الأحمد، أمير الكويت ورائد العمل الإنساني وصديق تونس، الذي فقدناه (ألبوم صور)

الشيخ صباح الأحمد، أمير الكويت ورائد العمل الإنساني وصديق تونس، الذي فقدناه

يشهد بيته وسط رياض الورود والرياحين بضاحية سكّرة بتونس على متانة الوشائح التي تربط أمير الكويت الراحل، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بتونس، وقادتها وشعبها. وتشهد زياراته التي كادت لم تنقطع منذ عقود، على مشاعر محبّته، وعمق معاني الصداقة التي وثّقها على مدى السنين.

وليس أدلّ على ذلك من استجابته في السنة الماضية لدعوة رفيق دربه الديبلوماسي، ونظيره الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، لآداء زيارة رسمية لتونس، ولحضور الدورة 30 لقمة رؤساء الدول العربية، في موفّى شهر مارس 2019.

وقد كانت الأيام الثلاث التي قضّاها بين ربوع قرطاج وقمّرت وضواحي العاصمة، أوقات ممتعة، تجددت خلالها صلات الأخوّة، حرص خلالها الرئيس قايد السبسي على إحاطة ضيفه المبجّل بأعلى مراسم التشريفات، وخصّه بأحرّ استقبال في قصر قرطاج، وما انفكّ يزوره كل يوم في مقرّ إقامته، وكأنّهما كانا الاثنين لا فقط في استحضار أعذب الذكريات وإنّما أيضا في لحظات وداع، رحمهما الله.

مع المنجي سليم في نيورك

وليس ذلك بغريب على سموّ الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الذي جبل منذ شبابه على محبة تونس، البلد السبّاق للاعتراف باستقلال الكويت يوم 19 جوان 1961، وأيضا البلد الذي كان في طليعة المجتمع الدولي لرعاية قبول دولة الكويت بالأمم المتّحدة، وكان السفير المنجي سليم، ممثل تونس بنيورك ورئيس الجمعية العامة في دورتها 16 سنة 1961، قد تلقّى تعليمات من الرئيس الحبيب بورقيبة لحشد الدعم الدولي لفائدة الكويت، وتمّت بالفعل المصادقة بالإجماع يوم 7 ماي 1963 على انضمامها.
ويذكر التاريخ، أنّ الوفد الذي أرسلته الكويت إلى نيورك آنذاك كان برئاسة الشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية،الشاب المتوقد نشاطا وحيوية، والمتوهّج فكرا.

تعاون اقتصادي متميّز منذ 1963

ولعلّ هذه الروابط الوثيقة هيالتي أسّست لتعاون اقتصادي متميّز، انطلق بتمويل كويتي لمحطة انتاج الكهرباء بحلق الوادي سنة 1963، ليتسع لعديد المجالات الأخرى ويتجسّم من خلال انشاء المجموعة التونسية الكويتية للتنمية (التي أطلقت سلسلة فنادق أبو نواس وموّلت عديد المشاريع الهامة) والبنك التونسي الكويتى والمجمع الكيميائي التونسي وغيرها، كما أسهمت في دفع التعاون الفني بإيفاد المئات من الأساتذة والأطباء والممرّضين والمهندسين في قطاعات الكهرباء والمواصلات والطاقة إلى دولة الكويت حيث كانوا ولا يزالون محل كل كرم ضيافة وكبير تقدير.

مع بورقيبة وياسر عرفات والشاذلي القليبي والباجي قايد السبسي

وبحكم انتقال جامعة الدول العربية (1979) ثمّ منظمة التحريرالفلسطينية (1982) إلى تونس، تضاعفت زيارات الشيخ صباح إلى تونس حيث كان يحظى دوما باستقباله من قبل الرئيس الحبيب بورقيبة والزعيم الفلسطيني ياسر عرفاتوسائر القيادات، وأمين عام الجامعة، الأستاذ الشاذلي القليبي، ونظيره الباجي قايد السبسي. وكانت هذه المحادثات المتواصلة والمشاورات المسترسلة، في أزمنة حسّاسة جدّا وقضايا ملتهبة، على الرغم من دقة المواقف، وتباين آراء القيادات العربية، فرصا للعمل على تقريب الرؤى، ونبذا الخلافات، ورأب الصدع العربي، وترسيخ قيم التضامن.

لقاءات الشيخ صباح مع الرئيس بورقيبة كانت غوصا في أعماق العلاقات الدولية وشعابها، ونهلا من خبرة طويلة راكمها المجاهد الأكبر ويثريها رئيس الديبلوماسية الكويتية الشاب النابه، من خلال تحركاته المكثفة حول العالم.

وكان بورقيبة، صديق الكويت الوفيّ وأمرائها، استنجب الشيخ صباح، وأعجب بشخصيته الهادئة البشوشة وبأسلوبه الرقيق في التعامل مع أعوص القضايا، ليسعد دوما بلقياه وهو يقبل عليه باسما، حاملا لبشائر التفاؤل والأمل.

وعلى نفس النهج، سار الباجي قايد السبسي في علاقة أخوّة أكثر من صداقة أو زمالة، وقد بادر بزيارة دولة الكويت في مطلع سنة 2015 بمجرّد مسكه لزمام السلطة، وبقي على اتصال دائم به، يستعذب حديثه ويستلطف استذكاراته ويتشوق لرؤياه مجددا. وكثيرا ما كان الرئيس قايد السبسي يستدلّ بسمو الأمير الراحل كلّما تعرّض لواجب التضامن العربي، والتحلي بالرصانة في المواقف، وتعزيز العمل الخيري والإنساني، لا في العالم العربي فقط وإنّما في سائر أرجاء المعمورة.

وكان يطيب للرئيس التونسي السابق القول بأنّ ديبلوماسية تونس والكويت تتميزان بنفس الأسلوبوتنبعان من نفس المنطلقات وترتقيان إلى أعلى مراتب الفهم الصحيح للعلاقات الدولية والتعامل الأمثل مع القضايا المطروحة وتلتقي حول نفس الأهداف، مؤكّدا بأنّ الشيخ صباح كان له دور أساسي في بلورة هذا التوجه لدولة الكويت وحسن آدائه.

اعمار العراق

ولا يمكن تعديد مناقب الأمير الراحل الشيخ صباح دون التعرّض لواقعة تاريخية كان كاتب هذه السطور شاهدا عليها شخصيّا.

في قائضة صائفة 1990، أطلق صدام حسين جيشه يوم 2 أوت، لاجتياح الكويت في احتلال مذهل أدهش العالم وتسبب في معاناة لا مثيل لها لشعب الكويت، والمقيمين فيه، إذ تشتت أعداد هامّة منهم في المهاجر، ورزح من بقي بالكويت تحت وطأة الاحتلال ومعاناة ظروف العيش. ولكن هذه المحنة، على ضراوتها، لم تتم طويلا، إذ تحررت الكويت في 24 فيفري 1991، وسارعت باسترجاع عافيتها.

وعلى الرغم من الجراح المثخنة والخسائر الهامة المتكبّدة والضحايا، فقد لملم شعب الكويت آلامه ونبذ كل حقد أو ضغينة، وأعاد من جديد حبل التواصل مع شقيقه وجاره العراقي، ومدّ له يد العون والمساعدة، وقد كان لسموّ الأمير الشيخ صباح دور فاعل في ضخّ مشاعر الود وموارد التمويل، وضاعف كل ذلك منذ توليه إمارة دولة الكويت يوم 29 جانفي 2006.

الأكثر من كلّ هذا، هو أن الشيخ صباح حرص على إقامة مؤتمر دولي لإعادة إعمار العراق، دعا إليه أكثر من 75 بلد ومؤسسة مالية دولية وإقليمية و70 منظمة دولية و1800 من أكبر رجال الأعمال، وتولّى شخصياّ رئاسته على مدى ثلاث أيام من 12 إلى 14 فيفري 2018 بقصر السيف. ولئن كانت أقصى التوقعات تأمل في تعبئة مليار دولار، فإنّ الحصيلة الجملية بلغت 30 مليار دولار لتمويل عديد المشاريع في مختلف أرجاء العراق، وتعزيز بنيته التحتية وإعادة تشغيل الكهرباء والماء الصالح للشراب والمرافق الصحية والتعليمية وغيرها.

عنوان التراحم

هكذا كان الشيخ صباح، رجل خير ورخاء، عنوان حكمة وتراحم. تفتقده المجموعة الدولية اليوم وتفقد معه صوتا العقل وضمير التآزر، وتنعاه الأمّة العربية والإسلامية، قائدا فذّا، متبصّرا وترثيه تونس، أخا شقيقا، أحبّته وأحبّها، ونصيرا دوما لها ولقضايا الإنسانية.

ولعلّ ما يخفّف من الألم واللوعة، تقلّد وليّ عهده سمو الشيخ نواف الأحمد الصباح، إمارة دولة الكويت، مباشرة في تواصل وفيّ مع الثوابت العتيدة والقيم الراسخة.

رحم الله الشيخ صباح وطيّب مثواه وأعان الله خلفه الشيخ نواف على مواصلة المسيرة.

حفظ الله الكويت وشعبها الشقيق.

توفيق الحبيّب
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.