الأستاذ الدكتور محمد قدّيش، الشاب، الذي افتقدناه

بقلم، رفيق الدرب الأستاذ المختار الشك - كان لا بدّ أن أتناول الحديث حول السيرة الذاتية للأستاذ محمد قديش من جانبها الإنساني ومصدر منطلقاتها.

لقد التقينا منذ الصغر على مقاعد الدراسة بالمدرسة الابتدائية للذكور بالحمامات، وتواصل هذا اللقاء أولى حياته وفي كافة مراحلها، إلاّ أنّ مرحلة الشباب تبقى الأهمّ باعتبارها المرحلة التي ترسم الشخصية المستقبليّة وقد تزامنت تلك الفترة مع السنوات الأولى لاستقلال البلاد من الاستعمار الفرنسي، فالحماس والوطنية كانت دوافع للبذل والعطاء لبناء تونس الحديثة، فانخرطنا بالكشافة التونسية التي شعارها رفع اليد إشارة للتحدي، وإبراز الأصابع الثلاث لليد اليمنى التي، ترمز صراحة - تضحية - اخلاص.

ومنها كانت صراحته في القول لا تغيب عن أيّ أحد، والتضحية من أجل الآخرين جعله لا يبخل أبدا على مساعدة الضعفاء، والإخلاص عنده كان واجبا ولا يتخلى عنه مهما كانت المغريات.

فمن هذه القيم كانت إنسانيته مطبوعة ولم يتخلى عنها مهما كان موقعه.

ومن أجمل الذكريات التي عشناها والتي كانت حاضرة في أذهاننا كلّما سنحت الفرصة، ذلك المخيم المتنقل بين مدن الوطن القبلي للكشافة تجوالا على الأقدام وكنا نقيم في كلّ مدينة أو قرية سهرة كشفية يطلق عليها " نار المخيم" توقد النار في ساحة عمومية ونلتفّ حولها بحضور جموع غفيرة نقدم الأناشيد الوطنية والألعاب الكشفية والمسرحيات الهزلية إلاّ أن افتتاح السهرة تبدأ ببراعة محمد قديش بإلقاء خطبة حماسية يقلّد فيها الزعيم الحبيب بورقيبة بإتقان ودقّة في الحركات والنبرة الصوتية مذكّرا بالمبادئ سالفة الذكر، يخاله الكثير أنّه الزعيم أمام ظلمة المكان، ثمّ يندفع الكثير من الحضور لرفعه على الأعناق وهو يحيّ بيديه.

هذه منطلقات المبادئ التي لازمته طول حياته ولم يتخلّى عنها، رحمه الله.

الأستاذ محمد المختار الشك