علي الشاوش، الوطني الصادق، في أربعينيته هذا الأحد
يحتضن مقر ودادية قدماء المدرسة الوطنية للإدارة الكائن بالمنزه السادس (4 نهج عثمان ابن عفان بالقرب من المركزالثقافي) موكب أربعينية فقيد الوطن، وذلك يوم الأحد 20 سبتمبر2020 بداية من الساعة العاشرة صباحا (10.00)
أحد رجالات الدولة الوطنية
بقلم وجدي مساعد - لا يمكن لمن عايش المرحوم علي الشاوش لمدة تناهز الست سنوات –جنبا لجنب- ان يلخص مناقب الرجل في بضعة أسطر.
لقد التقينا اول مرة في إطار ملف تلفزي على القناة الوطنية (تونس 7 آنذاك) خصص للحديث عن التجهيز الأساسي في تونس.
كان هو وزير التجهيز والإسكان وكلفت انا بتمثيل التجمع الدستوري الديمقراطي في هذا الملف. ومنذ ذلك الحين اخذت العلاقة بيننا تنمو شيئا فشيئا الى ان جاء تعيينه امينا عاما للتجمع فوجدني مكلفا بالإعلام لدى سلفه. عندها انطلقت حقبة جديدة من مسيرتي الإعلامية الحزبية اتسمت مع المرحوم علي الشاوش بالتفاهم والتجاوب والثقة المتبادلة والاريحية الكاملة بحيث مجرد الإشارة كان كافيا للقيام بالمطلوب.
فالرجل رحمه الله رحمة واسعة واسكن روحه الزكية فراديس جنانه، كان غاية في التواضع ودماثة الاخلاق بما جعل مناخ العمل معه مريحا ومشجعا على التجاوز والإضافة.
يتفاعل بكامل الإحساس مع مختلف الحالات
كان يشعرنا – نحن المحيطين به - بأنه ليس المسؤول الذي يأمر وينهي بل الأخ الأكبر الذي يستشير ويوجه وينصح همه الوحيد اتقان العمل وضمان نجاعته.
كنت أكبر فيه حسه الإنساني المرهف إزاء كل الوضعيات التي تعترضنا في عملنا النضالي ولا سيما في الزيارات الميدانية للجهات داخل البلاد وحتى عند لقاءاته بأبناء جاليتنا بالخارج. قهو يتفاعل بكامل الإحساس مع مختلف الحالات التي يباشرها والتي يسعى الى إيجاد الحلول الملائمة لها بشتى الوسائل.
حتى في العلاقة مع وسائل الإعلام باختلاف أصنافها كانت مواقفه وتوجهاته وحرصه على تقديم المعلومة المفيدة والواضحة كانت كلها تساعدني بصفتي مستشاره المكلف بالإعلام والاتصال وتيسر لي السبيل في التعامل مع الزملاء الصحافيين على الرغم من دقة المرحلة وصعوبة المناخ السياسي.
وعندما نقول بأن على الشاوش كان عنوان الاستقامة ونظافة اليد ونقاوة السلوك فتلك حقيقة لا جدال فيها يقر بها كل من اقترب منه وتعامل معه. فهو الرجل ذو الفكر المتفتح الذي يتميز بدماثة الاخلاق وخصال الجد والإخلاص والنزاهة والتفاني في خدمة الوطن الذي ولد في أحضان روابيه اليافعة وترعرع بين مدنه واحيائه فكان الابن البار والمسؤول المحبوب المرحب به حيثما وضعته المسؤولية.
ومن خصال على الشاوش المسؤول وهو في موقع الأمين العام للتجمع الدستوري الديمقراطي القدرة التأليفية الفائقة لديه عند ترأسه للاجتماعات والندوات وغيرها سواء تعلق الأمر بالاجتماعات التحضيرية لدورات اللجنة المركزية والندوة الدولية للتجمع او باجتماعات لجنة الإعلام أو ندوة الكتاب العامين للجان التنسيق أو اجتماعات لجان التنسيق الموسعة بالجهات وغيرها او حتى بالندوات الصحفية التي تلتئم في العديد من المناسبات. فهو يستمع بكامل الأريحية لكل من يرغب في التدخل وأخذ الكلمة ثم يقوم بحوصلة مجمل ما يطرح من أفكار ومشاغل ومقترحات ليجعل منها ملفا للمتابعة. وكان حريصا على المتابعة من خلال التنسيق مع المسؤولين في الدولة ومع سائر الأطراف ذات العلاقة وذلك خوفا من ان تذهب حصيلة المجهود طي النسيان وان لا تحصل الفائدة المرجوة.
فن التباحث مع شخصيات دولية متميزة
وما أريد تأكيده في هذه الأسطر التي لا تفي المرحوم حقه في ذكر مناقبه وخصاله هو النجاح الذي يسجله كل مرة عند استقباله للوفود والشخصيات الأجنبية حيث تبرز الأبعاد الفكرية والثقافية والتاريخية والسياسية في تكوين الرجل.
يعسر علي استحضار ما عايشته معه من لقاءات مع عديد الشخصيات الأجنبية الشقيقة والصديقة والدولية في تونس او في الخارج كذلك سيما وأنني تركت مجمل وثائقي وتدويناتي في مكتبي بدار التجمع يوم غادرناها.
ولكنني لن أنسي مقابلته مع سفير الولايات المتحدة الأمريكية بتونس السيد وليام هودسن الذي انبهر بالزاد المعرفي الذي يتوفر لدى المرحوم علي الشاوش خاصة عندما سرد عليه تاريخ العائلات السياسية الأمريكية منذ نشأة الولايات المتحدة الى يوم التاريخ ذاك.
و لن أنسى أيضا مقابلته بدار التجمع مع السيد فرنسوا بايرو السياسي الفرنسي الذي كان ينتمي إلى حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية الفرنسية والذي أعجب بعمق التحاليل التي قدمها المرحوم بخصوص العلاقات التونسية الفرنسية أو التونسية الأوروبية او حتى الأوروبية الأوروبية. فما كان من السيد بايرو إلا أن توجه بالسؤال الى المرحوم قائلا " المعروف عن تكوينك العلمي اختصاص العلوم الاقتصادية فكيف اتيت إلى السياسة إذن؟ "
أجاب " أنا اصيل ولاية سليانة بالشمال الغربي ومن بلدة صغيرة اسمها بو عرادة. بدأت خطواتي السياسية الأولى مع الهياكل القاعدية وتدرجت في النضال السياسي المتواصل شيئا فشيئا إلى أن وصلت إلى ما أنا عليه اليوم أمينا عاما لهذا الحزب العريق"
وختم بايرو قائلا " ما كنت أتصور أن في تونس ساسة بهذا المستوى"
صافح بايرو المرحوم علي الشاوش بكل حرارة وقال له " أشد على أيديكم وأتمنى ملاقاتكم في باريس"
غادر على الشاوش التجمع وكان شعور الحسرة الذي انتابني لا يضاهيه الا شعور الاعتزاز بالثقة المتجددة في شخصه بتعيينه وزيرا للشؤون الاجتماعية والتونسيين بالخارج في ظرف دقيق ميزته كثرة القلائل الاجتماعية.
وللأسف الشديد لم اتمكن من حضور موكب تسليم المهام لخلفه الدكتور الهادي مهني الذي نحييه بهده المناسبة ونتمنى له الصحة والعافية وطول العمر.
علاقات الأخ بأخيه
لم احضر هذا الموكب لأنني كنت وقتها في مهمة بالخارج (زيارة عمل لإندونيسيا) فأبلغته تهاني بواسطة الهاتف إلى حين ملاقاته عند العودة إلى أرض الوطن.
وتواصلت علاقات الأخ بأخيه إلى آخر الأيام في حياته.
هذا قليل من كثير من خصال رجل اشعر بالنخوة والاعتزاز كلما ذكراسمه وبالسنوات التي قضيتها الى جانبه والتي اعتبرها من أروع فترات حياتي المهنية.
رحم الله فقيد الوطن على الشاوش رحمة واسعة وطيب ثراه.
وجدي مساعد
اعلامي وخبير في الاتصال
- اكتب تعليق
- تعليق