توفيق الحبيّب: تونـس، ليبيا، فلسطين، سـوريا واليمن...

بقلم توفيق الحبيّب - وكأنّ لظى الإرهاب هنا وهناك وسعير نيران الاقتتال وشبح المجـاعة لا تكفي وحدها لدفع شعوبنا نحو المحرقة فهاهو فيروس الكوفيد ينضاف إلى سجلّ المصائب. عشرات آلاف الإصابات والوفيّات أمام انهيار كامل للمنظومة الصحيّة وانحدار خطير للاقتصاد والمالية بما يسبّبه من افلاس مؤسّسات وتوقّف إنتاج وفقدان لمواطن الشغل وموارد الرزق.

ستّ سنوات واليمن "السعيد" تحت قصف النيران أصبح يعاني أكثر من 80 % من أبنائه من سوء التغذية وشح التموين.

وفي فلسطين السليبة، تُغتصب الأرض والحقوق ويتيه المهجرون بين المخيمات فيما تفتك الفاقة بالسواد الأعظم بينما تعقد صفقات القرن دون حياء... أو أدنى استنكار صارخ من الضمير الدولي.

ولا يمكن لسوريا ان تعتدّ بمصير أفضل وهي قيد الضغوطات الأجنبية المتقاطعة المسيطرة على أجزاء هامة من ترابها.

وعلى حدودنا الشرقية، أضحت الشقيقة ليبيا، مرتع المرتزقة والمخابرات والجيوش الأجنبية يسيل فيها الدّم جزافا وتنهب ثرواتها النفطية بكلّ نهم وجشع...

طبعا، تتعالى أصوات المجتمع الدولي للاستنكار، ويسارع المنتظم الأممي باستحثاث المشاورات ويصادق مجلس الأمن على قرارات وقف النار ومنع بيع الأسلحة وإجلاء المرتزقة وحلّ الميليشيات والتصدّي للإرهاب والتوقّي من الأوبئة تبقى كلّها مجرّد هراء لا تدخل أيّ كلمة منها حيّز التنفيذ على الميدان. فلا هدنة ولا هم يحزنون ولا تضامن ولا إغاثة ولا جهدا صحّيا أو إنقاذا.

ومن نعم الله على تونس أنّها نأت بنفسها على كلّ هذه المخاطر ساعية قدر جهدها على تفكيك منظومات الإرهاب ومجابهة فيروس الكوفيد-19 وآثاره، ومغالبة الأزمة الاقتصادية الاجتماعية الخانقة وهاهي تشهد انتصاب حكومة جديدة وسط صراعات سياسية عاتية ومصاعب متنوّعة وجمّة.

وإذ كانت سائر دول المواجهة في المنطقة ترنو إلى إيقاف الاقتتال ووقف إطلاق النار فإنّ تونس هي أيضا في حاجة إلى هدنة داخلية تعيد السكينة إلى النفوس وتقلّص منسوب المكانفة والاحتقان وتصرف الجهود لإيقاف نزيف المالية العمومية وإنقـــاذ ما يمكن إنقاذه لضمان الأمن والاستقرار وتوفير لقمة العيش والعناية بمرضى الوباء الجديد.

ونحن في خضمّ العودة المدرسية والجامعية واستئناف التفاوض مع صندوق النقد الدولي ومؤسّسات التمويل الأخرى، واستيفاء مشروع قانون الماليّة قبل عرضه يوم 15 أكتوبر على مجلس النواب، فإنّ الحكومــة الجديــــــدة لا حول لها ولا قوّة سوى أن تحظى بمعاضدتها وإرجاء المطالب المشطّة والعدول عن التحرّكات الاحتجاجية والمطلبية المتزايدة وإسناد توجّهها لحلّ معضلات المؤسّسات العمومية المنهارة، والإدارة المكبّلة بمئات الآلاف من الأفراد وعقيم الممارسات، وإنقاذ مواطن الإنتاج والعمل.

لكلّ هدنته المنشودة، المشروعة، ولتونس أولويتها القصوى في بسط الأمن وبعث الطمأنينة واستعادة عافيتها.

توفيق الحبيّب