أخبار - 2020.08.28

من هنا نبدأ: الإصلاح الجذري للنظام الانتخابي

من هنا نبدأ: الإصلاح الجذري للنظام الانتخابي

بقلم زهير المظفر - باسم الثورة دمرت البلاد، ووصلت إلى حالة الشلل التام، فجميع الحكومات المتعاقبة منذ 2011 ورغم وجود بعض الوزراء من كبار الكفاءات عجزت عن تنفيذ أي إصلاح يذكر. أنهي العمل بدستور 1 جوان 1959 الذي كان من أهم آبائه المؤسسين علي البلهوان المقرر العام للدستور وأحمد بن صالح رئيس لجنة التوطئة و المنسق العام للجان و أحمد المستيري وزير العدل آنذاك و الباهي الادغم و مصطفى الفيلالي   و عبد الرحمان عبد النبي و غيرهم من رجالات دولة الاستقلال.

انطلق المؤسسون الجدد بعد 2011 من ورقة بيضاء و تناسوا أن لتونس تاريخا عريقا في الدساتير : دستور قرطاج، عهد الأمان 1857 ، دستور 1861 أقدم دستور عربي على الإطلاق، دستور 1 جوان  1959 الذي وقع تعويضه بدستور الرئاسات الثلاثة الصادر في 27 جانفي 2014 على غرار دستور العراق –الذي نكن لشعبه القدير كل تقدير- و الحال أنه ليس لنا أكراد لنفردهم برئاسة الجمهورية و شيعة لمنحهم رئاسة الحكومة.

نحن شعب متجانس، نتكلم لغة واحدة ، كلنا سنيون مالكيون فاستكثروا علينا هاته النعمة الإلهية فقسمونا إلى علمانيين و اسلاميين.

و باسم الثورة أمعنوا في تفتيت الدولة فأحدثوا هيئات مستقلة لتصبح دويلات داخل الدولة و أقاموا سلطة محلية في الباب السابع من الدستور في ظاهرها لامركزية ديمقراطية و في باطنها ضرب لوحدة الدولة.

باسم الثورة تم حذف المجلس الاقتصادي و الاجتماعي الفضاء الذي كانت النخبة الاقتصادية و الاجتماعية تتبارى داخله في طرح الأفكار و تقديم المقترحات . كما قضي على هيبة الدولة و عوضت " بالمخراطنية" على رموز النظام بما في ذلك رئيس الجمهورية  و باسم حرية التعبير و الصحافة هتكت الأعراض و استبيحت الأخلاق و أصبحت البرامج الهابطة التي ضربت قيما تربت عليها الأجيال المتعاقبة في صدارة الأوديمات. انه الاستثناء التونسي.

لكن الأخطر من كل هذا و ذاك أنه باسم الثورة تم إقرار نظام التمثيل النسبي و اعتماد أكبر البقايا في إطار الدائرة الانتخابية الواحدة، فتمكن كل من ليس له قاعدة انتخابية من أن يصبح نائب شعب ببضع مئات من الأصوات و يحصل على الحصانة النيابية سيئة الذكر.

و من المفارقات أن يتواصل العمل بهذا النظام في الانتخابات التشريعية سنة 2014. و في غياب حصول أي حزب على الأغلبية المطلقة من المقاعد اضطرت الأحزاب إلى إبرام تحالفات غير طبيعية ، تحالفات هجينة، مغشوشة لم تصمد أمام الأزمات. و مع ذلك لم تستخلص الطبقة السياسية العبرة من هذا الوضع و ضرورة تغييره، و تواصل العمل بالتمثيل النسبي في الانتخابات التشريعية سنة 2019 فازداد التمثيل تشرذما في مجلس نواب الشعب. فسقطت حكومة  الحبيب الجمني قبل ولادتها، و أطيح بحكومة الياس الفخفاخ و هي ما تزال في المهد و اليوم مازالت البلاد في حالة انتظار ولادة عسيرة لحكومة هشام المشيشي.

إنها لعنة التمثيل النسبي الذي أدخل البلاد في عدم استقرار حكومي غير مسبوق.

ما لا يعرفه الكثيرون أنه سبق للحزب الشيوعي التونسي أن اقترح نظام التمثيل النسبي في انتخابات المجلس القومي التأسيسي سنة 1956 و في الانتخابات التشريعية الأولى التي جرت سنة 1959. فوقع رفض هذا الاقتراح خوفا من تشتيت التمثيل داخل البرلمان رغم أنه لم يكن لنا جهابذة في القانون الدستوري و أربع كليات للحقوق.

حان الوقت ليدرك من هم في السلطة و المعارضة أن إدخال إصلاحات في العمق أو ما يسميه البعض الاصلاحات الموجعة سيبقى مجرد وعود في غياب وجود أغلبية برلمانية قوية قادرة على التنفيذ.

يجب أن تضع الحكومة القادمة على رأس أولوياتها إدخال تعديل جذري على النظام الانتخابي لوضع حد للتمثيل النسبي و أكبر البقايا. لسنا في حاجة إلى كثير من الفلسفة والتنظير فأي طالب في السنة أولى حقوق سيجيب بكل تأكيد أن نظام التمثيل النسبي يؤدي إلى تشتيت التمثيل في البرلمان. راجعوا كتاب موريس ديفرجي MAURICE DUVERGER "الأحزاب السياسية" الصادر منذ سنة 1951 فستدركون أن اختيار هذا النظام أدخل البلاد في حائط باسم الثورة . و أعتقد جازما أن أي نظام آخر سيكون أفضل من النظام النسبي.

نظام الاقتراع الفردي في دورتين ، هذا النظام له عدة محاسن لأنه يمكن الناخب من حسن اختيار نائبه في البرلمان ، لكن لهذا النظام بعض المساوئ من ذلك أنه يساعد أصحاب المال و الجاه من المستقلين على الفوز في الانتخابات التشريعية على حساب  الأحزاب السياسية.

لذا فإنه يكون من المفيد اقتراح ما يلي:

1- العودة إلى نظام الاقتراع بالقائمة و بالأغلبية في دورة واحدة . لا يختلف اثنان من المختصين في القانون الدستوري أن هذا النظام يؤدي حتما إلى إيجاد أغلبية مريحة في البرلمان كفيلة بتحقيق الاستقرار و النجاعة في مستوى الانجاز . لا يجب أن نتعلل بعودة الاستبداد و نظام الحزب الواحد ... و العهد القديم ... يجب أن نتخلص من عقدنا ... مصلحة البلاد اليوم في أغلبية نيابية قوية قادرة على انجاز وعودها الانتخابية.

2- التقليص من حجم الدوائر الانتخابية قد يكون من المفيد أن نردف نظام الاقتراع بالأغلبية بالتقليص من حجم الدوائر الانتخابية فلا يتجاوز عدد المترشحين في الدائرة الواحدة اثنان أو ثلاثة .
3- التقليص من عدد أعضاء مجلس النواب من 217 إلى حدود 150 نائبا. في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 12 مليون نسمة فإن العدد الحالي لأعضاء المجلس يعتبر مشطا ، فكثرة الأعضاء تفقد النجاعة... الغريب في الأمر أنه بمناسبة تشكيل أي حكومة جديدة ترتفع الأصوات للمطالبة بتقليص عدد الوزراء و لم أسمع أصواتا تنادي بالتقليص في عدد أعضاء مجلس النواب.

4- التخلي عن تمثيل التونسيين بالخارج في البرلمان، أعلم جيدا أن هذا المقترح سيثير سخط البعض مع تقديري التام لأفراد الجالية التونسية بالخارج الذين يتقدون حماسا ووطنية . يجب أن تكون لنا شجاعة الإقرار بأن هذا التمثيل باهظ الكلفة و ضعيف الجدوى حتى لا أقول عديمها . الجالية بالخارج تحتاج إلى بعث مجلس أعلى للهجرة يتولى الدفاع عن مصالحها و قد سبق أن اقترحت إحداث هذا المجلس في العهد السابق و لكن مع الاسف فإن هذا المقترح لم ير النور ...

أعلم جيدا أن تعديل النظام الانتخابي ليس بالأمر الهين لتضارب مصالح الطبقة السياسية . ولكن على الأحزاب في السلطة و في المعارضة أن تدرك جيدا أنه بدون وضع مصلحة البلاد فوق مصلحة الأحزاب سينهار كل شيء إن لم يكن قد انهار بعد.

زهير المظفر

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.