محمد إبراهيم الحصايري: التّدوير والتربيع في مواجهة التطبيع...
بقلم محمد إبراهيم الحصايري - يبدو أنّ السّريالية السياسيّة العربية لا متناهية في الزمان والمكان، ولا حدود لها من الجهات الستّ... لا من فوق ولا من تحت... ولا من أمام ولا من خلف... ولا من يمين ولا من يَسَار... وهي تداهمنا في كل مرة بداهية جديدة أدهى من سابقاتها، وكأنّها بصدد التسبيح بأسماء الدّواهي التي قيل عنها قديما إن كثرتها من الدواهي...
وآخر داهية داهمتنا يوم الخميس 13 أوت الجاري هي داهية "اتفاق إبراهيم" أو اتفاق التطبيع بين الإمارات العربية المتحدة وبين إسرائيل التي كان الرئيس الأمريكي غريب الأطوار دونالد ترامب عَرَّابَهَا مثلما هي عادتُه دائما، منذ أن تربّع على عرش الولايات المتحدة، وعلى عرش العالم كما يريد وكما يتوهّم، وأعني بذلك عادة "الطّعن في العرب" مثلما كانت عادة سيف الدولة الحمداني، على حد تعبير أبي الطيب المتنبي "الطّعن في العدا"...
إنّ هذه الداهية التي تشكّل دونما شك مباركةً عربيّةً لـ"صفقة القرن" وهديةً ثمينة من هدايا عرب الخليج الأسخياء لواهب القدس والجولان وما تبقّى من الأراضي الفلسطينية المحتلة لإسرائيل، وهو يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة متطلعا الى الإحراز على ولاية رئاسية ثانية يجهز خلالها على القضية الفلسطينية فيقتلها ويدفنها ويريح العالم منها إلى أبد الآبدين، كانت في نظر صانعيها ومن لفّ لفّهم "انفتاحا" خارقا يدعو إلى الارتياح والانشراح، بينما لم تُثِرْ، عند بعض الفلسطينيين أولا، وعند بعض العرب ثانيا، إلا ردودَ فعل متناثرة واهنة تراوحت بين الارتخاء والتراخي الأشبهين بالرضوخ المستكين للأمر الواقع.
ولقد كانت بهتَتُهم شديدة حتى لقد أوقعتهم في حيرة من أمر ما حصل، ومن أمر ما يمكن أن يفعلوا فيه... ولذلك فقد رَأَيْتَهُمْ يجتهدون في تدوير المربّعات وتربيع الدوائر...
وفي رأيي فإنّ الفلسطينيين الذين تخلّى العرب عنهم كما لم يتخلّوا من قبل، حتى إنّ جامعتهم سكتت هذه المرّة عن الكلام المباح وغير المباح، ليس أمامهم إلا أن يعودوا إلى العمل بالقاعدة التي فهم الإسرائيليون أن "وجودهم" رهين باعتمادها والتي لخّصها الفليسوف"الوجودي" الفرنسي الشهير جون بول سارتر في قولته الشهيرة: "إذا أردت السلام عليك أن تستعدّ للحرب".
ولا يُعَوِّلَنَّ الفلسطينيّون على الشعوب العربية فهي لا تختلف عن أنظمتها لا سيّما في هذه المرحلة التي أعقبت ثورات ما سمّي بالربيع العربي، والتي جاءت لتنكّل بالبلدان العربية كما لم ينكل بها من قبل، تقاتلا وتقتيلا، وفُرقة وتفريقا حتى لم يعد لها من جامع بينها إلاّ الخوف من بعضها البعض والكيد لبعضها البعض...
وَلْيَعْلَم الفلسطينيون أنّ القادم أخطر لأنّ مكرَ أعدائهم لا يقف عند حد... ومثلما نجحوا، بمرور الزمن، في أن يرغموا الأنظمة على التطبيع، فإنّهم سينجحون في إرغام الشعوب عليه طال الزمان أو قصر، وَلْيَتَأمَّلُوا فحسب في مشروع القانون الأمريكي الجديد الذي يجري العمل على قدم وساق من أجل إصداره بإيعاز من "المجلس العربي للتكامل الإقليمي" الذي أنشئ في أواخر السنة الماضية بلندن، والذي يضم 32 شخصية عامة من 15 دولة عربية تعارض مقاطعة إسرائيل...
إنّ هذا المشروع الذي تضافرت جهود الحزبين الديمقراطي والجمهوري من أجل إعداده وتقديمه إلى الكونغرس يلزم وزير الخارجية الأمريكي بتضمين التقارير السنوية التي تصدرها وزارته عن وضعية حقوق الانسان في الدول العربية "حالات الاضطهاد" التي يتعرض لها المواطنون العرب الذين يدعون إلى السلام مع إسرائيل من قبل حكوماتهم، وذلك لحمايتهم من ناحية، ولإضعاف "عزيمة بعض دول جامعة الدول العربية" التي تواصل تطبيق قوانين مكافحة التطبيع، من ناحية أخرى...
فهل من عمل أو تحرك فلسطيني أو عربي مضادّ حتى لا أحرم أنا ومن يشاطرني نفس الأفكار من حقنا في الاعتراض على التطبيع والمطبّعين، وحتى لا نكون عرضة للعقاب الأمريكي إن تجرأنا على كتابة مقالات كهذا المقال؟
م.ا.ح
- اكتب تعليق
- تعليق