رضا القلال: هل تنتقل مأساة الكازينو والشفارالقديم والشاطئ البلدي وسيدي منصور... إلى شاطئ الشفار؟

رضا القلال: هل تنتقل مأساة الكازينو والشفارالقديم والشاطئ البلدي وسيدي منصور... إلى شاطئ الشفار؟

ذهبت إلى السيد وليد الرفاعي المدير الجهوي للشريط الساحلي بصفاقس بدون موعد، واستقبلني، ليس من وراء مكتبه على الكرسي الدائر، إنما حول طاولة الاجتماعات. وتجاوزنا بسرعة "بروتوكول" التقديم، وانخرطنا في الصميم. أول ما قاله لي: إن شاطئ الشفار أكثر المناطق هشاشة وحساسيّة على مستوى الشريط الساحلي بالبلاد التونسية، إلى جانب غار الملح، ووادي مجردة، والبقالطة (المنستير) وراس الرمل (جربة). وكلها ستتحوّل مستقبلا إلى مناطق بيئية محمية.
وموقع الشفار ينعم بمظهر طبيعي فريد، من الشواطئ الرملية الساحلية المتكونة من كثبان رملية متحركة، ومن مستنقع يتحرك بين الشاطئ وجزيرة العصافير الشهيرة التي فقدت عصافيرها المهاجرة، ولم يبق منها إلا الاسم. وبشاطئ الشفار منطقة مبرمجة للسياحة الداخلية، لا حديث عنها اطلاقا؟  إلى جانب مقسّمات راجعة بالنظر إلى المجلس الجهوي لولاية صفاقس، لم يحظ جيلنا بمقسمات أخرى منها؟ وتوجد بالشاطئ محطة سياحية عادت للعمل في هذه الصائفة وأدخلت حركية سعد بها المصطافون.

شاطئ الشفار: القصة، والحكاية !؟

قلت له: أنت تقحمني في قاموس طبي لأن "الهشاشة" مرض و"الحساسية" مرض وأنا جئت لأتحدث معك عن الرمل والبحر!، هل الوضع حقا بهذه الخطورة في الشفار، وكأنه تحوّل إلى "بؤرة" ونحن في زمن الكورونا؟  لم يتردّد وسرعان ما أجاب: الشفار القديم (نقطة) الآن في المرحلة الكلينيكية، وهو خاضع للعلاج. ولم يعد له شاطئ.

وكأنه فهم تساؤلي، وقارئا لما تبثّه عيناي: هل هذا مصير شاطئ الشفار؟ ودون أن أتكلّم أضاف بنبرة حادة وواثقة: الشفار الجديد امتداد للشفار القديم، وقد أثّر هذا الأخير فيه سلبا، ولا يقلّ"هشاشة وحساسية" عن نقطة. وطبيعيا وبيئيا نحن أمام شاطئ واحد. بل تجاوز شاطئ الشفار الجديد الحدود والضوابط، ودخل مرحلة الخطر بكل مقاييس التشخيص الإيكولوجي والبيئي. إنه يفقد بنسق سريع تربته، سواء بتسوية الأرض أو "طرحها" كما نقول لإيواء السيارات، أوبرفع الشاحنات لتربة الشاطئ لغرض البناء، أو بإزاحة الكثبان الرملية من طرف أو آخر، ولسبب أو لآخر، وكلها تهديدات جدية لشاطئ الشفار(الشفار الجديد). وباللغة الطبية به تجليات تنبئ بحالة مرضية جدية وخطيرة.

ومن الضغوط والتهديدات الأخرى التي تتراكم على شاطئ الشفار:

كثرة الرواد بدون أي رقابة خاصة في الفترة الصيفية

الافراط في استغلال الموارد القاعية للبحر بالصيد العشوائي

تلوث باطن الأرض بدون الربط الكافي بشبكة التطهير

رفع ونقل الرمال وتخريب الكثبان الرملية

تطور البناءات والمنشآت داخل المنطقة بالصلب وبدون مثال  تهيئة بالحد الفاصل بين البحر والشريط الساحلي

استغلال المفرط للشاطئ بدون احترام حرمة الملك العمومي البحري ومسافة الارتفاقات.

تلوث الارض بإحداث مصب عشوائي من طرف بلدية المكان مع  وجود  فضلات پلاستيكية

ظاهرة إنجاز مآوي بمنطقة الارتفاقات المحاذية للملك العمومي البحري :وهي أراضي على ملك المجلس الجهوي أو مخصصة للطرقات والأرصفة. حيث قام عدد من الأشخاص بحيازة مساحات بيضاء بواسطة حواجز من الأتربة (طابية) واستغلالها كمأوي للسيارات بمقابل وذلك بطريقة غير منظمة. كما عمد بعض السكان المجاورين للشاطئ إلى التوسع على حساب هذه العقارات كامتداد لمسكنه لتركيز مأوى للسيارات، والتجأ آخرون إلى بناء كشك لبيع المواد الغذائية ومراقبة حركة السيارات بمدخل المأوى، وللإشارة فإن التصرف في هذه الأراضي لا يرجع بالنظر للوكالة.

هجرة قسرية لسكان صفاقس بعد خسارة شواطئها...

هذه القصة بصيغة الايجاز والقصر، أما الحكاية فهي طويلة ولا أريد أن أزجّ بكم في تفاصيلها، ولكن عنوانها الرئيسي: انهيار بيئي بشاطئ الشفار، والأهم من مجرى هذا الجدل، ونقد الآليات الخفية، والوعي والممارسة والسلوك...، فالضحايا هم الأجيال القادمة. ممّا سيزيد من هجرة سكان المدينة القسري، وفك ارتباطها بالأبناء كما يحدث منذ سنوات، بعد أن خسرت المدينة منذ أكثر من 50 سنة شواطئ البلدية ونادي السباحة والكازينو وسيدي منصور...

وفي هذه الحكاية لا أبحث عن مذنب، أو فك شفرة المصالح المتداخلة الخفية والمعلنة، إنما أبحث عن حلّ وأعتقد أن السيد أنيس الوسلاتي، والي صفاقس ورقة إيجابية في هذا الموضوع، وذلك في سياق سعيه الريادي للعثور على حلّ نهائي لما صاغه الواقع الفعلي.

ما هو الحل لإنقاذ البحر الوحيد الذي  بقي لصفاقس؟

أعود إلى السيد وليد الرفاعي المدير الجهوي للشريط الساحلي بصفاقس، الذي يؤكد أن الوضع يتطلب شروطا لتجنب تكرار المآسي السابقة، سيما وأن شاطئ الشفار هو "البحر" الوحيد الذي مازال باقيا لصفاقس.

وقدّم إجابات قد تكون صائبة، فهو يذكر أن هناك مخالفات وقع رفعها، ولكن القضية تتلخص، والتي أحسب أنّها تمثل العقدة الأساسية، في أراض موجودة بين الملك العمومي البحري DPM وحدود الملكية التي سلّمها المجلس الجهوي لولاية صفاقس. هذه المنطقة الفاصلة التي تمتد على ما يقارب 70 مترا استولى عليها أشخاص بدون حق، أي ليست ملكيتهم. هنا تكمن كل المخالفات، وهي راجعة بالنظر إلى وزارة التجهيز. والإساءة إلى الكثبان الرملية بهذا الفضاء باقتلاعها بالرافعة "التراكس"، هو إساءة لرئتي البحر، وتعريض شاطئ الشفار إلى أكبر المخاطر بزوال الشاطئ ذاته كما حصل في الشفار القديم (نقطة).

وتقترح الإدارة الجهوية للشريط الساحلي الإجراءات التي يمكن اتخاذها:

أولا - اجراءات ميدانية

إعادة تكوين الكثبان الرملية وتدعيم ما تبقى منها بمصدات الرياح.

ضرورة تنفيذ قرارات الهدم والإزالة وذلك احتراما لمبدأ علوية القانون.

مراقبة منافذ المنطقة.

تهيئة وتثمين المناظر الطبيعية

ثانيا - اجراءات متابعة ومراقبة

السهر والمتابعة البيئية ومؤشرات التطورات وذلك بأخذ قياسات بحرية وأخرى على الشريط بما في ذلك متابعة الغطاء النباتي
وضع نظام متابعة للمد والجزر وحالة المياه عامة. هذا الى جانب متابعة نوعية المكوّن الرمالي وخصوصياته (مكونات حيوية،  مكونات نباتية، مكونات حيوانية ...)
أن تتعهد الوكالة بإعداد مثال إشغال شاطئ الشفار في أحسن الآجال وتتم المصادقة عليها بأمر.
أن تتعهد بلدية المحرس(منطقة الشفار تتبع إداريا بلدية المحرس) بالتنسيق مع جميع المتدخلين تهيئة الفضاءات المتاخمة للملك العمومي البحري (المستغلة حاليا كمآوي للسيارات) حتى يتسنى حسن التصرف فيها.

هزيمتنا الخامسة مع الشواطئ في صفاقس: تملأ الهواء، وتعيق التنفّس؟

مسألة أخرى لفت إليها السيد وليد الرفاعي منذ البدء، وهي على غاية من المصيرية، وهو أن شاطئ الشفار بحاجة إلى حاجز من القصب، بين ما تبقى من الكثبان الرملية وبين الفيلات الصيفية على الخط الأول في مواجهة البحر. حاجز لا يعطّل رؤية البحر،لأن ارتفاعه لا يتجاوز 1.20 م. وهو الحلّ الوحيد لإعادة الكثبان الرملية التي ستحمي الشاطئ بضمان انحداره، فتسطيح الشاطئ (عندما يصبح منبسطا) كما هو الحال اليوم، يقضي أوتوماتيكيا على الشاطئ الرملي، كما حصل في الشفار القديم (نقطة). سيما وأن الجسر الذي أقيم على وادي الشفار لم يعد يغذي الشاطئ بالرواسب الرملية.
وختم محدّثي بكثير من الوطنية، والمحبّة لمشاريع الشريط الساحلي الأكيدة والمصيرية: يا أهالي صفاقس، أشهد أني بلّغت!!  وشعرت أنه حامل لقضية مصيرية، وأنه مسكون بموقف ثابت، ومأخوذ بتيار من الغضب، ويؤسس لانبثاق عقلانية حقيقية ووعي.علاوة على أنه يمتلك من قوة استدلال تفوق قدرة خرائط غوغل الافتراضية على تحرّي الوضع القائم بالشفار الجديد والقديم وسيدي منصور.
وأختم هل تكون خسارة شاطئ الشفار هي صدمة أهالي صفاقس القادمة، أو هزيمتهم الخامسة في علاقتنا بشواطئ البحر بعد فقدان دفعة واحدة 3 شواطئ هي البلدية ونادي السباحة والكازينو(1) وفقدان شاطئ بودريار(2)، وخسارةشاطئ سيدي منصور(3) وفقدان شاطئ الشفار القديم (نقطة)(4). فهل سيتركون هذا الانتظار والعجز عن الحسم في هذا النزاع، والشروع في تبنّي الفعل المغيّر الذي يجدّد روح شاطئ الشفار، ماذا سيفعلون؟ لا أحد يعرف مهما اشتد حدسه.فنحن في عام الكورونا، والمهانة، والضمير المكبوت، والهيجان السياسي، والهياج الفضائحي، والعبارات السافرة، والشعارات المجنونة ... التي قادت البلاد من أزمة إلى أزمة. سيما وأن شاطئ الشفار يعتبر بل أصبح الشاطئ الوحيد المتوفر بالجهة اليوم، وقرقنة موضوع آخر، ولهذا يؤم الشفار  خلال موسم الاصطياف أكثر من 200 ألف مستحم، إضافة الى المقيمين الدائمين خلال فترة الصيف بالمنازل القريبة للشاطئ والبعيدة عنه.
وخير الكلام: شكرا للصديقة عايدة الكشو خروف، الفنانة التشكيلية والناشطة الفاعلة في المجتمع المدني، التي أوحت لي بهذا الموضوع، والتي تسعى منذ فترة إلى إطلاق حياة جديدة لشاطئ الشفار.

رضا القلال
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.