المنجي مرزوق: ستة أشهر من إطلالة لوزارة الطاقة والمناجم والانتقال الطاقي
بالتوفيق لتونس وللحكومة القادمة
في خضم الاعداد لحكومة جديدة وما يصاحبها عادةً من آمال وصعوبات، ومراسيم وتحويرات، أردت أن اتوقف على بعض الإحداثيات المرتبطة بقطاعات الطاقة والمناجم والذي كان لي شرف السّهر عليها في الأشهر الماضية.
في الحقيقة، هذه هي المرّة الثّانية التي أجد نفسي مكلّفاً بإحداث وزارة جديدة، وبوضع أسس ونظام عمل وآليّات لهيكل مستجدّ، ومن سريالية الوضع الذي نعيشه في بلادنا أنه في المرّتين، استغرق إصدار أمر الإحداث وصدور الهيكلة بالرّائد الرسمي عمر الوزارة أو يكاد، ليس الأمر بغريب فكلا العهدتين لم تدم للأسف أكثر من أشهر معدودة.
لا بدّ من الاعتراف أيضاً أنّنا وجدنا الوزارة وإطاراتها هاته المرّة في حالة صعبة جدّاً، اذ كان لقرار إلحاق هياكل وزارة الطاقة والمناجم إلى وزارة الصّناعة سنة 2018 تبعات كبيرة وثقيلة على الإدارة ومنظوريها، أو على توازن قطاعاتٍ على درجة عالية من الأهمّية والحسّاسيّة.
أقول هذا حتّى يدرك العموم والسّاسة أن تغيير وزارة ليس مسألة توزيع صلوحيّات بين الوزراء فحسب، بل هي هيكلة وتصوّر وموارد وجهد مشترك لعدد كبير من المتدخّلين، ولأؤكّد على ضرورة ضمان حدّ أدنى من الاستقرار في المناصب والهياكل إذا أردنا تحقيق حدّ أدنى من الاستراتيجية والإنجاز.
لقد تزامن بداية عملنا مع انتشار جائحة كورونا ثم انتهى على عجل إثر أزمة سحب الثقة من الحكومة، وتزامن مع انكماش اقتصادي غير مسبوق. لكن المشكل الأكبر كان في تصاعد وتيرة الضغط من طالبي التشغيل في قطاعات الطاقة والمناجم إلى حد تعطيل العمل والإنتاج، ووصول المؤسسات العمومية والخاصة العاملة في هذه القطاعات إلى حافة الإفلاس والعجز عن سداد أجور عملتها.
في خضم هذا الوضع الصعب، اخترنا المصارحة والحلول المستدامة والقطع مع سياسة الاسترضاء وشراء السلم الاجتماعية المزيفة على حساب مصير واستمرارية المؤسسات التي أصبحت مهددة في مصيرها.
بذلنا جهودا كبيرة في التفاوض لإعادة إطلاق الإنتاج، ونحسب اننا حققنا تقدما كبيرا على مستوى الحوكمة الرشيدة والشفافية في قطاعات ترتبط في أذهان الرأي العام بالفساد وسوء التصرف.
استمرينا في سياسة الشفافية والشراكة المجتمعية ونشرنا بشكل دوري مؤشرات الإنتاج في كل القطاعات وحقيقة واقع المؤسسات العمومية الناشطة في قطاعات الطاقة أو المناجم، كما نشرنا ما لم يجرؤ أحد في السابق على نشره مثل تركيبة أسعار المحروقات، وطبقنا ما وعدنا به من التعديل الشهري الآلي لأسعارها، معتمدين على مبدأ المسؤولية والمصارحة، لاعتقادنا أن أول درجات طريق الخروج من الأزمات هي إعلام صادق ونزيه يجعل من الرأي العام شريكا مطلعا على المعلومات والبيانات.
لقد استلمنا الوزارة في ظرف استثنائي على أكثر من مستوى. فبالإضافة الى حجم المديونية غير المسبوق الذي وجدنا عليه شركاتنا الوطنية الرائدة (ETAP,STIR, STEG, CPG, AGIL, GCT)، جاء خطر جائحة الكورونا، وقرار الحجر الصحي الشامل الذي اتّخذته بلادنا، ليضعنا أمام تحدّيات هائلة. أهمّها ضمان تزويد البلاد بالطّاقة، في كلّ الظّروف، وحماية التزوّد بالكهرباء والمحروقات، والاستفادة من تراجع أسعار المحروقات توريدا واستباق انعكاساتها السلبية في الإنتاج المحلي.وتجهيز كل السيناريوهات اللازمة للتّعامل مع أي طارئ،ومهما تأزمت الأوضاع، بعون من الله ومع جدّيّة الفريق العامل بالوزارة والشركات الراجعة بالنظر، فقد نجحنا سويّاً في الخروج من مختلف الأزمات التي اعترضتنا، بأخفّ الأضرار، وهي فرصة لأشكرهم جميعاً على ما بذلوه من جهد وتفانٍ.
منهج في التواصل شفاف وتشاركي
إيماناً منّا بقيمة الشفافية والانفتاح على المواطن والمجتمع المدني، رغم تواضع إمكانيات الوزارة بسبب الإحداث، اعتمدنافي الوزارة منذ يومها الاول سياسةً اتصالية منفتحة ومباشرة، فعملنا على إيصال المعلومة كاملة الى العموم، مواطنين وسياسيين ومستثمرين وباحثين، والقيام بدور اعلامي وتوعوي تجاه المواطن حتى يعرف ما له وما عليه، وحتى نقطع الطريق أمام المزايدات الشعبوية التي أضرّت كثيراً بقطاعات الطاقة والمناجم، وشنّجت المحيط الذي تعمل فيه، فأوصلتها الى وضعية خطيرة تهدد ديمومتها.
إلى جانب صفحة الوزارة على الفايسبوك التي دأبت على نشر لوحات قيادة للأنشطة الأساسية ومؤشرات متابعة للمؤسسات الكبرى، انطلقنا في استغلال موقع الواب للوزارة الذي يزخر بالعديد من المراجع والبيانات والتقارير والمؤشّرات، ونتمنّى ان يقع الحفاظ عليه وتحسينه وتطويره في المستقبل ليصبح منصة رقمية مرجعية وشاملة لقطاع الطاقة والمناجم تفتح له أبواب الاقتصاد الرقمي وميزاته التي لا تحصى.
الحوكمة والشفافية
إن ترأس اجتماعات خلايا الحوكمة بالقطاع وضبط برامج استراتيجية في أغلب المؤسسات والمنشئات تحت الإشراف والإشراف على مجلس أصحاب المصلحة وتحديد موفى سنة 2020 كأجل أقصى لتقديم ملف الانضمام إلى مبادرة الشفافية في الصناعات كان له وقع هام خاصة عند مكونات المجتمع المدني ومن شأنه أن يعزز استرداد الثقة في قطاع الصناعات الاستخراجية.
قطاع المحروقات
اجتهدنا في أوج أزمة كورونا على الاستفادة من تراجع الاسعار حسب إمكانياتنا المالية وحسب سعة الخزن المتوفرة في بلادنا.وكان التّحدّي، بالإضافة الى ضمان تزويد السوق بمصادر الطاقة، أن نحدّ من تبعات الأزمة على القطاع، سواءً بتجنّب وقف انتاج النفط في البلاد او بيعه بالخسارة لعدم توفّر مشترين، أو أن نحول دون لجوء الشركات الى تسريح العمّال كما وقع في الكثير من دول العالم.
قمنا بتحيين آلية تعديل تسعير المواد البترولية لتصبح شهريا - مع الاستفاضة في شرحها ونشر تركيبة الأسعار، ثم المضي في خمس تخفيضات متتالية، كصفحة جديدة في العلاقة بين الدولة والمواطن، والتعامل مع هذا الملفّ بما تقتضيه الشفافية، وفي انتظار مواصلة العمل على ما بدأناه من تطوير لمنظومة توزيع المحروقات وآليّات الدّعم الطّاقي في بلادنا.
انتاج النفط والغاز
منذ استلامنا لمهامّنا، وبالإضافة الى متابعة الانطلاقة الصعبة للإنتاج في حقل نوارة، وضعنا أمامنا ثلاث ملفّات أساسية ومستعجلة:
1. تسريع إعدادات ملفات الحقول التي انتهت فترة استغلالها أو التي هي على وشك الانتهاء، مع وضع منهاج واضح وموحّد للتعامل مع هاته الوضعيات في المستقبل.
2. مراجعة مجلة المحروقات وإعادة هيكلة القطاع، لدفع عجلة الاستثمار وتحسين نجاعته وحوكمته، وهذا على ضوء ما يعيشه من أزمة هيكلية يعرفها منذ عقود، والتي جعلت كل مؤشراته تتراجع باستمرار وبوتيرة حادّة، تهدد مستقبل قطاع انتاج النفط والغاز بتونس.
3. كذلك، سعينا، ومنذ شهر مارس إلى استباق الازمة المتجدِّدة في تطاوين وقبلي، ولكن توجيه كل الجهد الحكومي إلى إدارة الازمة الصحية وتبعاتها، والأزمة الحكوميةالتي تلتها، حالا دون معالجة الوضعيّة المتفجّرة بجهة تطاوين قبل أن تبلغ الانسداد التي هي عليه حاليّاً، والتي تعتبر، حقيقة، مصدر قلق وخطر كبيرين، للجهة أو للدولة، ما لم يحتكم المحتجّون في الكامور إلى العقل والتّعامل المسؤول.
عملنا على وضع استراتيجية طموحة لإنقاذ القطاع ثمّ تطويره، ولكنّ برامج كهذه لا يمكن إنجازها في شهرين أو ثلاثة. نتمنّى صدقاً أن يواصل المسؤولون الجدد العمل على تحقيق الإصلاحات التي رسمناها، حتى يخرج القطاع من حالة الأزمة التي يعيشها منذ سنوات، ليصبح رافعة حقيقية للاقتصاد الوطني وللتنمية بالجهات المنتجة.
قطاع الكهرباء
نعتبر تجديد عقد بيع وشراء الغاز مع الشقيقة الجزائر إلى سنة 2027، مع الأخذ بالاعتبار مستجدات سوق الغاز والطلب على الغاز في تونس، من بين أهمّ ما أنجز على مستوى ضمان تزويد البلاد بالطاقة اللازمة.
كذلك، وفي تفاعل مع تشكيات المواطنين، شرعنا في مراجعة فاتورة الستاغ من حيث المضمون، ورفع العداد، وآليات الخلاص، والفوترة التقديرية، مع العمل مع شركة الكهرباء على اعادة توزيع الدفعة الأولى من العدادات الذكية بما يضمن تغطية مثلى، سواء من ناحية الاستهلاك أو رقم المعاملات.
ولكن بقي التحدّي الأكبر هو ما عملنا عليه، بالتعاون مع وزارة المالية، من حلول لتخفيف الازمة المالية للشركة ولبناء مخطط عمل للسنوات القادمة ينقذها ويضمن توازنها المالي.
الطاقات المتجددة ودعم الانتقال الطّاقي
يبقى هذا الميدان الأقرب إلى قلبي وأكثر ما أؤمن به لمستقبل البلاد. لقد عملت على المواصلة في النهج الذي وضع منذ سنوات لدفع القطاع عبر التسريع في إسناد الدورة الثالثة للتراخيص بـ 70MW من الطاقة الشمسية، وتدشين أول محطة في نظام التراخيص 1MW في النفيضة، وانتهاء أشغال أول محطة في نظام التراخيص 10MW في قرضاب تطاوين.وقمنا أيضا بالتعاون مع الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة بالتسريع في ملفات شركات تركيز الطاقات المتجددة وإعداد توصيات بخصوص استعمال المكيف في زمن كوفيد 19. وحققنا تقدم حاسم مع وزارة الدفاع في توفير مواقع محطات الريح.وبذلناجهداكبيرالمعالجة ما أحدث في قانون تشجيع الاستثمار لعام 2019 بخصوص الطاقات المتجددة، بما يوفّر أرضية عادلة لسلسلة القيمة بين مختلف المتدخلين، وبالأخصّ شبكة الكهرباء وديمومتها.
اقتصاد الفسفاط
أعتبر التقدم والتحول الذي أنجز في ملفّ الفسفاط واستعادة الانتاج في مواقع كانت متوقّفة لعدة سنوات، إحدى النّقاط المضيئة على المستوى الوطني في الأشهر القليلة الماضية. حيث تمّ هذا الاتفاق بالتعاون مع السلط الجهوية والأطراف الاجتماعية ونواب الجهة ممّا مكننا من استرجاع نسق إنتاج الفسفاط والنقل والتحويل حتى في فترة الحجر الصحي التام. كما توصّلنا إلى إبرام اتفاق بخصوص منجم المكناسي ممّا مكننا من استئناف استغلال ونقل الفسفاط إلى مغاسل شركة فسفاط قفصة. وانطلق أيضا إصلاح الخط الحديدي رقم 17 بعد انقطاعه جراء الفيضانات سنة 2017.
تجدر الإشارة إلى أنّ الشيئ الإيجابي في استرجاع نسق انتاج الفسفاط هو الوعي الواسع بأن العمل وعودة النشاط الاقتصادي للفسفاط هو الأولوية القصوى والضامن الوحيد لإنقاذ شركات القطاع. قبل الحديث عن برامج الانتدابات والتنمية والمسؤولية المجتمعية، وما سبق من اتفاقيات حكومية في الغرض. كما تمّت حلحلة المشاكل العالقة منذ سنة 2017 والخاصة بمناظرة المجمّع الكيميائي التونسي.
وفي إطار تأهيل قطاع المناجم وإرساء مزيد من الشفافية وحوكمة استغلال المواد المعدنية وملاءمتها مع مقتضيات الدستور، تم استئناف عملية تحيين مراجعة مجلة المناجم وتمّ إعداد مشروع أوّلي تبعا للإشكاليات والنقائص المسجّلة عند تطبيقها خلال السنوات الأخيرة (بلغ التحيين قرابة 70 %).
في الختام، أعتقد أننا إجتهدنا وعملنا بجد ومسؤولية لأداء واجبنا، وأرجو أننا كنّا على مستوى الأمانة، في مثل هذا الوقت الضيّق، والظّرف الصّعب. وإذ نستعد اليوم لتسليم الأمانة إلى من نتمنّى أن يكونوا أكثر منّا نجاحا، وأن تتوفر لهم ظروف عمل أفضل، لما فيه فائدة وطننا الحبيب، فإنّا نشكر كلّ من عمل معنا بصدق وتفان. ونضع أنفسنا، كما كنّا دائماً،في خدمة الحكومة الجديدة، بالخبرة أو بالرّأي أو بالدّعم، أيّاً كان نوعه. ونحن ندرك، ربّما بما عشناه في هذه الأيام الصعبة، جسامة المسؤولية الملقاة على أكتافهم، وبدقّة المرحلة.
الله يحفظ تونس
المنجي مرزوق
- اكتب تعليق
- تعليق
اشكر الوزير(السابق) على هذه الخلاصة. اسال لماذا يقع تغييروزيراو اداري او مدرب فريق كرة و الحال ان الكل يشهد له بالنجاعة-الرؤيا الواضحة -الشفافية و نظافة اليد....و.....القدرة على استنباط الحلول المناسبة للمشاكل المستعصية......شيء مؤلم -محبط ....
أحسنتم عملا، شكرا جزيلا على مجهوداتكم القيمة. حفظكم الله و جزاكم خيرا.