أخبار - 2020.07.19

عادل الأحمر: ما عاد فينا ما يتقص

عادل الأحمر: ما عاد فينا ما يتقص

بقلم عادل الأحمر - حدّثني العيّاش قال، وهو يحدّثني من هاتفه الجوال : خرجت من الكورونا لا سوء لا سوية، حامدا الله على النجاة من تلك البلية، مستبشرا بالعودة إلى حياة عادية، بعد أسابيع من العزلة الجماعية.

وكنت كلي عزم وحيوية، على  تدارك ما فات، واغتنام كل مباهج الحياة، بعد أن أخذت من الفيروس، أثمن العبر والدروس ، في أخذ الحياة كما جاءتك وأنت مبتسم، في كفها الغار أو في كفها العدم.

لكن كل مشاريعي طاحت في الماء وكم كانت كثيرة، بل قل ذابت كالزبدة تحت شمس الظهيرة، عندما استقبلتني العودة إلى الحرية، بوابل من المفاجآت السلبية ، جاءت كلّها في شكل فاتورات، تحمل سيلا من التهديدات : تهديدات طبعا بالقصّان، إذا لم أدفع قبل فوات الأوان. ويبدو أنّ الجماعة اتفقوا علي، وأرادوا تعذيبي بالوقية ، فكانت تنزل علي كل يوم من السماء هدية ، أو لعلهم – وهذه فرضية أخرى – قالوا فيما بينهم :" نرحمو هالراجل ، ونستعملو معاه سياسة المراحل". والأمران في الحالتين سيّان : إما الخلاص أو القصّان.

وكانت "الستاق" أوّل مـــن فتــــح علي النار، بفاتورة تجـاوزت الخمسمائة دينار، وكأن لي ورشة بمنطقة صناعية، أو قاعة شاي في الضاحية الشمالية، فقلت في نفسي : " هذا الكلو م الكورونا، التلفزة النهار الكلّ محلولة، وتطييب القاطوات والملاوي، وغيرها من الدبارات والشهاوي". لكن هل باليد حيلة ؟ وهل يمكن أن نبقى بلاش ضوء ولو ليلة ؟ ومن الغد جاء دور فاتورة الماء، فكاد من مبلغها يصيبني الإغماء، والحال أنّي من مستهلكي الميــاه المعدنية ، وليست لي حديقة أسقيها لأستهلك مثل تلك الكمية.لكن الجيران أفهموني أنّ ذلك تسبقة على الحساب، في انتظار أن يأتي صحيح العقاب، فحمدت الله على هـــذه الحال، داعيا لنفسي حسن المآل. 

وفي اليوم الثالث هجمت علي فاتورة التليفون، وكانت من أعلى ما يكون، خلافا للفاتورات القديمة، والتي كانت بنا رحيمة، فقلت: " «لعل السبب هو الإفراط في استعمال الهاتف القار، لنقص كوارط الجوال في الدار»... لكن ما الفائدة في شرح الأسباب،  وسيف القصان ينتظرك وراء الباب ؟...وبعد يوم دون فاتورات، عاد السيل وهبطت علي فاتورة الأنترنات، وكأنّها تقول : "ياخي تسخايب الفايسبوك بلاش، وانت م الفرجة والتعليق وقت الحظر ما توفاش؟ "، لكن آش ينفع الرجوع لتالي، كيف واحد يقاك : «ما نفهم شي خلّصني في أموالي؟»

مع كلّ فاتورة كان إذن تهديد ووعيد، بأنّ القصّان آت لا ريب فيه إذا لم تسرع فورا بالتسديد ، وحذار ألا تأخذ هذا التهديد مأخذ لجدية، فستكون لقلة اكتراثك أوّل ضحية . وهل تستطيع أن تعيش عيشة المغبون، لا ماء لا ضوء لا أنترنات لا تليفون؟ لذلك أسرعت فورا وعلى جناح الطير، لتسديد ما علي من فواتير، دون نقاش أو طرق أبواب، إذ كنت عارفا مسبقا بالجواب : «خلّص توه وارجع غدوة نشوفو الحساب».

وبعد جولة ماراطونية بين القيشيات ، انتهت بانخرام كلّ الحسابات، عدت إلى البيت منهك القوى ، والجيب قد خوى. وبينما كنت أعتقد أنّي نجوت من سيف القصّان، استقبلتني زوجتي بأخبار حسان : " ياخي ما سمعتش الراديوات ؟ هاو قالوا ياش بقصوا لكم في الشهريات"، فقلت لها والريق قد غص: "يتفضلو كان بعد هالقصاصات الكلّ ما زال فينا ما يتقص ".

عادل الأحمر


 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.