أخبار - 2020.07.19

محمد إبراهيم الحصايري: أما من نهاية لهذا اللاّمعقول السياســي المغـاربـي؟

محمد إبراهيم الحصايري: أما من نهاية لهذا اللاّمعقول السياســي المغـاربـي؟

بقلم محمد إبراهيم الحصايري - في الكلمة التي وجّهها الأمين العام لمنظمة الأمم المتّحدة، عبر الاتصال المرئي المفتوح، إلى مجلس الأمن خلال اجتماعه يوم الأربعاء 8 جويلية 2020 بشأن الوضع في ليبيا، قال إنّ النزاع الليبي، بعد مرور ستّة أشهر على مؤتمر برلين الدولي، "دخل مرحلة جديدة مع التدخّل الأجنبي الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة، بما في ذلك في إيصال المعدّات المتطوّرة وإعداد المرتزقة المشاركين في القتال".

قد جاء كلام الأمين العام ليؤكّد الإجماع الكلّي، إقليميّا ودوليّا، على خطورة الوضع في ليبيا الذي بات، بما شهده خلال الأشهر الأخيرة من تطوّرات دراماتيكية، يشكّل تهديدا حقيقيا للأمن والاستقرار في محيط ليبيا المغاربي والساحلي الإفريقي والمتوسّطي، خاصّة وأنّه يتزامن مع تفشّي جائحة الكوفيد 19 التي أصبحت تداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية تنذر بزعزعة العديد من دول هذا المحيط المضطرب أصلا، وإن بدرجات متفاوتة. وقد أحببت في هذا المقال أن ألقي الضوء على مدى استجابة مختلف المناطق المحيطة بليبيا لمتطلّبات درء المخاطر الماثلة، فكان تعجّبي كبيرا من المعطيات التالية التي أرجو أن ترافقوني في قراءتها والتمعّن في دلالاتها:

أولا/ على صعيد منطقة الساحل الافريقي: احتضنت العاصمة الموريتانية نواكشوط يوم الثلاثاء 30 جوان 2020، قمة مجموعة دول الساحل الخمس، وفرنسا، بمشاركة قادة الدول الخمس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الحكومة الإسباني بيدرو سانشيز، كما شارك في القمّة، بالحضور، موسى فقي محمد، رئيس مفوضية الاتّحاد الإفريقي، ولويزا موشيكي وابو، الأمينة العامة للمنظمة الدولية للفرانكوفونية، وعبر الفيديو كونفرانس المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وجوزي كونتي رئيس مجلس الوزراء الإيطالي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتريش.  وقد هدفت القمّة إلى متابعة ما تمّ تنفيذه من بنود خارطة الطّريق المتّفق عليها خلال القمّة التي انعقدت في 13 جانفي 2020 في مدينة "بو" بفرنسا، وإلى تقييم الوضع في منطقة الساحل، وتوفيرِ قدر أكبر مما تحتاجه المنطقة من دعم عسكري لمحاربة الإرهاب... مع العمل على إقناع الدول المانحة بإلغاء ديون دول المجموعة التي تفاقمت صعوباتها الاقتصادية بسبب جائحة الكوفيد 19.

وقد أكّد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني في الكلمة التي ألقاها في افتتاح أشغال القمة "أن حل الأزمة السياسية الأمنية في ليبيا يجب أن يكون من أولويات ائتلاف دعم الساحل لأنّها هي سبب تدهور الأمن في الساحل حيث تغذّي الجماعات المسلّحة بالأسلحة والقنابل والبشر والمخدّرات". أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد قال في كلمته "إنّ محاربة الإرهاب في الساحل ستكون، من الآن فصاعدا، هدفا أوروبيّا"، وأكّد "أنّ بلاده وأوروبا ستواصلان دعم المكتسبات التي تحقّقت في مجال الأمن في المنطقة". وفي هذا السياق رحّب المشاركون في القمّة بالتزام الاتحاد الأوروبي وبدوره الفاعل في المجال الاستشاري ومجالات التكوين والتجهيز والبنى التحتية.

ومن ناحية أخرى، أعربوا عن ارتياحهم لانطلاق "التحالف من أجل الساحل" رسميّا في العمل في 28 أفريل 2020 خلال المؤتمر الذي انعقد، عبر الفيديو كونفرانس، بين الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدّول الخمس، وللاجتماع الوزاري الذي عقده التحالف في 12 جوان 2020 بمشاركة جميع شركاء المجموعة، كما دعوا إلى دعم التحالف وتحديد بنيته وأدوات إدارته بالتعاون الوثيق مع الأمانة التنفيذية لمجموعة دول الساحل الخمس. ويؤكّد الملاحظون أنّ الحضور المادّي في هذه القمّة، رغم الظروف التي فرضتها جائحة الكوفيد 19، يقيم الدليل على صرامة المشاركين في التعامل مع الوضع المتأزم في المنطقة، وعلى الإرادة التي تحدوهم لتسخير كل الوسائل الضرورية لمواجهتها.

ثانيا/ على صعيد منطقة المغرب العربي: في مقابل ما يجري بين منطقة الساحل الإفريقي وبين فرنسا وأوروبا، تفيد الأخبار الواردة من المغرب والجزائر أنّ هاتين الدولتين المغاربيتين اللتين ما تزال الحدود مغلقة بينهما منذ سنة 1994 أي منذ أكثر من ربع قرن، دخلتا في "سباق محموم" على التسلّح.

فالمغرب ينتظِر، منذ عدّة أشهر، زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون حتّى يبرم مع فرنسا صفقة أسلحة بقيمة 400 مليون يورو (442 مليون دولار)، وهذه الصفقة تندرج في إطار خطته الخمسية (2017/2022) الرامية، حسب بعض المحلّلين، إلى تمكينه من معادلة قوّة منافسته في المنطقة الجزائر، إن لم يكن التفوّق عليها. وكان المغرب أبرم في أواسط السنة الماضية صفقة بمليار دولار مع الولايات المتحدة الأمريكية، اقتنى بموجبها سربا من طائرات "إف 16" المقاتلة، و400 قاذفة صواريخ مضادّة للدّروع من طراز "تاو"، ونحو 2400 صاروخ "تاو" منها 28 للتجارب الأولية. وانطلاقا من أنّ الرباط أبرمت مع واشنطن صفقات مستقبلية بلغت قيمتها الإجمالية نحو 10.3 مليار دولار ويتعلق معظمها بتجديد سلاح الجو الملكي، فإنّ المغرب أصبح سنة 2019 أكبر مشترٍ للأسلحة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

أمّا الجزائر التي تُصَنَّف كصاحبة أكبر ميزانية عسكرية في القارّة الأفريقية، والتي يحتل جيشها المرتبة الثانية كأقوى جيش إفريقي بعد الجيش المصري، فقد أبرمت مع اتحادية روسيا صفقة ستتزود بموجبها من هنا إلى سنة 2025 بـ14 مقاتلة شبح من طراز "سوخوي 57"، وهي أكثر المقاتلات الروسية تطوّرا، كما أبرمت معها عقدا آخر ستتزود بموجبه، حالا، بـ14 مقاتلة نفاثة "سوخوي 35" و14 قاذفة قنابل "سوخوي 34"، مع بند في العقد ينصّ على إمكانية توريد سربين آخرين بالأعداد نفسها للإحلال والتبديل المستقبلي.  ومما يؤكد حمّى التسابق على التسلّح بين المغرب والجزائر أنّ معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "سيبري" قدّر في تقرير أصدره في شهر أفريل 2020 حجم النفقات العسكرية في القارّة السمراء خلال سنة 2019 بحوالي 41.2 مليار دولار، منها 23.5 مليار دولار في 2019، أي أكثر من النصف هي نفقات دول شمال أفريقيا.

وقد أرجع التقرير ارتفاع وتيرة التسلح في شمال أفريقيا (بنسبة 4.6 في المائة خلال 2019 مقارنة مع سنة 2018، وبنسبة 67 في المائة مقارنة مع سنة 2010)، إلى استمرار "التوتر طويل الأمد بين المغرب والجزائر، بالإضافة إلى التمرّد والحرب الأهلية في ليبيا". وكشف التقرير عن أنّ الجزائر أنفقت سنة 2019 ما مجموعه 10.3 مليارات دولار على شراء الأسلحة، وهو أعلى رقم في شمال أفريقيا ويشكّل 44 في المائة من إجمالي النفقات العسكرية بالمنطقة.

وتوجد الجزائر ضمن قائمة الدول التي تخصّص أعلى نسبة إنفاق عسكري من ناتجها المحلّي الإجمالي، حيث بلغت هذه النسبة خلال السنة الماضية 6.0 في المائة، وهي أعلى نسبة تسجّل في القارة الأفريقية ككل. بينما بلغت نسبة الإنفاق العسكري في المغرب نسبة 3.1 في المائة من ناتجه المحلي الخام خلال نفس السّنة.

إلى ذلك تجدر الملاحظة أنّ التوتّر الذي ما فتئ يطبع العلاقات بين البلدين شهد تصعيدا خطيرا في الآونة الأخيرة، فلقد أثار قيام الجزائر بمناورات عسكرية "هجومية" بالذّخيرة الحيّة على الحدود الجزائرية المغربية، في منطقة تندوف، تحت شعار "الوفاء بالعهد"، واعتزامها تعديل دستورها بما سيسمح بتغيير عقيدة الجيش الجزائري وسيمكّنه من القيام بعمليات عسكرية خارج البلاد قلق المغرب، بيمنا أثار المرسوم الذي أصدره رئيس الحكومة المغربية، في منتصف شهر ماي الماضي والذي يقضي بتخصيص أرض بمساحة 23 هكتارا، لبناء قاعدة عسكرية في إقليم جرادة الحدودي على بعد 38 كلم من الحدود بين البلدين، استياء الجزائر خاصة وأن بعض المصادر ذكرت "أنّ خبراء عسكريين وأمنيين إسرائيليين يشاركون في بناء هذه القاعدة وإدارتها".

ووفقا لما أوردته بعض وسائل الإعلام الجزائرية فإنّ الجزائر قرّرت، عملا بمبدإِ المعاملة بالمثل، بناء قاعدة عسكرية قبالة القاعدة المغربية. وقد رفض الرئيس عبد المجيد تبون في الحديث الذي أدلى به إلى قناة فرانس 24 يوم 4 جويلية الجاري تأكيد أو نفي بناء هذه القاعدة بدعوى أنّها سرّ من أسرار الجيش.

وبالرّغم من أنّ الجدل الدائر حول هاتين القاعدتين وحول التّسابق على التسلّح بين البلدين لا يخلو من تهويل وسائل الإعلام، ومن تضخيم شبكات التّواصل الاجتماعي، فإنّ الخطير في الأمر أنّ من شأنه أن يكرّس نظرة البلدين إلى بعضهما البعض "نظرة عدائية"، وأن يطبع سلوكهما بالتوجّس والاحتراز... 

وقد كان من آخر تمظهرات هذه النظرة العدائية أن القنصل المغربي في وهران وصف الجزائر بــ"البلد العدو" في معرض حديثه إلى المواطنين المغاربة الذين تظاهروا أمام القنصلية للمطالبة بترحيلهم إلى بلادهم، وقد أثار هذا الوصف، في الجزائر، عاصفة من التنديد والاحتجاج لم تهدأ إلاّ بعد ترحيل القنصل إلى بلاده بطلب من السلطات الجزائرية...

ولأنّ المنطقة المغاربية هي المنطقة الأقرب إلى ليبيا والأكثر التصاقا بها، فإنّ كلّ ما تقدّم يدعو إلى الأسف العميق لأنّه يفرض على المنطقة حالة من انعدام الثقة بين دولها في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى توحيد صفّها في مواجهة الأخطار المحدقة بها كدول وكمجموعة. وهذا ما يبرّر السؤال الذي طرحناه في العنوان والذي نعيد التأكيد عليه هنا فنقول: أما من نهاية لهذا اللاّمعقول السياسي المغاربي الذي يغري البعض بالجريان وراء وهم قوّة هي في الواقع ضعف للجميع؟.

محمد إبراهيم الحصايري


 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.