أخبار - 2020.06.15

عبد الحفيظ الهرڤام: من يفكّر في مصلحة تونس؟

عبد الحفيظ الهرڤام: من يفكّر في مصلحة تونس؟

تعيش بلادنا هذه الأيّام على وقع تجاذبات سياسية حادّة مسرحُها مجلس نواب الشعب، وقد ألقت الحرب الإقليمية الدائرة في ليبيا بظلالها على الوضع الداخلي لتعمّق الأزمة السياسية أكثر وتوسّع الشرخ بين الأطياف المكوّنة للائتلاف الحكومي ذاته!

تعدّدت المظاهر الدالّة على هذا الوضع غير العادي، فمن دعوات إلى تنظيم اعتصاماتٍ للرحيل بساحة باردو، إلى جدل تجاوز عشرين ساعةً في مجلس نواب الشعب ظاهرُه الديبلوماسية البرلمانية وباطنه التداخلُ في مستوى رئاسة البرلمان بين المسؤولية النيابية والقيادة الحزبية، ومن دعوات إلى إسقاط الحكومة وحلّ المجلس وتغيير النظام برُمّته إلى تراشق بتهمة التبعيّة والتذيّل لأطراف أجنبية تنطوي على قدر كبير من التخوين.

معارك إيديولوجية لا علاقة لها بحياة التونسيين اليومية ولا بوضعهم الاجتماعي الصعب، ومع ذلك تستمرّ النخبة السياسية في لعبة كسر العظام التي تبدو في سياق الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة بسبب جائحة كورونا أشبه بالانتحار الجماعي، ففي الوقت الذي يفترض أن يتّجه فيه اهتمام مختلف مكوّنات الطيف السياسي حكومة ومعارضة إلى البحث عن حلول ممكنة للخروج من الوضع الاقتصادي الأصعب منذ الاستقلال يغرق المجتمع السيــــاسي أكثر فأكثر في الفرقـــة والتشـــرذم ما يجعل التونسيين وفق أحدث سبر للآراء أكثر تشاؤما من أي وقت مضى.

لقد أثبتت النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة أنّ النظام السياسي بشكله الحالي يعتبر أحد مكوّنات الأزمة السياسية الخانقة في تونس منذ 2011، وأنّ التمثيلية البرلمانية بصيغتها الراهنة لم تعد تحظى بثقة التونسيين الذين اختاروا رئيسا للجمهورية من خارج المنظومة الحزبية التقليدية، لكنّ الدعوة إلى مراجعة النظام السياسي وإعادة تأسيسه تحت ضغط الشارع قد يشرّع للفوضى ويفتح الأبواب على مصراعيها أمام المجهول.

وأمام ضرورة التعايش مع هذا الوضع في انتظار تغييره بالأدوات التشريعية المناسبة وضمن الأطر المؤسساتية الديمقراطية، لم تبذل النخب ما ينبغي من جهد لاستعادة ثقة الناخب وإضفاء سمة إيجابية على صورة رجل السياسة في الذهنيّة العامّة. بل يبدو ذلك بعيدا عن اهتماماتهم الآنية. لا سيّما أنّ العنف اللفظي المتبادل بين النوّاب له امتدادات في خطابات الكراهية والتخوين التي تملأ بلاتوهات البرامج السياسية ومواقع التواصل الاجتماعي، بما يجعل الوضع العام في البلاد على درجة من الاحتقان تنبئ بانفجار وشيك في ظلّ أزمة خانقة وآفاق مسدودة.

يرى البعض في هذا الحراك السياسي صورة من الوضع العام في البلاد عشيّة الحوار الوطني في 2013، لأنّ الائتلاف الحاكم يبدو بتركيبته الحالية غير مؤهّل للإيفاء باستحقاقات الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ويفتقر إلى حزام سياسي قويّ يسنده ورؤية واضحة ومطمئنة تقوم على خطة إنقاذ وطنية وحزمة مشاريع مستقبلية لامتصاص آثار الأزمة، لكنّ هذا التشبيه مجانب للواقع، فقد لعبت شخصية الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في تلك المرحلة دورا أساسيا وحاسما لإعادة التوازن للحياة السياسية وقيادة البلاد نحو أفق جديد انتصرت فيه الديمقراطية على الفوضى،  يعود الفضل في ذلك بقدر كبير إلى حكمة رئيس الجمهورية ورفيق دربه محمد الناصر رئيس مجلس النواب اللذين قادا كلّ من موقعه مرحلة صعبة كانا حضّا فيها الفرقاء على أن يجتمعوا إلى كلمة سواء من أجل تونس، واليوم أمام تلاشي صوت الحكمة والعقل وأمام الصراعات الداخلية للأحزاب الكبرى والمواجهات الراديكالية بين النوّاب المنتخبين تبدو البلاد في أتون معركة يحترق بنيرانها الجميع ولا ينتصر فيها أحد!

لقد كانت بلادنا أسرع في السيطرة على جائحة كورونا من عدّة دول أخرى، وهي تخوض الآن قبل غيرها استحقاقات المرحلة التي تليها، وهي مرحلة وإن كانت صعبة من ناحية تراجع مؤشّرات النمو وتقهقر مداخيل القطاع السياحي وارتفاع معدّلات البطالة فإنّها تنطوي على فرص واعدة، لا سيّما أنّ هذا الوباء قد فرض على النظام العالمي واقعا جديدا، ولن يعود العالم بعده إلى ما كان عليه سابقا، لكنّ هذه المرحلة تتطلّب أكثر من أيّ وقت مضى لحمة وطنية واسعة النطاق لاستثمار الممكن والمتاح ووضع خطط استراتيجية لا لتجاوز آثار الأزمة فحسب بل لاحتلال موقع جديد في عالم ما بعد كورونا. يتطلّب هذا فقط الرؤية الواضحة والتفكير الجدّي في مصلحة تونس قبل كلّ شيء..

عبد الحفيظ الهرڤام

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.