أخبار - 2020.05.31

الصحبي الوهايبي: سـؤال أخير

الصحبي الوهايبي: سـؤال أخير

يقال حرن الحمار أي امتنع عن السّير، فتهمزه وتنخسه ثمّ تكسر العصا على ظهره، وهو على موقفه، ثابت، لا يتزحزح، وليس في الحِران ما يضير إذا كان الحَرُونُ فردا واحدا، ليس أكثر، ولكنّ المعضلة التي لا شفاء منها، إذا مسّت العدوى الجماعة، كأن تحرن حكومة بطمّ طميمها، فلا هي تقدّمت ولا هي نكصت على أعقابها، وأمّا إذا حرن شعب بشيبه وشبّانه، فتلك هي الطّامّة الكبرى، ولا أحبّ أن أكون متشائما أكثر من اللّزوم، فلكلّ داء دواء كما يقولون، وآخر الدّواء الكيُّ، والكاويات تحرق الأنسجة حتّى تُفقدها ماءَها وتفكّكَ خلاياها العضويّة، لتعوّضها خلايا أخرى سليمة، لا تشوبها شائبة؛ وهناك الكيّ بالنّار الحامية والكيّ بالنّار الباردة، وهذه من اختصاص بعض الحكومات، لا تعرف علاجا إلاّ بالكيّ البارد، وهو علاج بخس، لا دخل فيه للأدوية الأصليّة أو الجنيسة، صالح لكلّ الأمراض، لا تنسحب عليه شروط الكنام (صندوق التّأمين على المرض)، ولا أحبّ أن يُستشفّ من كلامي هذا أنّي على عداوة مع الأدوية الجنيسة، فهي على عهدة وزارة الصّحّة، مثلها مثل الأدوية الأصليّة، ولكنّها أقلّ كلفة وأبخس ثمنا، ولو أنّ كثيرا من الألسن الخبيثة والبريئة تردّد أنّ الدّواء الجنيس مثله مثل الماء، وأخرى تقول إنّ مخابر الأدوية وشركات التّصنيع تريد أن تجعل من المرضى في البلدان الفقيرة فئران تجارب أو ضرعا تحلبه. والحقيقة أنّ بلادا كثيرة اختصّت دون غيرها من البلدان بكلّ ما هو جنيس، فتعليمها جنيس، وديمقراطيتها جنيسة، وفنّها جنيس، وانتخاباتها جنيسة، ومؤسّساتها جنيسة. دعونا نخرج من هذا الموضوع لندخل موضوعا غيره... وخرج ودخل فِعْلان متناقضان، متنافران، ولكن لا معنى لهذا دون ذاك؛ وقبل أن نشرد أو نضيع بين الدّاخلين والخارجين، وجب أن نضع تعريفا صحيحا دقيقا للمعنيَيْن الاثنين، فما تحسبه أنت خارجا، يحسبه غيرك داخلا؛ وما تحسبه داخلا، يحسبه خارجا... وهناك الحمل داخل الرّحم، والحمل خارجه؛ والحمل داخل الرّحم محمودٌ، مضمونٌ، بإذن الله؛ وأمّا الحمل خارجه، فلا يُرجى منه خير، ومثله مثل كثير من أهل السّياسة بويضات كسيحةٌ، كسولةٌ، تزرع نفسها في عنق الرّحم، أو في المبيض، أو على جدار إحدى قناتيْ فالوب، ولا تواصل طريقها إلى الرّحم، حيث مكانها الطّبيعيّ للنّموّ... وأمّا الأسباب، فكثيرة، بداية بالبويضات الكسولة، مرورا بالتّلف الذي قد يصيب قناة فالوب نتيجةً الالتهابات المختلفة بالبكتيريا، حيث تضيق الطّريق إلى الرّحم، أو تُسدّ، وتحول دون البويضة وغايتها... وعادةً ما يُكتشف الحمل خارج الرّحم  بين الأسبوعين، الرّابع والعاشر من بدايته؛ وها الحكومة في أسبوعها الثّاني عشر وهي لا تدري أنّ قناتيْ فالوب قد دُمّرتا بالكامل، ولا أمل لها في أن تحمل ثانية، ولو نفخ في أحشائها نافخ.

***

مات الرّجل فغسّلوه وكفّنوه ودفنوه، فإذا ملك الموت يأتيه في قبره ويوشوش في أذنه بعد أن نزع القطن منها «والله أنا آسف شديد الأسف، لا أدري كيف قبضت روحك أنت، لم تكن أنت المقصود، كنت أقصد جارك في الغرفة ولكنّكما تبادلتما الأسرّة، أنا آسف حقّا، سأنفخ فيك الرّوح من جديد لتحيا». قال الميّت الحيّ وقد طار قلبه فرحا:» إذن فكّ عنّى هذا الكفن وخلّصني!»، قال ملك الموت:»آسف، مهمّتي تنتهي عند هذا الحدّ، تصرّف يا أخي، افعل كما تفعل معكم حكومتكم في مثل هذه الحال»، فصرخ الرّجل: «وكيف تفعل حكومتنا؟»، ولكنّ ملك الموت اختفى.

***

جلس الكاهن في خلوته، ينصت إلى العجوز الذي جاء يكفّر عن ذنبه ويطلب المغفرة:»يا أبتي؛ لا أدري إنْ كنتُ جديرا بالمغفرة والرّحمة، وإن كانت توبتي مقبولة»؛ والكاهن يهوّن :»كلّ الذّنوب تمحوها التّوبة؛ استمرّ يا ولدي»؛ والعجوز:»طيلة الحرب العالميّة الثّانية، وعلى امتداد سنوات، أخفيتُ في دهليز داري يهوديّا ثريّا»؛ والكاهن يقاطع:»هذا عمل جيّد؛ هذا عمل نبيل، لا يأتيه إلاّ رجل نبيل؛ فلماذا تطلب التّوبة يا ولدي؟»؛ والعجوز يواصل:»لقد كنتُ أسوّغ له الدّهليز بمقابل باهظ»؛ والكاهن يهمهم:»أهاه! لقد كنتَ تبتزّه إذا؛ وكنت تستغلّ الظّرف؛ هذا ليس عملا جيّدا؛ ولكن المهمّ أنّك أنقذت حياته؛ أعتقد أنّ الرّبّ يقبل توبتك»؛ والعجوز يفرك يديه:»آه يا سيّدي الكاهن! آه يا أبتي! لقد أزحت عن صدري عبئا ثقيلا!... سؤال أخير؛ سؤال صغير، يا سيّدي؛ هل أستطيع أن أقول له إنّ الحرب قد انتهت؟»... سؤال أخير؛ سؤال صغير للحكومة: هل انتهت الأزمة؟.

الصحبي الوهايبي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.