أخبار - 2020.05.28

محمد إبراهيم الحصايري: الطّبيعة تأبى الفراغ... والدبلوماسية أيضا...

محمد إبراهيم الحصايري: الطّبيعة تأبى الفراغ... والدبلوماسية أيضا...

البارحةَ، الأربعاء 27 ماي 2020، أكّد رئيس الجمهوريّة، مرّة أخرى، عند استقباله وزير الشؤون الخارجية، "أنّ تونس لها دبلوماسيّة واحدة".

ولأنّ الطّبيعة تأبى الفراغ... والدّبلوماسية أيضا، وحتى لا يظلّ رئيس الجمهورية يردّد هذا القول في كل خطاب وكل مناسبة، فإنّ دبلوماسيّتنا مدعوّة، في نظري، إلى أن تتجنّب أيّ شكل من أشكال الفراغ...

إنّ الفراغات تغري الخصوم والمنافسين بملئها...

وقد عانت دبلوماسيتنا وما تزال من عدّة فراغات...

فلقد أتى على وزارة الشؤون الخارجية حين من الدّهر عانت فيه، على امتداد أربعة أشهر كاملة، من فراغ على رأسها...

وحاليا، ما يزال عدد من بعثاتنا الدبلوماسية والقنصلية، في عدة عواصم بعضها كبرى، بدون سفراء وقناصل عامين...

وقد يتحجّج البعض بأنّ لهذه البعثات تقاليدها في العمل، وهو ما يجعلها تمارس مهامّها بصورة آلية حتىّ في غياب رؤسائها... وهذه حجّة واهنة واهية وإلاّفإنّ الحاجة إلى السفراء والقناصل العامين ستنتفي أصلا.

وقد يبرّر البعض الآخر البطء الملحوظ في سدّ الشغورات على رأس البعثات الدبلوماسية والقنصلية بالظروف غير العادية الناجمة عن جائحة كورونا، وأنا لا أنكر أن الجائحة أربكت العمل في بلادنا وفي سائر بلدان العالم وفي كافة المجالات والميادين... غير أنّني أعتقد أن الظروف غير العادية التي نعيشها الآن تستوجب عملا دبلوماسيا وقنصليا غير عادي، بل فوق عادي...

وإذ آمل ألاّ يكون سبب هذا البطء هو "التدافع" الذي أصبح سمة من سمات واقعنا السياسي المعتلّ كلما تعلق الأمر بالتعيينات في مناصب الدولة العليا، فإنّني أزعم أنه لو كان عملنا الدبلوماسي والقنصلي غير عادي أو فوق عادي في هذه المرحلة الحرجة، ما كانت وزارة المالية تقرّر الترفيع في تعريفات المعاليم القنصلية، ربّما دون أن تستشير وزارة الشؤون الخارجية في شأنها، ومن المؤكّد، دون أن تقدّر تداعياتها المادّية والمعنوية السلبية على أبناء تونس في الخارج.
على أنّ الأمر الأخطر من ذلك، في نظري، هو أنّه لولا فراغات الدبلوماسية الرسميّة لما وجدت إشكالية "تعدّد الدبلوماسيات" سبيلا إلى أن تنشأ، وأن تترعرع ولما استطاعت الجغرافية الحزبية المتشعّبة المتداخلة أن تفرض هذا الأسلوب الجديد في التعاطي مع شؤون البلاد في الداخل والخارج، وأن تمارس هذه "الدبلوماسيات الموازية" التي لا تتناغم بل هي قد تتناقض في رؤاها وأهدافها مع سياسة الدولة.

وللخروج من هذه المتاهة، فإنني أريد أن أجدّد الدعوة إلى إنشاء "المجلس الأعلى للشؤون الخارجية" الذي كنت اقترحت إحداثه حتى يكون سندا لرئيس الدولة المسؤول الأول عن سياسة تونس الخارجية في التصوّر والتنفيذ وتحديد المواقف والتوجّهات بصورة جماعية تنخرط فيها مختلف مكوّنات الساحة السياسية في البلاد بحيث لا تترك مجالا للتحركات المنعزلة ولا لتعدّد الدبلوماسيات الذي يؤثر تأثيرا سلبيا في صورة تونس ومصداقيتها والذي يضرّ بمصالحها وبمكانتها على الساحتين الإقليمية والدولية.

محمد إبراهيم الحصايري

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.