أخبار - 2020.05.26

محمد إبراهيم الحصايري: لا للنّرجسية الفائضة

محمد إبراهيم الحصايري:  لا للنّرجسية الفائضة

في الكلمة التي توجّه بها رئيس الحكومة مساء يوم الأربعاء 20 ماي 2020 إلى الشعب التونسي بمناسبة حلول عيد الفطر، استوقفني قَوْلُهُ،مُفَاخِرًا، إنّ حكومته استطاعت، بفضل ما توفّر لها من إرادة، أن تضرب الاحتكار حتّى إنّ الكمّيات التي تمّ حجزها من الموادّ المدعّمة، خلال الشهرين الماضيين، تجاوزت بأربعة أضعاف الكمّيات التي حجزت طيلة سنة 2019 كاملة.

ولهذا القول وجهٌ وقَفًى. أمّا وجهُهُ فهو الذي أبرزه لنا رئيس الحكومة ليؤكّد أنّ حكومته جادّة في محاربة الفساد والاحتكار، وأمّا قَفَاهُ فمسكوت عنه لأنّه يؤشّر إلى أنّ حجم الفساد والاحتكار تضاعف في ظل جائحة كورونا، في إخلال مجحف بالقيم والأخلاق، وخرق صارخ للقوانين والأنظمة، وتَحَدٍّ سافر للدولة وأجهزتها...

ومن هذا المنظور فإنّ حديث رئيس الحكومة عمّا سمّاه "التلاحم بين الدولة والمجتمع" كعامل من عوامل نجاح حكومته في التعامل مع الجائحة يحتاج إلى قدر كبير من التنسيب...

والحقيقة أنّ ما يثير القلق في كلمة رئيس الحكومة هو الكمّ الهائل من الرّضا عن النفس والإعجاب بها أو هذه النرجسيّة الفائضة التي عادة ما تربك رؤية الواقع وتمنع تشخيص أدوائه تشخيصا سليما.

لقد أكّد رئيس الحكومة أنّ حكومته استطاعت، رغم أنّها لم يَمْضٍ إلاّأسبوع واحد على مباشرتِهَا مَهَامَّهَا، أن تواجه "أعتى الأزمات التي عاشتها الانسانية جمعاء، جائحة الكورونا التي أطاحت بمنظومات صحّية لدول عظمى"، وأنّها "تحمّلت المسؤولية، منذ البداية، في إطارمقاربة استباقية وشاملة، محلّية ومركزيّة، مكّنتها من إدارة الأزمة".

ولست أريدُ أنْ أقلّل من شأن ما قامت به الحكومة، غير أنّني، في المقابل، أخشى أن تجعلنا النرجسيّة الفائضة نضع كمّامات الوقاية من فيروس الكورونا على أعيننا بدلا من أن نضعها على أفواهنا، فلا نرى ما ينخر مجتمعنا من أدواء مستفحلة ومستشرية، ولا نسارع إلى معالجتها، فلا نستطيع، عندئذ، أن نخوض، بنجاح، غمار المعارك الكبرى التي عدّدها رئيس الحكومة في كلمته.

إنّنا بعبارة أخرى نحتاج إلى أن نطلّق هذه النرجسية الفائضة التي ما فتئت منذ عقد كامل من الزمن تُوَرِّمُ في أذهاننا وهم "الاستثناء التونسي" الذي لطالما تغنّينا به والذي قادنا إلى ما بات عليه مشهد بلادنا اليوم من تشتّت وفرقة ومن ضبابية وفوضى... وإلاّ كيف يمكننا أن نفهم ما جاء على لسان رئيس الجمهورية، بعد ثلاثة أيام فحسب من كلمة رئيس الحكومة، حين قال في خطاب التهاني بعيد الفطر "إنّ الدولة التونسية واحدة ولها رئيس واحد في الداخل والخارج على السواء"، و"إنّ هناك من لا يطيب له إلاّ العيش في فوضى الشارع، وفوضى المفاهيم"... قبل أن يحذّر من "أن من يستعدّ للفوضى، ويتنقل من مكان إلى مكان لإضرام النار في ممتلكات هذا الشعب، "سيكون بالتأكيد أوّل من سيحترق بألسنة لهيبها"!..

محمد إبراهيم الحصايري
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.