ماهر الزعق: من أسرار الكورونا ..!
أحدثت الكورونا اضطرابات شملت كلّ المجالات وعطّلت سير الحياة العادية لمليارات من البشر و كانت لها تداعيات اقتصادية واجتماعية ونفسية متفاوتة الأثر و فاقمت من وتيرة الاتهامات بين الدُول وكشفت نفاق وتهافت الحكومات ولا يعرف إلاّ الشيطان من أين نبعت أطنان الدولارات لنجدة رأس المال وأصحاب المؤسسات ودخل الإعلام في هيجان استثنائي و هذيان مُريب فتدفّقت المعلومات و الإشاعات وتعدّدت أراء الأطباء وأنصاف الخبراء وأرباع العلماء واختلفت وجهات النظر ممّا زاد من منسوب الخوف والقلق والشكّ و اللامبالاة و انعدام اليقين لدى جلّ المُتابعين، ورغم ذلك وربّما بسببه، بقيت أسئلة مُعلّقة تستجدي الجواب ، أسئلة مِن مثل: هل الكورونا فعلا أخطر من بقية الأوبئة والأمراض ؟ لماذا كان الوباء قاسيا ومُميتا في بعض البلدان بينما كان رئيفا ورحيما في بلدان أخرى ؟هل سيشهد العالم موجة ثانية وثالثة لانتشار الفيروس ؟ أليس هناك تضخيم وتهويل وهل كان الحجر الصحي العامّ هو الحلّ الأسلم والوحيد لمواجهة الكوفيد ؟ ماذا لو كانت حدُّوثة الكورونا مؤامرة محبُوكة، ولكن من هو الطرف المستفيد ؟
تُعدّ الوفيات بسبب الكورونا بمئات الآلاف،في الولايات المتحدة الأمريكية وفي أوروبا والبرازيل و روسيا والصين وفي كندا ومصر وقطر والإمارات وتركيا وسنغافورة واستراليا و إيران واليابان ...، في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء ليست الكورونا ذات أولوية و منظمة الصحة العالمية لا توليها أي أهمية، فشعوب تلك البلدان لها نصيبها من الأوبئة الفتّاكة، ملاريا و إيبولا، مرض السلّ وفيروس السيدا ..ففي تلك الربوع الفقر يعني الهلاك المُحقّق و الجوع هو أشدّ قتلا من أي وباء .أمّا في سوريا الجريحة و في اليمن التعيس،في ليبيا المُفتتة وفلسطين المُغتصبة فالقتل والإرهاب والاعتقال والأسر والتهجير والدمار والحصار لم يتركوا للوباء أي فرصة لتصدّر المشهد والازدهار.
لا شكّ أنكم اطّلعتم على نشرة الكورونا ليوم 13 ماي،فمنذ أربعة أيّام لم تُسجّل أي إصابات و من جُملة 34323 تحليل ، تمّ إحصاء 1032 إصابة أي أقلّ من% 3،شُفي أغلبهم وبقيت 5 حالات تحت المراقبة الإستشفائية و للأسف الشديد توفّى 45 مواطنا حامل لفيروس الكورونا،وإن كانت هذه الأرقام مُطمئنة وتُبيح التفاؤل،فإنّها تدعو إلى التفكير والتساؤل،فمن المؤكد أنّه لو شملت التحاليل ملايين من الأشخاص فسنكتشف أن عدد الحاملين لفيروس الكورونا يتجاوز عشرات الآلاف،من الواضح أن التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية للوباء قد فاقت بكثير انعكاساته الصحيّة،مُغيظ هو تطاوس الوزير،أمّا تذاكي المسؤولين فيُوتِّر الأعصاب و التسرّع في رفع الحجر الصحي يدعو إلى الريبة والاستغراب وتباهي السلطات لا محلّ له من الإعراب،لأنّ العلاّت التي رافقت إستراتيجية مُواجهة الكورونا تفقأ الأعين،فجميعكم يتذكّر تخبّط الحكومة وتردّدها ،فكان التلكؤ في غلق الحدود والمقاهي والمدارس والمعاهد والمساجد والأسواق والكليات..وكان الازدحام في وسائل النقل والمطارات وأمام مراكز البريد و مقرّات المعتمديات،و كان التعثّر في إيجاد آليّة لمُراقبة المُصابين وكان حزم السلطات في فرض الحجر الصحي مُثير للشفقة ومن قبيل رفع العتب و تبرئة للذِمّة وتتذكّرون حتما التحاليل الخاطئة والكمّامات التي تعبق برائحة الفساد أمّا مصير مئات الآلاف من مُعدّات التحاليل المُستوردة فقد بقي مجهول.. وغير ذلك من الهِنات التي لو واصلنا تِعدادها لاتهمونا بالصيد في الماء العفِن،وعليه فإنّه من المُفيد رصد الأسباب المحورية التي أدّت إلى الحدّ من خطورة الوباء والتي لا علاقة لها ببركة الأولياء الصالحين ولا بانحياز الله إلى التونسيين،بل تتمثل أساسا في :
1/ طبيعة الهرم العُمريّ للشعب التونسي (la pyramide des âges)،فمعدّل الأعمار هو في حُدود 31.4 سنة ومُؤمل الحياة لا يتجاوز 74 سنة ونسبة الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاما لا تفوق % 10 من مجموع السكّان( % 97 من المُتوفين بالكورونا في إيطاليا تفوق أعمارهم 75 سنة)
2/ وجود "ذاكرة مناعية "صلبة لدى التونسيين (mémoire immunitaire)،نتيجة الالتزام والانضباط في تطبيق رُزنامة التلاقيح ،في حين أن العديد من التلاقيح مثل الب.س.ج(BCG) و التلقيح المضادّ للحصبة ليست مجانية ولا هي إلزامية في الكثير من البلدان
3/ الرُكود الاقتصادي ومحدودية حركة الطيران،فالواضح أنّه كلّما كان نشاط الطيران كبيرا وتدفّق السلع و المسافرين غزيرا،كلّما كان الوباء أكثر انتشارا وأشدّ تأثيرا.
4/ الثقة الكبيرة للمواطنين في الكفاءات الطبية التونسية،جعلتهم يلتزمون بتوصياتهم ويُنفّذون الحجر الصحيّ بشكل معقول خصوصا في الأسابيع الأولى
5/ صلابة المجتمع المدني الذي لعب دورا هامّا في احتواء الوباء سواء بالتوعية والتطوّع أو بالنقد والضغط على السلطات
6/ العقل الانتهازي والوصولي للقائمين على منظومة الحكم،زيّن لهم أنّ إقرار الحجر الصحي العامّ هو منفذ مضمُون لتبرير الفشل الاقتصادي المحتُوم وأنّ فيروس الكورونا المستجدّ،يُمثّل فرصة حقيقيّة لتلميع صُورهم السياسيّة ولانتهاك الحقوق الاجتماعيّة و الاعتداء على المكاسب الديمقراطيّة
هذا هو السرّ الذي جعل حصيلتنا في مواجهة الكورونا مرْضيّة،أمّا إذا أردنا إبداء الرأي في الحصيلة العالمية،فيُمكن الجزم دون تردّد أن تفشّي الكورونا كان أسرع و تأثيراته الصحيّة كانت وخيمة،كلّما كان قطاع الصحة العمومية في بلد ما مُتدهورا(يُمكن اعتبار الصين مثالا مُعاكسا)،كلّما كان اتخاذ إجراءات الحجر والوقاية مُتأخرا (إيطاليا ،البرازيل،بريطانيا..)،كلّما كان مُؤمل الحياة مُرتفعا والتهرّم السكاني كبيرا( أوروبا بصفة عامّة وإيطاليا بصفة خاصّة )،كلّما كانت حركة الطيران كبيرة(قطر و الإمارات وسنغافورة مثالا )كلّما كان الحاكم شعبويا(ترامب، جونسن، بولسونارو رئيس البرازيل وبدرجة ما ماكرون و بوتين)وبالخلاصة فالكورونا تجِد ميدانها المُفضّل وتنتعش أيّما انتعاش،في بلد مُتطوّر اقتصاديا،له حركة طيران كبيرة وحدود مُشرّعة وقطاع عامّ مُهلهل ومُجتمع مُتهرّم،بلد يحكمه رئيس شعبوي مُتضخّم الأنا ومُتعجرف،تهاون في اتخاذ إجراءات الحماية و تأخّر في توفير مُتطلبات الوقاية، وللحديث بقيّة..
ماهر الزعڨ
- اكتب تعليق
- تعليق