أخبار - 2020.04.20

مختار اللواتي: مازال هناك أمل

مختار اللواتي: مازال هناك أمل

تابعت مساء أمس حوار رئيس الحكومة التلفزيوني على القناة الوطنية، مثلما فعلت مع حواره السابق الذي عنونت مقالي عنه، لو تذكرون، بـ"هل هي بداية التصحيح؟". وقبل التطرق لما جاء في هذا اللقاء التواصلي التلفزيوني المباشر، لا بد لي أن أوضح أن هناك كثيراً ما يُنقد، بشكل مجرد وعام، في ثنايا وتفاصيل هذا اللقاء. تماما، مثلما كان الحال بالنسبة إلى عدد من قرارات وسلوكات بعض أعضاء الحكومة ومسؤولين في الدولة، في مراتب ومواقع متنوعة، من أعلاها إلى أبسطها. وقد لفتُّ شخصيا الانتباه إليها ونقدتُها ومازلت. كما قدمت كثيرا من الاقتراحات في مناسبات عدة من أجل النجاح في الإصلاح، سواء في تدوينات فايسبوكية أو ضمن مقالات . ولعل رسالتي المفتوحة إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في السابع والعشرين من مارس الماضي، ومقالي "هل هي بداية التصحيح" الذي أشرت إليه في أسطر سابقة، ومقالي عن إجلاء العالقين خارج أرض الوطن، حيث نبهت إلى خطر الإغفال عن إمكان تسرب إرهابيين ضمنهم، لتدل كلها أن الغاية هي المساعدة على النجاح في هذه الحرب، برغم كل الاعتراضات التي يحملها كثيرون، وأنا من بينهم، على تركيبة منظومة الحكم بأكملها، من مجلس النواب إلى رئاسة الجمهورية، وبالذات الاحترازات من تركيبة الحكومة، وعدم الاطمئنان لصدق نية حركة النهضة في خدمة الدولة الوطنية ودعم أسسها وأركانها.

ومع ذلك، وبنظرٍ عقلانيٍ بحت، وبباعث وطني مجردٍ من كل ارتهان إيديولوجي ونظري، أرانا نخوض حربا حقيقية مفروضة علينا. فلا نحن استعددنا ولا نحن عرفنا عدونا فيها ولا امتلكنا أسلحة صده ودحره. والأخطر أنها باغتت بلدنا وشعبنا ونحن في الدرك الأسفل، فقرا ومعاناة جرّاء سياسات منظومات الحكم السابقة التي أوصلت الدولة إلى حافة الإفلاس، ومعظم فئات الشعب إلى عتبة الفقر والهوان وأشد حالات الضغط النفسي وطأة وقهراً..

زد على ذلك أننا لم نختر، في غالبيتنا، القيادة التي تدير هذه الحرب. ونعني الحكومة القائمة الحالية، ذات الصلاحية الدستورية، بموجب تصديق مجلس نواب الشعب على تشكيلتها وبرنامجها، لتخطيط وتسيير مختلف أجهزة الدولة الراجع لها أمر تنفيذ مختلف البرامج المتعلقة بسير هذه الحرب في كل أبوابها وبكامل تفاصيلها.

ولإيجاز القول، أكتفي بالتذكير أن رئيس الحكومة هو القائد الفعلي لهذه الحرب باعتباره رئيس الجهاز التنفيذي المركزي للدولة، بتنسيق مع رئيس الجمهورية الذي يعود له الإشراف والتسيير لأشغال مجلس الأمن القومي ولقواتنا المسلحة، وهما ركيزتان أساسيتان في الدولة. فما بالك في حالة الحرب. وهي حرب ضروس لا حليف لنا فيها سوى قوتنا الذاتية، وتعاطف البشرية جمعاء، مع بعضها البعض. والبعض من ذوي البصيرة الصافية من هنا وهناك في العالم.

فلا الوقت وقت ثورة ولا هو وقت تأليب كل القوى الوطنية لمعارضة هذه الحكومة أو منظومة الحكم برمتها والتهيئة لاستبدالها بمنظومة وطنية بحتة في دولة مدنية مواطنية حق!

لكل ذلك، أراها مرحلة إصلاح من أجل إنجاح مسعى الحكومة لربح هذه الحرب وتقليل خسائرنا فيها إلى أبعد حد ممكن. فيكون النقد والاقتراح، هما المطلوبان الآن. على أن يكونا محدَّديْ الهدف على مصدر كل خطأ من أجل منع الانحراف وتقويم المسار وتحقيق الإصلاح وبالتالي النجاح !

واستنتاجا مما سبق، قررت في هذا المقال، أن لا أ قف عند تفاصيل حديث إلياس الفخفاخ ليلة أمس، مثل مسألة صفقة الكمامات  وخروج أعلى المسؤولين في الدولة على قرارات وإجراءات الدولة، وغيرهما. وإنما أن أجعل تعليقي متعلقا بالجوهر وبالأصل، دون الفروع، بشكل قد يصدم ربما عددا من الأصدقاء، كما قد تتقبله عقول وضمائر كثيرين آخرين.. 

بداية أنا مثل كثيرين غيري، قد عبرت عن نقدي لسلوكاتٍ كثيرةٍ لمسؤولين في الدولة وعلى رأسها، ومازلت، مثلما ذكَّرت منذ حين. ولكن دعونا نُنَزِّل المسألة برمتها في إطارها وهو إدارة حرب لامثيل لها في الغموض وفي الشراسة على مستوى بلدنا والعالم، على الأقل في العصر الراهن.. وإن قائد هذه الحرب في بلادنا لايملك مطلق الحرية لإدارتها، ولا خيار له إ لا مواصلتها وبذل قصارى الجهد للنجاح فيها، برغم كل العراقيل والمطبات، المزروعة هنا وهناك. في ضوء هذه الرؤية أقمت تقييمي لظهور إلياس الفخفاخ التلفزيوني البارحة..

لقد ازددت تأكداً مما تساءلت بشأنه في تعليقي على ظهوره السابق. فتيقنت هذه المرة بأنه عازم على الإصلاح، وهو صادق فيه. وإنه اختار الأسلوب الصحيح بمكاشفة الشعب، قدر الإمكان،وبصفة دورية مثلما تعهد ليلة أمس، بمجريات الأمور حتى لا يبقى معزولا وتنفرد به الذئاب والضباع معاً. مع مواصلته الاعتراف بالأخطاء والتصميم على إصلاحها كلما ظهرت. وللتذكير كنت طالبت رئيس الدولة في مقال نقدي لخطابه يوم أداء القسم في البرلمان بعد فوزه الكاسح في الانتخابات الرئاسية، بأن يخرج على الشعب بصفة دورية كل أسبوع للحديث إليه. وطبعا بعد تجربة الأشهر الماضية لم يعد يدور بذهني تكرارطلبٍ إليه من ذلك النوع.. فقط أدعوه إلى عدم نسيان أنه رئيس دولة وطنية عصرية في القرن الحادي والعشرين، تقوم على مؤسسات وتسوسها قوانين، على رئيس الدولة وسائر المسؤولين فيها أن يعطوا المثل باحترامها. أما مع رئيس الحكومة الحالي، فنعم، أدعوه إلى الاستمرار في الحديث إلى الشعب كل أسبوع!

والاستنتاج الأهم، بعد سماعي له في هذين اللقائين، السابق وذاك لمساء أمس، أنه بصدد مصارعة أمواج عاتية من حوله ومن فوقه. ولا قدرة له على دحرها والقفز عليها مرة واحدة. يبقى السؤال إلى أي حد سينجح في تحقيق نتائج إيجابية في مشروعه، وإلى أي حد يقدر أن يتخطى مختلف تلك العراقيل والانحرافات؟، فهذا ماستظهره الأيام!.

لذلك برأيي، يبقى الخيار الأسلم هو عدم الانخراط في حملات التشويه متعددة المنابع، ومنها ماهوآتٍ ممن لايروقهم خروج إلياس الفخفاخ من هذه الحرب ناجحا وبالذات مسترجعا ثقة المواطنين. لذلك أرى أن النقد والنصح لا بد أن يستمران ولكن بشكل منحصر في مكان الخطأ وفيمن قام به، دون تعميم، مع اقتراح البديل. فلا نعطي صكا على بياض. كما لا ننخرط في مخططات أطراف، إما تريد خطف الأضواء لصالحها إن كان هناك نجاح، أو لإغراق قائد الحرب إن أمكن ذلك كلما بدت بعض التعثرات لتتملص من تبعاتها، مثلما هو الحال دائما مع حركة النهضة ككل مرة في السنوات العشر الماضية. أو أطراف تخشى أن تفقد الأمل الذي بدأ يلوح لها، بأن تؤول إليها قيادة السفينة التائهة، مثل الحزب الحر الدستوري، أو حزب قلب تونس. دون نسيان لوبيات التهريب والاحتكاروبارونات الإرهاب، وقد احتلت بعدُ مقاعد في البرلمان..

فعلاً، المرحلة دقيقة للغاية. والتفكير في التمادي في المعارضة الجذرية لذات المعارضة، لن يؤدي إلا إلى الخراب هذه المرة في ظل هذه الفوضى العارمة وهذه العاصفة الهوجاء التي تجتاح العالم بأسره!

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.