أخبار - 2020.04.03

إيناس الطوير: الإشاعة قذيفة مذاعة

إيناس الطوير: الإشاعة قذيفة مذاعة

أمام الحجر الصحي الذي فرضته دول العالم للتوقي من جائحة فيروس كورونا وارتباط المواطنين بهواتفهم الجوالة لمتابعة الأخبار اليومية أصبحت التفاعلية الافتراضية، تحتل مكانة كبيرة في الوسط الاجتماعي على الصعيدين الوطني والدولي مما ساعدها في تشكيل "حضارة كونية جديدة" تتشكل معالمها يوما بعد يوم. مما لفت انتباه الباحثين ودفعهم إلى الغوص في تجلياتها وفي الوظائف التي تقوم بها هذه الوسائط الرقمية المتميزة بالمشاركة الفورية وسريعة الانتشار.

ولئن كانت شبكات التواصل الاجتماعي وخاصة الفايسبوك من أكثر الشبكات استعمالا وشعبية لدى مستخدمي الأنترنت، فقد خلقت فضاء لترويج كم هائل من المعلومات والإشاعات على منصاتها الافتراضية في زمن الكورونا.

وبالتالي أدى تفاعل مستخدميها إلى نشر الإشاعة فيما بينهم وتسارع نقلها من صفحة إلى أخرى بالرغم من أنها تعتبر ظاهرة اجتماعية قديمة وليست وليدة اليوم، تطورت بتطوّر المجتمعات وانخراطها في حركة تقاسم المعلومات ونشرها وفقا للتغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية ومؤخرا الصحية دون أن يتكبّد الناقل مسؤولية التأكد من المعلومة التي يتقاسمها مع شبكة علاقاته الافتراضيّة.

فانتشار الإشاعة شفويا أو رقميا عبر شبكات التواصل الاجتماعي وسط جماعة معيّنة مرتبط مباشرة بطبيعة محتواها وأهميتها بالنسبة إلى مصير أفرادها، فتتحوّل تلقائيا وفق قواعد التبسيط والتضخيم والتوجيه باتجاه المشاعر القوية لمتلقيها لتكسب من جراء ذلك بنية ذاتية.

وفي الآونة الأخيرة ومع تزايد عدد المصابين بفيروس كورونا، تكاثرت الإشاعات والشائعات مستمدة قوة تنعشها وتغذيها من خلال التّركيز الإعلاميّ الدولي والوطني على الفيروس.

ويجمع المختصون على أن وسائل التواصل الاجتماعي والتطور التقني ساهما في سرعة انتشار الشائعة مما أكسبها دلالات معاصرة جعلها تنتقل من فضاء المجتمع المصغّر كالأسرة والحي إلى مجال أكثر شساعة وسرعة في الانتشار عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

والشرط الأساسي للتوقي من هذه الآفة التي لا تقل خطورة عن الفيروسات هو وعي المتلقي وقدرته على التثبت من صحة ما يقدم إليه من معلومات والبحث عن المعلومة الصحيحة من مصدرها الأصلي.

والإشاعة حسب ما عرفها معجم الوسيط هي "خبر ينتشر غير متثبت منه، أما الشائعة فهي الخبر الذي ينتشر ولا تثبّت فيه". وهي حسب شارلز أندال" عبارة عن رواية تتناقلها الأفواه دون أن ترتكز على مصدر موثوق يؤكد صحتها" وللإشاعة تعريفات عديدة لعل أهمها ذلك التعريف الذي يعتبرها " كل قضية أو عبارة مقدّمة للتصديق يتم تناقلها من شخص إلى آخر عادة بالكلمة المنطوقة."

فالشائعة إذا هي خبر يحمل في طياته أهمية ويتناقله الأفراد عن طريق الأفواه قادر على هز الرأي العام في المجتمع وبلورته. ومن المنظور النفسي تخضع الشائعة إلى شرطين أساسيّين هما الأهمية والغموض، وهي عبارة عن ترويج لخبر مختلف لا أساس له من الواقع أو هي المبالغة في سرد خبر يحتوي جزء ضئيل من الحقيقة.

ومن ثم باتت الشائعات تعد من أخطر وأفتك الوسائل المعتمدة في تغذية الحرب النفسية بين الجماهير أو العموم وذلك لسريانها السريع. ويمكن تلخيص أهدافها في عملية ترويج أنباء كاذبة وأخبار مشكوك في صحتها.

ولبيان قيمة ودور الوسائط الرقمية في عمليات التواصل والتفاعل اليومية، شهد مفهوم الشبكة حسب بيار ماركلي في العقود الأخيرة تطورا بمجال العلوم الاجتماعية وتضاعف بعد بروز الأنترنت مما أدى إلى مزيد اهتمام علم الاجتماع بالسلوك الفردي والجماعي في الفضاءات الافتراضية باعتبارها فضاءات حديثة يتردد عليها الكثير من الأفراد أتيحت لهم فرصة التحول من موقع المستهلك السلبي إلى المشارك الفاعل في صناعة المضامين المتبادلة بدرجات متفاوتة استرجع من خلالها الفرد دوره في صناعة الخبر.

ومن منطلق حاجة الانسان إلى التواصل والانخراط في المنظومة الاجتماعية، دأبت المقاربات المهتمة بالتأريخ لنظريات الاتصال حسب أرمان وميشال ماتلار إلى اعتماد الخلفية التقنية في تتبع تبلور هذا النوع من المعرفة وخاصة خلال القرن التاسع عشر تزامنا مع ظهور الأنظمة التقنية الأساسية للاتصال وتكريس مبدأ " التبادل الحر" باعتباره القرن الذي احتضن ميلاد رؤى وأفكار تأسيسية ترى في الاتصال عامل اندماج وتواصل للمجتمعات الإنسانية.

كما اهتم كل من أرمان وميشال ماتلار بدراسة التفاعلات الاجتماعية التي أسست لظهور سوسيولوجيا فرعية مهتمة بالتجليات الذاتية للفاعل الاجتماعي في إطار مقارنة تاريخية.

تحيل إلى ظهور المفاهيم الأولى لتيار بحوث وسائل الاتصال الجماهيري وقد اعتمدا في ذلك على كتاب لاسوال (1978-1902) وعنوانه تقنيات الدعاية خلال الحرب العالمية، والموصوفة بالحرب الشاملة. فقد أظهرت الحرب أن وسائل الاتصال قد غدت أدوات ضرورية لإدارة الرأي العام كما هو الحال بالنسبة لحربنا مع فيروس كورونا في الوقت الراهن.

ولتحديد ماهية التفاعل الثقافي والاجتماعي الافتراضي، درس علماء الاجتماع وسائل الإعلام بما فيها شبكات التواصل الاجتماعي بوصفها أدوات وآليات مركزية في تنظيم المجتمع ورسم ملامحه التواصلية. للكشف عن الحقيقة ومد الفرد بالمعطيات الصحيحة من مصدرها الأساسي. فانتشار الشائعات والمعلومات المغلوطة حول فيروس كورونا، عبر الفضاء الرقمي، من شأنه إثارة الذعر في صفوف المواطنين، والتأثير على وضعهم النفسي.

وفي مواصلة ما بدأته مدرسة فرانكفورت من بحوث من خلال مؤلفه "الفضاء العمومي" اهتم هابرماس بدراسة الفضاء العمومي كونه مجالا لممارسة المواطنة وصياغة الرأي العام. معتبرا إياه مفهوما يستوجب البحث في شروط قيامه وتطوره التاريخي. وبالتالي الوقوف على التطورات التكنولوجية الحديثة التي شكلت فضاء عموميا افتراضيا من شأنه أن يساهم في صياغة الرأي العام وكذلك التأثير فيه.

إيناس الطوير

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.