أخبار - 2020.04.03

مختار اللواتي: هل هي بداية التصحيح؟

مختار اللواتي: هل هي بداية التصحيح؟

سرتني ردّةُ فعلِ مواطناتٍ ومواطنينَ، كثيراتٍ وكثيرينَ، على كلامِ رئيس الحكومة في حواره التلفزيوني المباشر على القناة الوطنية ليلة أمس، الثاني من أفريل 2020..

هي إشادةٌ، في عباراتٍ متنوعة طبعت تعاليقَ الكثيراتِ والكثيرين، بماجاء في ذلك الكلام من تصميمٍ على إنفاذ القانون على الجميع، بدون استثناء. ومن اعترافٍ صريح ٍبما حصل من تقصير أو من نسيان، برغم تجنيد طاقات كبيرة وكثيرة لخوض المعركة ضد الوباء الداهم على حين غِرَّة على بلدنا. ومن سرعة في التعديل وفي تصحيح الإخطاء دون مكابرة. ومن تشبث شجاع بالدور الذي يخوّله الدستور لرئيس الحكومة، في مثل هذا الظرف الاستثنائي الخطير، لقيادة هذه الحرب ضد ذلك الوباء، بدون مواربة أو مجاملة. ومن تسخير لأجهزة الدولة من أجل ولفائدة هدف إنقاذ حياة الناس، والعمل على حصر الخسائر في الأرواح في حدها الأدنى. ومن طمأنةٍ للشعب بأنّٰ كلّ المحاذير تم درسها وتم أخذ الإحتياطات اللازمة لمواجهتها، إن حدثت. وما فتحُقاعةِ عملياتٍ مختصة تعمل على مدار الساعة، وتأليفُ مجلسٍ علمي إستشاري دائم التقصي والبحث والتشاور لتقديم الرأي السديد إلى الحكومة، إلا تأكيدٌ للتمشي الاستباقي  الذي توخَّتْه..

شخصيا، شدني كلام السيد إلياس الفخفاخ الذي ظهر، لأول مرة، كامل الوثوق من نفس ومن الدور المناط بعهدته، وبارعا في حذق الجانب الاتصالي أكثر من أي وقت مضى. لقد بدا لي رجلَ سياسة بالمفهوم الإيجابي، غيرَ مرتبكٍ ولا متردد. صريحا تماما حينما تلزم الصراحة وحين يلزم الوضوح، مثلما كرر أكثر من مرة اعتزامه بموجب ما يخوّله له الدستور في فصله السبعين، إصدار مراسيم تشريعية تمنع الفراغ وتضمن تطبيق القانون على الجميع، مهما بدت مراتب البعض عالية أو محمية " ما ثمة حد على راسو ريشة". كما كان مُلمحا، بما يحفظ شعرة معاوية، عند الإشارة إلى التجاذبات الحاصلة بين أطراف السلطة، التنفيذية والتشريعية في الدولة. دون أن يقفز على التضييقات التي أرادت السلطة التشريعية فرضها، من دون موجب وفي مسعى مخالف لمنطوق الفصل 70 من الدستورالذي لم يُلحَق به من الأصل أي تشديد احترازي أو أي تحديد للمجالات التي قد تشملها مراسيم رئيس الحكومة. والحال أن الوضع الاستثنائي الذي تعيشه البلاد، وهو وضع فريد من نوعه، ويكتسي صبغة حرب عالمية على جائحة شديدة الخطورة، بالغُ الوضوح للمجالات التي يمكن أن تشملها تلك المراسيم. ولا داعي لحصرها وتحديدها مسبقا. 

وكان رئيس الحكومة حريصا، وهو يعرض وجهة نظره بشأن هذا الاختلاف في التقييم بين الطرفين، على عدم المضي بعيداً في شرح أسبابة أو التوسع فيه. بل إنّه حمله على الجهد الجاري والواجب بذله من مختلف الأطراف لكسب الثقة وتأصيلها فيما بينها. دون أن يفوته التأكيد أنّ تلك الثقة حاصلة الآن بين أعضاء الفريق الحكومي، وقال إنّهم يعملون في انسجام..

كأنّي بإلياس الفخفاخ في هذا اللقاء التلفزيوني المباشر قد عاد إلى مخزون حزبه الأم، التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، فيما يتعلق بالعدالة وبالمصلحة العليا للبلاد وبإنفاذ القانون على الجميع من أجل النجاح في هذه المعركة. دون أن يهمل الإشارة إلى ما بعد انتهائها والنصر فيها، بما يقتضيه الأمر من إعداد العدة للاستفادة من فرص عديدة تتيحها لتونس المتغيرات المرتقبة على الساحة الدولية، وفي النظام العالمي ككل..

وإذا كانت السياسة هي فنّ الممكن، فإن إلياس الفخفاخ بدا في خطابه واعيا بالمساح الممكن المتاح له، أو الذي أتاحته له الحرب على جائحة كورونا، فبذل كل جهده كي لايُفلت من بين يديه فيفوِّت فرصة قلّما يجود بها التاريخ أو القدَر على الحكام، شريطة أن يحسنوا استغلالها لفائدة شعوبهم بالطبع. وقد كنت في رسالتي المفتوحة بتاريخ 27 مارس، إلى كلّ من رئيس الدولة ورئيس الحكومة، قد دعوتهما إلى جعل هذه الفرصة النادرة نصب أعينهما. ويبدو لي أنهما وعيا مضمون الرسالة وصدق صاحبها، بما لاحظتُه في كلمة رئيس الجمهورية في اجتماع مجلس الأمن القومي قبل يومين، وفي كلام رئيس الحكومة ليلة أمس.. وهذا يُحسب لهما!

غير إنّ سروري الذي بدأتُ مقالي هذا به، في ضوء مالاحظته من ردودِ بناتِ وأبناء ِهذا الشعب الطيب، الذي ينسى وجائعه بسرعة بمجرّد لمسةِ صدق، سرعان ما يتراجع، خوفا من خيبة أمل قد تصعك هؤلاء المستبشرين الفرحين، لا قدر الله، إذا ما خذلهم الفخفاخ في قادم الأيام. خاصة وأنّ في الحلق وفي البال مازال أثرُعلقمِ خيبات الأمل السابقة لم يَمَّحِ، من توافق الراحل الباجي قايد السبسي، وتنكره لوعوده الانتخابية، إلى تراجع يوسف الشاهد، أو تخاذله بعدما صفق له نفس بنات وأبناء هذا الشعب الطيب حينما أعلن حربه على الفساد. فأطلقوا عليه صفات البطل والشجاع والمنقذ ..ثم عادوا لينكفئوا على مرارة خذلانه لهم.. وحتى على افتراض أنّ الشاهد كان قد لقي من العراقيل الشيء الكثير ممٰا حال دون مواصلته حربه تلك، مثلما سرّب أو  ألمحبعد فوات الأوان، فإنّ تغليبه لجانب المناورة السياسية وتشبّثه بالكرسي وبطموحه إلى الرئاسة على مصارحة الشعب بالحقيقة، لايعفيه من حكم الكثيرين له بخذلان الشعب. ولعل النتيجة التي خرج بها من سباق الانتخابات الرئاسية، وخرج بها حزبه من الانتخابات التشريعية، تؤكد ذلك..

لذلك، فما أتمناه، هو أن تؤكد الأيام القادمة، سيادة رئيس الحكومة، صدق نيّتك وعزمك ورسوخ قناعتك بخدمة الشعب والإخلاص إليه، والوقوف إلى جانبه في ظرف حرج كهذا، سيذكر التاريخ مَن أخلص فيه ومن تخاذل ومن خان ! ولك سديد النظر، كما يقال !   

مختار اللواتي

إعلامي تونسي حرّ

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.