أخبار - 2020.03.28

الصادق شعبان: مات صديقي أحمد الزغل

الصادق شعبان :ومات صديقي أحمد الزغل

صديق عزيز ...

مؤسسة بذاتها ...

أخلاق.. كفاءة .. وطنية عالية .. نفس تطوعي ... خدوم ... و ذو كرزما عالية - من صغره إلى تاريخ الوفاة.

مات زمن الكورونا، لكن لم يمت بالكورونا .. مات عن سنّ متقدمة ... بعد مرض قصير ..

تعازي لزوجته العالمة المتألقة رياض الزغل ... ولكلّ أسرته ... و لأصدقائه الكثيرين... و للأسرة التربوية... و لأسرة الدفاع عن البيئة ... و لكل أبناء صفاقس الذين عرفوه و أحبوه ... ولأصدقائه من تونس كلّها ...

كنت تلميذا وكان هو في الستينات مديرا لـ "ليساي الحي" كما نسميه في صفاقس ، معهد 15 نوفمير .. أخذ هذا المعهد اسم مؤتمر 1955 ... للحزب الحرّ الدستوري ... انعقد المؤتمر في هذا المعهد ، و كانت لحظة دقيقة ، لفصل خلاف داخلي في الحزب، بقاؤه كان خطيرا على استقرار البلاد مدة تأسيس الدولة الجديدة...

أحمد الزغل كان من طينة الأساتذة و المعلمين القدامى في بداية الاستقلال ... وفي مراحل متقدمة من بناء الدولة ... كان هؤلاء جنودا بحقّ... لم يكن دورهم تعليميا فقط وإنّما كان دورا تربويا ...
الكثير منا يعرف ، ويشهد ، أنّ لولا هؤلاء الرجال لما كنا نبني تونس كما يجب متعلّمة متنورة ، ولا نحن تحصلنا على وظائف أو وصلنا إلى مراتب عليا ...

كانوا يهتمون بنا أينما كنا ، ليس في رحاب المدرسة فقط...و إنّما في كل المحيط الذي ننشا فيه ... يتابعون ، يرشدون ، يساعدون .. وعند الاقتضاء يؤدبون ...

المدرسة هي التي بنت الدولة ... وهي التي بنت المجتمع... وإذا انتهت المدرسة الجمهورية تنتهي الدولة و تتلاشى قيم المجتمع ... الطبقة الوسطى هي نتاج المدرسة الجمهورية ، وهي إسمنت المجتمع ...

سوف أذكر حادثتين معه و أنا تلميذ في المدرسة ... لأبيّن لكم ما قلت ، و أشرح جانبا من خصال رجل التعليم ودور سي أحمد الزغل في بناء الاجيال رحمه الله ...
و ما حصل حصل مع الكثيرين ...

1- في 1962.. كنت ألعب ماتش كرة قدم في" بورة العذار " المحاذية للمعهد ... دون مبالاة ... و اذا بالأولاد يصيحون سي أحمد جاء ... سي أحمد جاء ... هاربين في كل في اتجاه ... لم اقدر أنا على الهروب... كنت قريبا منه ... وقعت بين يديه مع ثلاثة آخرين...

يومان طرد من المدرسة ... كانت تلك هي العادة : الانضباط حتى خارج المدرسة ... كان اللعب في الحوم (جمع حومة ) ممنوعا ...
أعلم مدير المدرسة الابتدائية سي محمد بكور المناضل الكبير - أطال الله في انفاسه ... و هذا أعلم أبي رحمه الله .. و كان العقاب درسا لي ... و دفعني إلى الانضباط ...

2- في جوان 1967 ، كنت حصلت على جائزة الرئيس الحبيب بورقيبة في بكالوريا آداب... و كانت الأولى لليسي ...

كان من الضروري أن أذهب إلى قصر قرطاج .. و أنا في عمر 17 سنة ... لم أعرف تونس من قبل وليس لي فيها أقارب... كنت خائفا من السفر ... فكان سي أحمد رحمه الله أخذ بأيدي... ويفسر لي أين ألقى النزل وكيف ان علي امتطي الـ tgm - قطار حلق الوادي المرسى - وأنزل في محطة قرطاج الرئاسة ... ماذا ألبس و كيف آخذ الصور مع الرئيس بورقيبة تذكارا لليسي ... ثم قدم لي المال من جيبه ... وألحّ علي لأخذه... كنا أبناء فقراء في الغالبية القصوى ، والمدرسة كانت بيتنا الأول ... والمديرون و المعلمون الأباء والجنود ... وما فعله معي فعله بعدي مع تلاميذ الليسي المتفوقين ...

حادثتان لم أنساهما ، وفيهما تعبير عن القيم التي عند هذا الرجل ...

التقينا عديد المرات فيما بعد... وكان أصبح رئيسا لبلدية صفاقس ... ورئيسا لجمعية البيئة...  لعل آخرون يقدمون شهاداتهم على ما قام به الوطن، وللمدينة ..  كان يحضر جل التظاهرات إلى سنّ متقدمة ..

بقي دائما كما هو ، جميلا أنيقا كبيرا في كل المواقف ، صغيرا لطيفا أمام الضعفاء ..

رحمه الله رحمة واسعة ..

أتمنى أن نقيم له التكريم الذي يليق ... إخلاصا له ... وتذكيرا بعظمة ما قام به رجال الدولة الوطنية...

الصادق شعبان

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
2 تعليق
التعليقات
LAKHOUA - 28-03-2020 15:10

bonjour, un bel hommage pour un homme d'exception allah yarhmou

سامي الفريخو - 28-03-2020 21:47

كلمة حق في الرجل شكرا أستاذي العزيز. دمت في صحة جيدة

X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.