أخبار - 2020.03.27

الطيب اليوسفي: كان الفقيد حامد القروي رجل دولة بأتمّ معني الدولة متشبعا بمفهوم الدولة وقيمها ونواميسها (ألبوم صور)

الطيب اليوسفي: كان الفقيد حامد القروي رجل دولة بأتمّ معني الدولة متشبعا بمفهوم الدولة وقيمها ونواميسها

بقلم الطيب اليوسفي - مدير ديوان الوزير الأول سابقا  - برحيل الدكتور حامد القروي تفقد تونس أحد أبرز رجالاتها الذي طبع بمسيرته الحافلة حقبة ثرية من تاريخ بلادنا ومن مسار دولة الاستقلال.

عرفت الدكتور حامد القروي عن قرب لمدة لا تقل عن عشر سنوات أثناء اضطلاعه بمهام الوزارة الأولى ولمست فيه خصالا إنسانية متميزة وخصال رجل دولة نادرة.
وأذكر أنّه في اللقاء الأول الذي جمعني به قبل مباشرة مهامي بديوان الوزير الأول بادرني بالقول: "بلغني أنّك متردد في قبول المهمة وأنّك مستقل وصعب المراس لكن اطمئنك بأن المطلوب فقط القيام بعملك على الوجه الأفضل دون تدخلات وفي كنف روح الفريق المتكامل.  كما اطمئنك بأني أمقت التكمبين والممارسات اللأخلاقية ونحن هنا في خدمة الدولة ولا شيء غير الدولة ".

ويضيق المجال لتعداد خصال الفقيد الذي كان محل احترام وتقدير كل من عرفه عن قرب أو عاشره وكل الشخصيات التي التقى بها في الداخل وفي الخارج. كما كان محل تقدير كبير من كل أعضاء الحكومة والمنظمات الوطنية. وشخصيا لمست لديه الصدق والنزاهة والتواضع وسعة الصدر وقبول الرأي المخالف وحتى النقد.

كما كان يتميز بنظافة اليد والتعفف ويمقت مظاهر البذخ والترف.  وقد ردد على مسامعي كم من مرة مقولة :"  as-tu jamais vu un coffre-fort  suivre un cercueil?".

كما كان الفقيد رجل دولة باتم معنى الكلمة متشبعا بمفهوم الدولة وقيمها ونواميسها يؤمن بأنّ الدولة تعلو ولا يعلى عليها وبأن ضعف الدولة وانخرامها يفتح باب الإنفلات والفوضى والدخول في متاهات المجهول. كما كان من أشد المؤمنين بتلازم البعدين الاقتصادي والاجتماعي في منوال التنمية.
 وكان الفقيد رمزا من رموز الانفتاح يرفض الانغلاق والتحجر والاستبداد بالرأي.  وكان يؤمن بحرية الإعلام وقد صرح بذلك علانية في عديد المناسبات.  وكان يؤمن بحقّ الصحفي في الخطأ ويردد مقولة : le journaliste a droit à  l'erreur

وقد صرح لي شخصيا برفضه لكل الممارسات المنافية للحريات وبأنّه سعى مرارا وتكرارا لمد جسور الحوار والتواصل مع المعارضة وضمان الحريات العامة والفردية من منطلق إيمانه بأنّ التحرر الاقتصادي لا معنى له بدون حرية التنظم والرأي والتعبير. وقد نجحت مساعيه أحيانا وووجهت مرات أخرى باعتراض بعض قوى الانغلاق. وكان للفقيد علاقات متميزة مع عدد من قادة الدول الشقيقة والصديقة والشخصيات الدولية المرموقة.

وكان الدكتور حامد القروي يتميّز بسرعة البديهة والحضور الذهني وقدرة فائقة على الخطابة والارتجال وشدّ الأسماع.

وكان يعدّ باللغة الفرنسية رؤوس أقلام خطبه المرتجلة باللهجة الدارجة المهذبة والسلسة الأقرب للغة الثالثة.

كما كان يقضي وقتا طويلا في التدرّب على إلقاء خطبه المكتوبة باللغة العربية ويحرص على إتقان القائها قدر المستطاع بحكم تكوينه باللغة الفرنسية.وبعد كل خطاب يسألني :" كيف وجدت حال سيبويه؟ "

ذلك غيض من فيض سيرة وخصال رجل دولة  فذ فقدناه ونودعه الوداع الأخير بعد حياة زاخرة بالنضال والعطاء، والمرء حديث بعده.

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي.

رحم الله الفقيد الكبير الدكتور حامد القروي

إنا لله وانا اليه راجعون

الطيب اليوسفي
مدير ديوان الوزير الأول سابقا

قراءة المزيد:

وفاة الدكتور حامد القروي: رحيل مناضل وطني ورجل دولة (1927-2020) (ألبوم صور)
عبد اللطيف الفراتي : حامد القروي شمعة أضات سماء تونس ولن تنطفئ (ألبوم صور)
الدكتور حامد القروي في ذمة الله

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.