أخبار - 2020.03.27

مختار اللواتي: رسالة مفتوحة إلى كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بخصوص أزمة فيروس الكورونا

مختار اللواتي: رسالة مفتوحة إلى كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بخصوص أزمة فيروس الكورونا

سيادة رئيس الجمهورية، السيد رئيس الحكومة، بعد التحية اللائقة بمقاميكما، ها إنني كمواطن ٍفردٍ من أفراد هذا الشعب الذي تتحملان المسؤولية الأعظم والأخطر في إدارة شؤونه، أتوجه إليكماعبر هذه الرسالة المفتوحة بعد طول كلام، سواء في مقالات أو ضمن تدوينات وتعاليق في الفضاء الأزرق، تماما مثلما فعل ويفعل غيري، آملا أن يكون خطابي إليكما مفيدا وناجعا قدر الإمكان. وأن يتسع له صدراكما!.

لقد كانت المرحلتان الأولى والثانية من دخول فيروس كورونا بلادنا، مرحلتين متسمتين بالتذبذب  وبطء التحرك وفقدان الوضوح. وإن كان السيد رئيس الحكومة قد وصفهما في خطابه الذي عرض فيه، مساء 21 مارس الحالي، الإجراءات المطبقة حاليا، بأنهما في رأيه، كانتا تتسمان بالتدرج والعقلانية. والحال أنه، وبفعل قراركم، سيدي الرئيس، حظر الجولان من السادسة مساء إلى السادسة صباحا، وقبل إعلان الحظر الصحي الشامل، أننا شاهدنا المواطنين يتدافعون، في الصباح وفي المساء ليستقلوا وسائل النقل العمومي والجماعي المختلفة، بما انجر عن ذلك من ارتفاع احتمالية الإصابة بالفيروس والعدوى. وهو ماحصل فعلا.

وحتى عمليات تأمين عودة التونسيين العالقين خارج أرض الوطن، شابتها الفوضى إلى اليومين الأخيرين. فلم تكن الإجراءات الوقائية بالدقة والصرامة اللازمتين للحيلولة دون أن يكون العائدون، أو نسبة مهمة منهم، ٍأدواتٍ لنشر الفيروس وعدواه.. إن المرحلتين الأولى والثانية، تكشفان بشكل واضح أن نسبة الإصابات بالفيروس بين العائدين، تقدر بثلاثة أضعاف المصابين المحليين. هذا زيادة على الاكتظاظ الذي كان ظاهرا للعيان على المغازات الكبرى وحتى الأسواق، فضلا عن التمادي في عقد الجلسات العامة للجمعيات والهيئات الراعية لها ومؤتمرات بعض الأحزاب، وإقامة حتى الأعراس، دون رقيب ولا حسيب.. وهكذا أخذ الفيروس ينتشر ويتمدد.

فكيف عن المرحلة الحالية بعد قراركم، سيادة رئيس الجمهورية، فرض الحجر الصحي الشامل؟

هي كذلك خضعت لخيار التدرج الذي تحدث عنه السيد رئيس الحكومة. فظل باب الاستثناء المعلَل بقضاء الحاجيات الأكيدة، مفتوحا للخرق دون ضابط، حتى اليومين الأخيرين، بعدما قررتم وأعطيتم الأوامر إلى قواتنا الأمنية والعسكرية، وأنت القائد الأعلى للقوات المسلحة، كي تنزل إلى الشوارع لضمان تطبيق الحجر الصحي والإمتثال للأمر الصادر بشأنه.

كل ماسبق ذكره أثر سلبا على درجة الإنضباط لقراركم بالحجر الصحى العام وملازمة البيوت،نتيجة فقدان الوضوح في مدى صرامة مختلف الإجراءات المقررة والأوامر المرفقة بها. بل إن البعض تحينها فرصةً لمحاولة شق الصفوف الموحدة تلقائيا لمواجهة عدو واحد مشترك لنا ولكل البشرية، بتنظيم خرجات ليلية، ظاهرها دعاء واستغفار، وباطنها إلهاء وتشتيت انتباه وتحويل وجهة، حتى لاأقول تآمر!

أنتم، سيادة رئيس الجمهورية، أصدرتم قرارات وأوامر، ورئيس الحكومة تولى شرحها وأرفقها بإجراءات وقرارات تفصيلة أخرى، فاشتركت، هذه وتلك، إلى اليومين الماضيين، في غياب الدقة والصرامة. وحتى إن كانت من حيث المضمون إيجابية. فإن التأخير في إصدارها دفعة واحدة، وليس بالتدرج الذي أشاد به السيد رئيس الحكومة، وإن عدم توفير الآليات اللازمة وبخارطة طريق مدروسة لتطبيقها، قد ولدت كلها كثيرا من الإرباك وزادت في تسهيل انتشار الفيروس.

غير إن الأمر بالغ الخطورة الآن، هو عدم توفر التجهيزات الطبية بالقدر الكافي، لإقامة مراكز اختبار في كامل أرجاء البلاد، لحصر المصابين بالفيروس. وأيضا عدم توفر غرف وأسرة ومعدات إنعاش كافية لاستعمالها عند الحاجة. بل إن الكمامات والقفازات ذات الإستعمال الاحترافيالمهني إلى جانب اللباس الطبي، غير متوفرة بالقدر الكافي برغم اندفاع المواطنين ومنظماتٍ من المجتمع المدني لجمع التبرعات من أجل توفيرها للإطار الطبي.

وعلى ذكر التبرعات، سيدي رئيس الدولة وسيدي رئيس الحكومة، فقد قدم المواطنون ماقدِروا عليه وأكثر. وفيهم من تبرع لأكثر من جهة، كصندوق 1818، ولمنظمات المجتمع المدني. علاوة على الخصم من الراتب، الذي اتخذ قراره أمين عام الإتحاد العام التونسي للشغل على غير ما يقتضيهالعرف والقانون بترك الحرية للشغالين المنخرطين في المنظمة الشغيلة بأخذ القرار بأنفسهم. ومع ذلك لم يحتج الشغالون . فالمواطنون المكتوون أصلا بغلاء معيشتهم وباستغلال المضاربين لهم، اندفعوا بلا حسابات لمد يد المساعدة والعون. ومن هذا المنطلق ساهمت المنظمة الشغيلة بقسطها في التبرع المباشر بالمال، مثلما تم الإعلان عنه في التيليتون  كما كانت لعدد كبير من نجوم المجتمع ونجماته، في داخل البلاد وخارجها، في الغناء وفي التمثيل وفي الرياضة، مع بعض الاستثناءات تُحفظ ولا يقاس عليها، وقفاتٌ مشرفة. حتى إن أحدهم، بحسب مابلغني، قد تبرع بالمليارات لغوث وطنه في محنته الكبرى. و لكن ماحز في نفوسهم ونفوسنا جميعا هو ما أظهره عدد من أصحاب الرساميل الضخمة والمجمعات الكبرى، مالية كانت أو واتصالية وصناعية، من تهاون وعدم تجاوب بما تقتضيه المرحلة من تضامن وطني تلقائي.. فالأرقام المعلنة لمساهمات بعض المجمعات والشركات مخجلة. حيث تراوحت قيمة تبرع الواحدة من هذه المجمعات والشركات، من نوع شركات الاتصالات الكبرى، بين 700 ألف و800 ألف دينار. والنادرمنها من وصل إلى المليون من الدنانير!!

وبهذا أصل إلى خاتمة هذه الرسالة، فأقول، إن التاريخ ليس كريما دائما ليمنح الشعوب وبالذات حكامها فرصا للإنقاذ وإصلاح الأخطاء. فإذا هو كان سخيا معنا ومنحنا كم فرصة في العشر سنوات المنقضية كي نصلح أحوالنا ونعبُر إلى مصاف الدول الراقية، فأهدرناها، دون ضرورةٍ في هذا الحيز المحدود للرجوع إلى أسباب ذلك، فإن الفرصة الحالية لا أعتقد أنها ستتكرر، سيدي الرئيس وسيادة رئيس الحكومة.

سيادة الرئيس والسيد رئيس الحكومة، أنتما محظوظان بشكل كبير، برغم الأعباء الجمة على كاهليكما، أن داهمنا هذا المصاب ذو الخطورة العالمية وأنتما، أقول انتما بالذات، جديدان في تحمل المسؤولية الأولى في الدولة. لأنه، وكونا متيقينيْن من ذلك. مابعد انقشاع هذه الغمة وهذا البلاء، لن تكون تونس والأوضاع بها كما كانت قبل غزو هذه الجائحة لبلدنا. ونفس الأمر ينطبق على كل بلدان العالم، مع التنسيب طبعا. فلا تضيعا فرصة النجاة مع الناجين. بل وخاصة فرصة إعادة ثقة المواطنات والمواطنين في الدولة وتحقيق لحمة وطنية حقيقية على أرض الواقع، بعيدا عن الشعارات والمزايدات.

سيدي رئيس الجمهورية، لاخيار برأيي إلا أن تمارس صلاحياتك التي يخولها لك الدستور كاملة ودون تردد بما تقتضيه المرحلة، وفق منطوق الدستور وبالقانون وبشكل يحترم أصول الديمقراطية. ولعل الفصل 80 من الدستور صريح في هذا السياق. وأهل الإختصاص أدرى مني بمنطوقه. كما إن الفصل 70 واضح هو الآخر. فما عليكما، سيادة رئيس الجمهورية والسيد رئيس الحكومة، إلا أن تحسما أمركما، فتختارا مصلحة الوطن وتكونا في مستوى هذه المرحلة التاريخية، التي تأبىأن تُدار بالأطماع بالمطامح الشخصية التي ستعود بالوبال على أصحابها قبل الدولة بأسرها والشعب بتمامه وكماله.

وبالعودة إلى موضوع التبرع، فإن المثل التونسي يقول "الحر من غمزة.." وقد قمتما بالغمزة، كل من ناحيته وبطريقته.. ولكنها لحد الآن لم تعط النتيجة المرتجاة. ولم يبق إلا المرور إلى فرض قيمة مساهمة أي طرف من هذه المجمعات والشركات الكبرى، مالية كانت، مثل البنوك وشركات التأمين، أو خدماتية مثل شركات الاتصالات، أو صناعية، أو كانوا أصحاب رؤوس أموال ضخمة. على أن يحدد أقرب أجل ممكن لإدخالها حيز التطبيق، حتى يمكن نجدة جنودنا على الجبهة وفي خط النار الأول، الإطار الطبي وشبه الطبي وطلبة الطب الذين برهنوا، عدا الكفاءة المهنية العالية، على حس وطني راق. فلا تخذلاهم !

مختار اللواتي

مواطن إعلامي تونسي حرّ، وناشط في المجتمع المدني

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.